قالت مجلة "إيكونومست" إن الإصلاحيين الشباب في
السعودية يواجهون المعوقات ذاتها التي واجهت الجهود الإصلاحية في الماضي.
وتقول المجلة في تقرير تحت عنوان "البناء على الرمال"، إنه "للبحث عن عهد جديد ظهر في المملكة، لا تنظر أبعد من الحكومة، فقد خرج منها الأمراء ثقيلو الظل، ودخل الإصلاحيون الشباب (بشكل نسبي)، ومنذ صعود
الملك سلمان للعرش العام الماضي، فإنه عين جيلا جديدا من الوزراء المقربين، من ابنه البالغ من العمر 31 عاما الأمير
محمد بن سلمان، نائب ولي العهد، وأكمل الملك تعديله الوزاري في تشرين الأول/أكتوبر، واستبدل وزير المالية الأقدم إبراهيم العساف، (حيث شغل المنصب لمدة 20 عاما)، وعين مكانه محمد الجدعان، الذي كان مديرا لهيئة السوق المالية في العاصمة الرياض".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذه "التغييرات تأتي في وقت يحاول فيه الأمير محمد تطبيق سلسلة من الإصلاحات (
رؤية 2030)، الهادفة إلى فطم المملكة عن
النفط، والحد من النفقات العامة، وتنويع
الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الخارجية، ومن المتوقع أن يعزز قادة المملكة الجدد، وكثير منهم رجال أعمال ومصرفيون سابقون، هذا الجهد، فمن جانبه أشرف الجدعان على فتح السوق المالية السعودية، وإن بشكل حذر، للمستثمرين العام الماضي".
وتعلق المجلة قائلة إن "الأمر يحتاج أكثر من إدارة جديدة لإقناع المحللين بأن المملكة جادة بشأن الإصلاح، ويقول دبلوماسي في الرياض: (يتحدثون عن هذا الأمر منذ 30 عاما)، مشيرا إلى منطقة الملك عبدالله الاقتصادية، وهي مجموعة من ناطحات السماء اللامعة في الجزء الشمالي من العاصمة، فعندما وضع الملك حجر الأساس لها قبل عقد من الزمان، تخيل أن تتحول المنطقة إلى عماد الاقتصاد غيرالنفطي، لكنها كانت فشلا ذريعا، وتجاوزت البنوك والشركات الأبراج المالية، حيث رأت الاقتصاد مغلقا، ويعاني من قيود اجتماعية خانقة".
ويفيد التقرير بأن "الحكومة تركز اليوم على تطبيق خطتها الجريئة، كما يقول المدير السابق لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مصرف (أتش أس بي سي) محمد التويجري، الذي يعمل الآن نائبا لوزير الاقتصاد والتخطيط: (صدقني يناقش هذا الأمر كل أسبوع)، ويطلب من كل وزارة تقارير عن سير العمل، وبالنسبة للمتشككين، فإن منطقة الملك عبدالله الاقتصادية لا تزال باروميترا مفيدا، ويأمل الأمير محمد بإنقاذ المشروع، من خلال جعله (منطقة خاصة)، وبتعليمات مخففة، ونظام مرن لمنح التأشيرات، وربط مباشر للمطار، ولم يحدث أي من هذا بعد".
وتستدرك المجلة بأنه "مع ذلك، فإنه تم اتخاذ خطط صغيرة من أجل إظهار التقدم، لكنها تفتقد إلى وضع اللمسة الأخيرة، ففي أيلول/ سبتمبر، مثلا، قامت الحكومة بقطع الرواتب والعلاوات عن موظفي القطاع العام، الذين يشكلون ثلثي العمال في السعودية، وجاءت هذه الخطوة مع تحذير صغير، وهو ما أسهم في انهيار ثقة المستهلك، وفي بداية العام أدى تخفيض الدعم السخي إلى ارتفاع في فواتير المياه واحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم استبدال وزير المياه والكهرباء المخضرم برجل أعمال سابق، ويقول الباحث في مركز الخليج للأبحاث جون سفاكيناكس إنه (تحمل مسؤولية السياسة التي لم يتم التفكير بها جيدا)".
ويلفت التقرير إلى أن "هناك مشكلة أكبر، وهي أن الرؤية ذاتها (ضبابية)، ويقوم الأمير محمد بقيادة جيش من المستشارين الأجانب، إلا أن برنامجه للتحول الوطني، وهو المكمل لرؤية 2030، كلاهما محدد وغامض بشكل محبط، وتضم الرؤية ركائز لأشياء، مثل إصدار تراخيص لمحلات الحلال، لكنها فشلت في الحديث عن الطريقة التي تمكن الحكومة من تحقيق الأهداف المهمة، مثل مضاعفة الاستثمار الأجنبي بحلول عام 2020، فالكثير من الأهداف (لا تزال محل الدراسة)، واعترف الإصلاحيون بأولوية الحصول (على الفاكهة المتدلية)، ويعترف التويجري، بأن المبادرات المعقدة، مثل خصخصة الشركات العامة، ستتبع لاحقا، كما يقول".
وتعلق المجلة قائلة إن "الوزراء القادمين من قطاع المال والأعمال حريصون على الترويج للاستثمار الخاص، لكن الإصلاحات الأخرى تعقد من مهمة تحقيق هذا الأمر، فزيادة بنسبة سبعة أضعاف في مجال التعرفة للحصول على تأشيرات تعيق بشكل محتمل الشركات الأجنبية، وتجعل الشركات التي تعتمد على العمالة الرخيصة تعاني، وتقول شركة المراعي لتصنيع الألبان، إن عائداتها ستتراجع بنسبة 130 مليون دولار؛ نظرا لسياسات التقشف التي اعتمدتها الحكومة، وظهرت زيادة في الدفعات المتأخرة لشركات الإنشاء، وهو ما قادها إلى تخفيض نسبة العاملين فيها، وعدم دفع الرواتب، ووجد العديد من العمال الأجانب أنفسهم عالقين في معسكرات العمالة في الصحراء دون رواتب".
ويورد التقرير أنه "قبل انهيار أسعار النفط، كانت شركتا بناء سعوديتان، وهما مجموعة ابن لادن السعودية، وسعودي أوجيه، مسؤولتين عن بناء معظم مشاريع البنية التحتية، لكن خفض نفقات الدولة ترك الشركتين غارقتين بالديون، فسعودي أوجيه تريد مليارات من الحكومة، ومعظمها من عمل أكملته، والشركة مدينة بمليارات الدولارات للبنوك. أما مجموعة ابن لادن فتشكو من المشاريع التي لم تتلق عليها أجورا، ولا تعرف أي من الشركتين أنها فاعلة في مشاريعها، وربما تحاول الحكومة تحديد ملامح جديدة، إلا أن أفعالها أثارت قلق النظام المصرفي السعودي والاقتصاد بشكل عام".
وتنوه المجلة إلى أن قطاع الأعمال يعاني من جهود الحكومة الرامية إلى دفع الشركات الخاصة إلى استبدال العمالة الأجنبية الرخيصة بموظفين سعوديين برواتب عالية، وهي سياسة يطلق عليها (السعودة)، وطلب من صناعة بيع الهواتف النقالة في أيلول/ سبتمبر توظيف سعوديين فقط، ووفرت الحكومة تدريبا للعمالة المحلية، وتدفع الآن رواتبهم، إلا أن السعوديين بشكل عام يفتقدون المهارات التي يريدها أرباب العمل، فالمدارس، التي عادة ما تحشو عقول التلاميذ بالدين، تتجاهل المواضيع العملية، مثل الرياضيات والعلوم، وهناك قلة من السعوديين على استعداد للعمل في قطاع الأعمال المتدنية، ومن أجل تأمين الكوتا المطلوبة، فإن بعض الشركات تدفع رواتب السعوديين مقابل بقائهم في البيوت".
وبحسب التقرير، فإن صندوق النقد الدولي خفض في الفترة الأخيرة من توقعاته حول نمو القطاع غير النفطي في المملكة هذا العام إلى 0.3% من 1.6%، بناء على معايير التقشف التي بدأت فيها الحكومة، لافتا إلى أنه من المتوقع أن تنتعش في العام المقبل.
وتنقل المجلة عن شركة "كابيتال كونسلتنسي" قولها إن "معظم عمليات خفض النفقات العامة قد حدثت"، ونجحت في بيع صكوك دولية بقيمة 17.5 مليار دولار، وهي الأكبر في سوق صاعدة، مشيرة إلى أن الحكومة سمحت باستئناف الدفع للمتعهدين والمستثمرين المتحسمين؛ للحصول على عقود، و"هذه علامة جيدة".
وتختم "إيكونومست" بالقول: "لكن الإصلاحات التي يتصورها الأمير وفريقه تذهب أعمق من التقشف، فلا يزال المستثمرون ينتظرون تغييرات ذات معنى، مثل عرض أسهم من شركة النفط (أرامكو)، و(هذه الفاكهة المعلقة في الوسط، التي ينتظرها العالم ليرى أن مشروع الإصلاح سيكون ناجحا)، كما يقول سفاكيناكس".