تناول تقرير لمعهد واشنطن أعده سفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق، جيمس جيفري، والباحثة في المعهد، آنا بورشفسكايا، حول خيارات واشنطن إزاء الإفراط في التدخل الروسي في
سوريا، خصوصا فيما يتعلق بمعركة حلب.
يؤكد التقرير أن واشنطن في ظل الظروف الحالية، التي تخيم على سوريا، تحتاج إلى سياسة جديدة؛ فأعمال العنف المستمرة في سوريا تتطلب ذلك، وهو الأمر بالنسبة لفشل المساعي الدبلوماسية، والمشكلات الاستراتيجية التي قد تنتج عن السماح لنظام الأسد بمواصلة هجماته، التي يغامر فيها بكل شيء، والتي تدعمها
روسيا.
ويؤكد التقرير أن احتمال اعتماد إدارة كلينتون موقفا أكثر صرامة أو وصول دونالد ترامب، الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته إلى البيت الأبيض، يمنح أوباما مجالا للضغط على موسكو وأطراف أخرى، بينما يتوجّه إليهم بالقول: "ستحصلون معي على صفقة أفضل".
ويشير التقرير إلى أنه من الضروري أن يدرك الرئيس أوباما الخطر الفريد الذي تشكله تحركات موسكو في سوريا.
ويؤكد التقرير أن مصالح أمريكا في سوريا هي أعمق وأكثر استراتيجية من مصالح روسيا هناك، ففي حين توجد لروسيا بعض المصالح في سوريا، أبرزها القواعد العسكرية، كما يقول التقرير، إلا أن سيادتها ومبرراتها لمكافحة الإرهاب تُعدّ مبتذلة. فإذا كان بوتين يهتم حقا بمحاربة الإرهاب، بما فيه من الشيشان، لكان قد استهدف تنظيم «الدولة الإسلامية» بشكل مستمر منذ ظهوره، وهو أمر لم يفعله، وفي الواقع، ساهم فعليا في تقوية التنظيم في بعض الأحيان من خلال استهداف خصومه الأكثر اعتدالا.
والأهم من ذلك، حسب التقرير، أن مصالح أمريكا هي أكبر بكثير في سوريا، التي لديها حدود مع إسرائيل، ومع تركيا، الدولة العضو في حلف «الناتو»، ومع شريكين مقربين آخرين للولايات المتحدة. كما أن قدراتها العسكرية المحلية أقوى بكثير.
ويوصي التقرير إدارة الرئيس أوباما باتخاذ إجراءات من شأنها كبح جماح روسيا في سوريا، ليس من بينها التصعيد العسكري؛ إذ يوصي التقرير ببعض الخطوات للاستفادة من الميزات السياسية والعسكرية البارزة التي تتمتع بها واشنطن في المنطقة:
أولا: وضع حدّ تام ونهائي للحوار ذات النتائج العكسية بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف.
ثانيا: تزويد المعارضة المسلحة في سوريا بالمزيد من الأسلحة، بما فيها بعض الأنظمة التي أرسلتها سابقا (الصواريخ المضادة للدبابات)، وأخرى لم ترسلها قط (على سبيل المثال، مدافع ثقيلة مضادة للطائرات "ذات استخدام مزدوج" ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة). وفي حين أن هناك مخاطرة بوقوع هذا النوع الأخير من الأسلحة في الأيدي الخاطئة، إلا أن الولايات المتحدة نجحت في نقل مثل هذه الأنظمة من قبل (في أفغانستان، على سبيل المثال). كما أن خطر انتشار الأسلحة هو أقل خطورة اليوم؛ لأن التقنيات الجديدة تخوّل واشنطن تعقّب الصواريخ المنقولة، ومنع استخدامها لإسقاط طائرات تجارية.
ثالثا: الموافقة على عرض تركيا القاضي بتوسيع المنطقة الآمنة التي أنشأتها في شمال سوريا (مع بعض الدعم العسكري الأمريكي) خلال آب/ أغسطس. عندئذ، يمكن للبلدين استخدام المنطقة لإيواء اللاجئين، وتوفير إمدادات الإغاثة، وتقوية صفوف قوات المتمردين. وكما اقترح مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" وقائد القوات الأمريكية السابق، ديفيد بتريوس، يمكن الدفاع عن المنطقة بواسطة أنظمة اعتراضية، بما فيها صواريخ باتريوت المضادة للطائرات وبطاريات أرض-أرض لـ "النظام الصاروخي التكتيكي للجيش" ("أتاكامز") الموجودة في تركيا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استعمال طائرات "أف 22" الخفية المقاتلة لتنفيذ دوريات داخل المنطقة، فهي تتمتع بقدرة أفضل على مجاراة الأنظمة الروسية، وكان قد تم نشرها بالفعل في سوريا.
رابعا: إنزال الإمدادات الإنسانية فوق حلب وغيرها من المناطق المحاصرة. يجب أن تُختم هذه الإمدادات في طائرات نقل أمريكية من قبل مسؤولي الأمم المتحدة؛ من أجل منحها كامل نطاق الطابع الشرعي القانوني الدولي. ومن ثمّ، يمكن أن تحذّر واشنطن من أي عمل عسكري يطال أي مواقع صواريخ أو قواعد جوية تهدّد هذه الشحنات الجوية. وإذا استمرت التهديدات، يمكن للقوات العسكرية إنزال هذه الإمدادات من قاذفات الصواريخ "الشبح بي 2"، التي لا يمكن تعقّبها والمحصّنة عمليا.
وليس هناك شك في أن استخدام الموارد العسكرية ذات القيم العالية في مهمات "سياسية" قد يتضمن بعض المشكلات، ولكن بصرف النظر عن الردع النووي، ليس هناك مهمة استراتيجية على جدول أعمال أمريكا أكثر أهمية حاليا من التعامل مع التدخل الروسي (والإيراني) المتهور في سوريا. وهذه المهمة هي أكثر إلحاحا حتى من دحر تنظيم «الدولة الإسلامية». إن استخدام أقوى جيش في العالم للقيام بها من شأنه أن يبعث بالرسالة الصحيحة حول أولويات الولايات المتحدة.
خامسا: اتخاذ تدابير دبلوماسية بحق روسيا ونظام الأسد وإيران؛ بسبب دورهم في ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، والتسبّب بتدفق اللاجئين بأعداد هائلة، ودعم الإرهاب بشكل غير مباشر. لا بدّ من أن اتخاذ مثل هذه الجهود في الأمم المتحدة والجامعة العربية، وفي أي طرف آخر قد تجد عنده واشنطن آذانا صاغية. وكما أطلع "القائد الأعلى لقوات التحالف" في حلف «الناتو» الجنرال فيليب بريدلاف "لجنة الخدمات المسلّحة في مجلس الشيوخ" الأمريكي في آذار/ مارس، فإن "روسيا ونظام الأسد يستخدمان الهجرة بصورة متعمدة كسلاح؛ سعيا منهما إلى ممارسة ضغوط هائلة على الهيكليات الأوروبية، وكسر العزيمة الأوروبية". ويجب عدم الاستخفاف بهذا التصريح.
وتكمن إحدى وسائل مواصلة المقاضاة في دعم "قانون قيصر سوريا لحماية المدنيين"، الذي اتفق عليه الحزبان الجمهوري والديمقراطي، والذي منع البيت الأبيض وصوله إلى التصويت أمام الكونغرس الشهر الماضي. ويسعى مشروع القانون إلى استهداف بشار الأسد؛ بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها، وفرض عقوبات على الذين يتعاملون معه.
سادسا: استغلال المخاوف الأوروبية بشأن اللاجئين وجرائم الحرب؛ من أجل إبقاء العقوبات المفروضة على موسكو، والمتعلقة بأوكرانيا، بل حتى تشديدها. ويمكن الاستفادة أيضا من هذه النقطة للإطاحة بمشاريع أنابيب الغاز الروسية المثيرة للجدل، على غرار "السيل الشمالي 2" و"التيار التركي"، على الأقل فيما يتعلق حتى الآن بمحاولة هذه المشاريع تقليص مسارات الغاز الأوكرانية، وتعزيز اعتماد الاتحاد الأوروبي على الإمدادات من عملاق الطاقة الروسي "غازبروم".
سابعا: تعزيز الهجمات ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن شأن ذلك أن يُظهر عزما أمريكيا ويسمح بتحوّل الاهتمام والقوات بصورة أسرع نحو مواجهة موسكو وطهران، واستباق أي هجوم مضاد إيراني محتمل ضدّ العملية، التي تدعمها الولايات المتحدة؛ لاستعادة الموصل في العراق.