نشرت مجلة "بوليتيكو" مقالا لخبير العلاقات الأمريكية
الإيرانية الدكتور راي تاكيه، يناقش فيه العلاقات الأمريكية الإيرانية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد
ترامب.
ويقول الكاتب إن "ترامب سيرث مجموعة مشكلات سياسة خارجية عندما يتسلم منصبه في كانون الثاني/ ديسمبر في
الشرق الأوسط، من الحروب الأهلية إلى مشكلة الإرهاب، ولكن من بين كل الخصوم في المنطقة عليه أن يتعامل مع إيران، فهي عدو لا يسهل التنبؤ بتصرفاته، وتزرع علمه في عواصم عربية، مثل بغداد وبيروت، وبالنسبة لترامب فإن سياسة شرق أوسطية ناجحة مرهونة بسياسة ناجحة تجاه إيران".
ويضيف تاكيه في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "في الوقت الذي تفكر فيه إدارة ترامب الجديدة في أي سياسة ستتخذها، فإن هناك دروسا مهمة يمكن أن تتعلمها من الإدارات السابقة، فمنذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979 تصارعت الإدارات المختلفة -الجمهورية والديمقراطية- مع النظام الديني في إيران، وفي العادة كانت تحمل الفرضيات ذاتها، وترتكب الأخطاء ذاتها، ولتجنب الوقوع في هذا المطب يجب على الفريق الجديد تعلم الدروس من هذا التاريخ المعذب".
ويشير الكاتب إلى أن "الدرس الأول هو أنه يجب معاملة إيران على أساس أنها دولة قومية واحدة، وليست مجرد مجموعة من المتعصبين والمعتدلين، تستطيع السياسة الأمريكية التعامل معها لمصلحتها، وتجب مراجعة فكرة الفصائلية الإيرانية من أساسها بعد ثورة 2009، عندما قامت الدولة الدينية بإقصاء الإصلاحيين، بالإضافة إلى أنه لا يصح اعتبار أن إيران وصلت إلى مرحلة الإجماع الداخلي، لكن الصراعات التي كانت تقسم الدولة الدينية هي أقل أهمية وأقل حدة اليوم، وفي القضايا الرئيسة المتعلقة بالهيمنة الإقليمية وتكريس الأتوقراطية الدينية، فقد وصلت الجمهورية الإسلامية إلى اتفاق، حيث يتشارك الزعيم الروحي علي خامنئي والرئيس حسن روحاني الأهداف ذاتها، حتى وإن كانت أهدافهما تختلف أحيانا".
ويجد كاتيه أنه "حتى لو كانت ايران تعاني من الانقسامات الداخلية ذاتها، كما كانت في الماضي، فإن الفصائلية يجب ألا تكون حجة لإعفاء الجمهورية الإسلامية من المسؤولية عن جرائمها، وكانت إدارة كارتر ضد اتخاذ إجراءات قوية عندما كان هناك رهائن أمريكيون في إيران عام 1979؛ خوفا من تقويض من يدعون المعتدلين، وحجة فريق ريغان بمبادلة الرهائن بالأسلحة كانت تقوية التيار المعتدل في إيران، الذي كان يتوقع أن يستلم الحكم بعد وفاة آية الله خميني، ولم يكن هناك رئيس اهتم بنقل السياسة الإيرانية في اتجاه براغماتي أكثر من الرئيس
أوباما، فبموافقته على اتفاقية ناقصة للحد من التسلح كان أمل أوباما أن يساعد في تكريس سلطة روحاني، وفعل روحاني ذلك، لكن الجمهورية الإسلامية ذهبت تعيث فسادا في سوريا والعراق، وتزعزع الاستقرار في الخليج، وتمارس القمع على مستوى واسع لرعاياها، وتعاني البلدان كلها، بما في ذلك أمريكا، من الفصائلية، لكن إيران هي الوحيدة التي استخدمت المنافسة الداخلية بذكاء لإغواء وتضليل الغربيين السذج".
ويلفت الكاتب إلى أن "الدرس المهم الثاني هو أن إيران قابلة للتهديد بالقوة، وكان هناك حديث خلال أزمة الرهائن في طهران عن محاكمة الرهائن، لكن كارتر حذر إيران سرا من تحرك انتقامي إذا استمرت بتلك الخطوة، فتوقف ذلك الحديث كله فجأة، بالإضافة إلى أن المسؤولين في إدارة كارتر حذروا إيران من أنه إذا انتخب رونالد ريغان فقد يكون تعامله مع الأزمة مختلفا تماما وأكثر عنفا، وكان لاستخدام (بطاقة ريغان) من فريق كارتر في البيت الأبيض دور فعال في إنهاء الأزمة، ففي التعامل مع حكم الأقلية من رجال الدين ينجح التهديد ويفشل التملق".
ويبين كاتيه أن "إدارة جورج بوش الابن تقدم مثالا جيدا لدراسة الحالة، وماذا يمكن أن يكون فعالا وما هو غير الفعال، فكان انتصار أمريكا السريع ضد حركة طالبان وصدام حسين أقلق نظام الملالي وأوقفت إيران برنامجها النووي مباشرة عام 2003، وكان شجب بوش للدول التي تدعم الإرهاب وتسعى إلى تطوير أسلحة دمار شامل تمت ملاحظته بوضوح في طهران، لكن الإدارة وقعت بسرعة في مستنقع المفاوضات، ومع حلول عام 2005 تخلت أمريكا عن استخدام القوة، وسعت إلى إشراك إيران في إعادة الاستقرار للعراق، وحل المشكلة النووية، وكان رد الجمهورية الإسلامية هو التسريع في أنشطتها النووية، وتمزيق القوات الأمريكية في العراق، مستخدمة مليشياتها الشيعية".
وينوه الكاتب إلى أن "الدرس التالي الذي يجب تذكره هو أن الجمهورية الإسلامية ليست مهتمة في تطبيع العلاقات مع أمريكا، فعلى مدى الأربعة عقود الماضية كان الرؤساء الأمريكيون يأملون بأن عروض التفاوض واحتمال عودة العلاقات ستشجع إيران باتجاه الاعتدال، فحرص كارتر على حل أزمة الرهائن بطريقة لا تغلق الباب أمام احتمال عودة العلاقات مع إيران، ووصل روبرت ماكفارلين، مبعوث ريغان، إلى طهران عام 1985؛ أملا بأن يناقش طرقا لتحسين العلاقات، وتحدث أوباما كثيرا عن وضع تاريخ البلدين المثير للنزاع في الخلف، والمضي قدما إلى مستقبل أفضل لإيران، والنقطة التي فشل كثير من المسؤولين في البيت الأبيض في إدراكها هي أن الجمهورية الإسلامية دولة ثورية استثمرت هويتها كلها في العداء للغرب، وبالنسبة للحكام الدينيين، فإن إعادة العلاقات مع أمريكا هي بحد ذاتها تهديد لوجودهم".
ويتساءل كاتيه: "ماذا يعني هذا كله لدونالد ترامب؟ سيكون من الحكمة أن تقوم إدارة ترامب بصنع سياسة حقيقية خاصة بإيران، وليس مجرد مجموعة اقتراحات للحد من التسلح مثل تلك التي أشغلت الرئيسين السابقين، ويجب أن يكون جوهر هذه السياسة هو إضعاف إيران، على خلاف السعي لتقوية ما يسمى بفصائلها المعتدلة، فلا يوجد في الجمهورية الإسلامية اليوم براغماتيون ينتظرون إصلاح العلاقات مع واشنطن، بل يجب أن يكون محور هذه السياسية هو التركيز على اقتصاد إيران في الوقت الذي يتم فيه عزلها إقليميا، ويجب على أمريكا أن تفرض عقوبات تشل الاقتصاد الإيراني وتعزلها عن الاقتصاد العالمي، وفي الوقت ذاته وبالعمل مع الحلفاء العرب وإسرائيل، فإنه يمكن لأمريكا أن تدفع إيران للخلف في مشهد الشرق الأوسط".
ويذهب الكاتب إلى أنه "باعتبار الموقف الصقوري الذي يتخذه فريق ترامب، فإنه يمكنه التهديد باستخدام القوة للحصول على تنازلات من إيران، وبالرغم من التحذيرات من أن الإدارة الجديدة لا تستطيع مراجعة أي جانب من الاتفاقية التي وقعها أوباما، إلا أن لدى ترامب فرصة قوية في تخويف الملالي، وإعادتهم إلى طاولة المفاوضات، والتوصل إلى صفقة تتخلص من الجوانب السلبية من خطة العمل الشاملة المشتركة، مثل فقرة الأبحاث والتطوير المتسامحة".
ويختم كاتيه مقاله بالقول إن "على ترامب ومستشاريه أن يلاحظوا أن طهران ستقوم بتقدير نواياهم، ليس فقط بما يقولون، بل كيف يتصرفون في أماكن أخرى من الشرق الأوسط، فإن قامت أمريكا بإهمال حلفائها العرب، وتشويه سمعة
إسرائيل، كما فعلت إدارة أوباما، سيشعر الحكام الدينيون أن لديهم مساحة أكبر للمناورة".