زعم البنك المركزي
المصري في بيانه حول تحرير سعر الصرف الخميس الماضي أن منظومة أسعار الصرف الجديدة، جزء من حركة الإصلاحات التي تدعم غرض البنك المركزي لاستهداف التضخم وتحقيق استقرار الأسعار، وكرر محافظ البنك المركزي نفس المعنى خلال مؤتمره الصحفي حول إجراءات تعويم الجنيه، كما كرره رئيس الوزراء أيضا.
ويستند محافظ البنك المركزي في رؤيته إلى أنه من خلال قيامه بزيادة سعر الفائدة بنسبة 3 بالمئة، والاتفاق مع البنوك العامة الثلاثة الأهلي ومصر والقاهرة على إصدار أوعية إدخارية جديدة، بفائدة 20 بالمئة للودائع لمدة عام ونصف، و16 بالمئة، للودائع لثلاث سنوات وهي نسب غير مسبوقة، على اعتبار أن هذا سيشجع أصحاب المدخرات على إيداعها بالبنوك، مما يساهم في سحب السيولة من السوق، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف الطلب على السلع فتنخفض الأسعار تبعا لذلك.
لكن محافظ البنك المركزي ينسى أنه لجأ لنفس الوسيلة في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، حين زاد سعر الفائدة على شهادات إيداع للبنوك العامة الثلاث بنسبة 2,5 بالمئة لتصل إلى 12,5 بالمئة، والتي كانت أعلى من باقي العوائد بالبنوك وقتها، وصرح حينذاك بأنه يستهدف سحب السيولة من السوق بتلك العوائد كي تنخفض الأسعار.
لكن الإقبال على تلك الشهادات وقتها كان محدودا، واقتصر غالبه على قيام المودعين بتحويل أرصدة مدخراتهم القديمة إلى الشهادات الجديدة، للاستفادة من فارق سعر الفائدة الكبير، دون ورود سيولة كبيرة جديدة من خارج الجهاز المصرفي، ولهذا لم تنخفض الأسعار وقتها بل اتجهت للزيادة.
زيادة الأسعار لارتفاع التكلفة
وفسر الخبراء الأمر وقتها بأن نوعية التضخم الموجودة بالأسواق المصرية، مختلفة عما يراه محافظ المركزي، فهي ليست ناتجة عن زيادة السيولة بالسوق، ولكنها ناتجة عن زيادة تكلفة السلع المنتجة، ولهذا يوجد ركود تضخمي.
يسود الركود الأسواق ومع ذلك تزيد الأسعار، لكن يبدو أن محافظ البنك المركزي لم تتح له الفرصة لقراءة ذلك التفسير، وهو الذي هبط على المراكز العليا بالبنوك لكون والده كان رئيسا لنادي الزمالك، وعمه قائد سابق للجيش ودعم جمال مبارك له.
ومن هنا فإن الإجراءات الجديدة للبنك المركزي المصري الخاصة بتعويم الجنيه وزيادة الفائدة قد زادت الأسعار بالأسواق المصرية اشتعالا، حيث كانت البنوك تمول استيراد السلع الأساسية والغذائية والمواد الخام، والأدوية وقطع الغيار والآلات والمعدات بسعر صرف 8,88 جنيهات للدولار، بينما قفز سعر صرف الدولار خلال أول يوم من المنظومة الجديدة إلى ما يقرب من 16 جنيها بزيادة تزيد عن السبعين بالمائة خلال يوم واحد.
ولحق بذلك أثر آخر مكمل، وهو تغير سعر الدولار الجمركي الذي تحسب الجمارك قيمة تعريفتها على السلع المستوردة على أساسه، والذي زاد أيضا من أقل من 9 جنيهات إلى أكثر من 14 جنيها، حيث تتبع الجمارك الأسعار اليومية للبنك المركزي، وهو البنك الذى باع للبنوك الدولار في اليوم الأول لمنظومة تحرير الجنيه بسعر صرف 14,62 جنيها، ومن هنا ستزيد المبالغ التي يدفعها المستوردون للجمارك والتي يحملونها على أسعار السلع.
زيادة الفائدة يزيد التكلفة
أما زيادة سعر الفائدة بنسبة ثلاثة بالمئة الخميس الماضي، فقد سبقتها زيادة الفائدة بنسبة ثلاثة بالمئة منذ مجيء المحافظ الحالي خلال شهور كانون الثاني/ ديسمبر وآذار/ مارس وحزيران/ يونيو الماضية، مما يعني زيادة الفائدة بنسبة ستة بالمئة، خلال فترة تولي المحافظ الحالي التي قاربت على بلوغ العام الواحد، وهو أمر يزيد من أعباء الشركات المنتجة خلال اقتراضها من البنوك، مما يزد من تكلفة السلع المنتجة والتي يتحمل المستهلك أعباءها في النهاية، وهكذا تكون يكون رفع الفائدة بالحالة المصرية قد ساهم عمليا في زيادة التضخم وليس خفضه.
وجاء رفع أسعار المنتجات البترولية كعامل إضافي ساهم في اشتعال الأسعار بالأسواق المصرية، حيث زاد البنزين ما بين 35 بالمئة إلى 47 بالمئة، وكلا من السولار والكيروسين بنسبة 31 بالمئة، وغاز السيارات بنسبة 45,5 بالمئة، وأسطوانات الغاز المنزلي والتجاري بنسبة 87,5 بالمئة، والغاز المنزلي ما بين 33 بالمئة إلى 5,87 بالمئة إلى جانب زيادات بنسب أقل للمازوت، وسوف تنعكس تلك الزيادات على أسعار نقل الأشخاص والبضائع ، وكذلك على مخرجات العمليات الإنتاجية بالصناعات الغذائية والإسنمت والعمليات الزراعية وغيرها.
ويتوقع المصريون حاليا من خلال بعض التسريبات رفع سعر تذاكر مترو الأنفاق وزيت الطعام، خاصة في ضوء تصريحات رئيس الوزراء عن خسائر مرفق المترو، والزيادات العالمية التي لحقت بأسعار السكر والزيوت ومنتجات الألبان، في ضوء استيراد مصر أكثر من 60 بالمئة من استهلاكها الغذائي.