أصدر زعيم تنظيم
القاعدة، أيمن الظواهري، كلمة قبل أيام، عنونها بـ"لغير الله لن نركع"، رفض خلالها الاتهامات الموجهة لتنظيمه بجرّ الدول التي يتواجد بها للمصائب والمآسي.
الظواهري، وفي رد على كبرى الفصائل السورية ومنظريها، قال إن الولايات المتحدة ارتكبت المجازر في فيتنام وألمانيا وغيرهما، في إشارة إلى أنها لن تتوقف عن التنكيل بالسوريين بمجرد انسحاب تنظيم القاعدة منها، وفقا له.
مراقبون قالوا إن تركيز الظواهري على دفع التهم عن "القاعدة"، ودحض الأصوات التي تطالب بإقصائها لعدم الإبقاء على مبررات للغرب لاستهداف الثورة السورية، قد يكون بداية لنقطة تحول كبيرة في الفترة المقبلة.
وأوضح مراقبون أن الظواهري تجاهل أي حديث عن "جبهة
فتح الشام"، التي فكّت ارتباطها بتنظيمه قبل ستة شهور، وهو ما يرجح الرواية القائلة بأنه غير راض عمّا يحصل في
سوريا.
تزامنت كلمة الظواهري مع اتساع الفجوة بين شخصيات بارزة في "فتح الشام" مع قيادة التنظيم وعلى رأسها "الجولاني"، وهو ما يفتح باب التكهنات مجددا عن احتمالية إعلان فرع لـ"القاعدة" في سوريا.
موقف الظواهري
"
عربي21"، تواصلت بهذا الخصوص مع مصدر جهادي مقرب من تيار "سامي العريدي، أبو جليبيب، وبلال خريسات"، وغيرهم من القادة الذين إما تركوا "فتح الشام" أو بات دورهم هامشيا في التنظيم.
المصدر أوضح ابتداء أن فكرة فك ارتباط
جبهة النصرة بـ"القاعدة" لم تلق موافقة الظواهري كما أشيع، مؤكدا أن "أبو الخير المصري"، الذي قدم حينها على أنه نائب الظواهري، لم يكن بهذا المنصب حين صدور القرار.
وقال المصدر إن ما يعرف بتيار "المناهجة" في "فتح الشام"، انقسموا بين رافض بشكل تام لفك الارتباط، وبين موافق على القرار بشرط أن يكون شكليا، وتبقى منهجية التنظيم على ما هي عليه.
وبحسب المصدر، فإنه "وبعد اطلاع هذا التيار على التغير الذي حدث في فتح الشام، ومحاولاتهم الجادة للاندماج مع أحرار الشام وغيرها، قرروا ترك فتح الشام".
المصدر قال إن من أبرز من استقال من التنظيم "إياد الطوباسي الملقب بأبي جليبيب الأردني، وبلال خريسات، الملقب بأبي خديجة، وأبو همام العسكري، وهو قيادي أردني سابق في التنظيم".
إضافة إلى تجميد الشرعي العام السابق، سامي العريدي، عضويته في التنظيم.
الجولاني حذّر
وحول إمكانية إعلان هؤلاء القادة فرعا جديدا لـ"القاعدة" في سوريا، قال المصدر إن "الجولاني حذر أبا جليبيب من ذلك، ولا أظن أن عندهم حاليا إمكانيات لأمر مثل هذا".
إلا أنه استدرك قائلا: "لكن إن تم اندماج فتح الشام مع بعض الفصائل المدعومة من الخارج، فستصبح هناك مقومات لإعلان فرع للقاعدة".
وبالإضافة إلى أتباع القادة "المناهجة"، بحسب ما يتم توصيفهم، قال المصدر إن "المنشقين عن تنظيم الدولة مؤخرا، وعلى رأسهم الشرعي التونسي بلال الشواشي، من المؤكد أنهم سينضمون لفرع القاعدة في سوريا".
تيّار "ذكي"
الباحث في الشؤون الجهادية، حسن أبو هنية، قال في حديث لـ"
عربي21" إن التيار الذي يعتبر نفسه مقرب من "القاعدة" يتموضع حول نفسه في سوريا، ويبتعد عن الدخول في صراعات ومهاترات مع فصائل أخرى.
أبو هنية أرجع سبب هذا الهدوء إلى "الخبرة الواسعة" التي يمتلكها قادة هذا التيار، مضيفا: "لا يريدون الظهور بشكل ضعيف، فيتحولون إلى أعداء لكافة الفصائل حينها".
وتابع: "لو كانت غايتهم إعلان فرع للقاعدة، لأعلنوا ذلك منذ زمن، لكنهم أذكى من هذا".
وقال أبو هنية إن قادة هذا التيار يترقبون ما ستؤول إليه جبهة فتح الشام في الفترة المقبلة، ملمحا إلى أنهم يتمنون فشل القرارات التي اتخذها الجولاني مؤخرا، وأبرزها فك الارتباط بـ"القاعدة".
وأضاف: "حينها سيقولون لشباب فتح الشام، انظروا هذا ما جنته الجبهة من فك الارتباط، والتقرب من الفصائل المدعومة وغيرها".
أبو هنية أوضح أن هدف هذا التيار الأول هو "قيادة حركة تصحيحية داخل جبهة فتح الشام، يكونون فيها أوصياء على قرارات التنظيم"، في إشارة إلى أن الإعلان عن فصيل جديد ليس من أولوياتهم.
"الجبهة" حسمت و"القاعدة" لن تغامر
شرعي في "فتح الشام"، فضل عدم ذكر اسمه، توقع عدم عودة فرع لـ"القاعدة" في سوريا، معتبرا أن الإعلان سيكون بمثابة "الانتحار".
وفي حديث لـ"
عربي21"، قال إن "القاعدة" لن تخطو خطوة مشابهة لما فعله أبو بكر البغدادي بإعلان فرع لتنظيم الدولة في سوريا.
وأضاف: "غامر البغدادي حينها انتقاما من الجولاني، لكن الآن الحفاظ على الساحة يتمثل في مضي الجبهة بمشروعها".
كما قلّل من تأثير التيار المقرب من "القاعدة"، قائلا إن لا ثقل لهم لا في الشمال السوري، ولا في ريف دمشق ودرعا.
وتابع: "ليس لهم أي إمكانيات شرعية ولا مادية للإقدام على هذه الخطوة".
وفي السياق ذاته، رد الشرعي على الأصوات التي تتهم "فتح الشام" بتغيير نهجها في الآونة الأخيرة، قائلا إن الأمر الوحيد الذي تغير منذ فك الارتباط بـ"القاعدة" هو عدم تبني بعض معتقدات "القاعدة"، وأبرزها "العمل خارج سوريا".
وعند سؤاله عن موقف "القاعدة" مما يشهده الصف الداخلي لـ"فتح الشام"، قال إن "سيف العدل سجين في إيران، والظواهري في عالم آخر".
وتابع: "القاعدة انتهت".
كما وصف رسائل الثناء من "العريدي" و"أبو جليبيب" على "القاعدة" -دون أن يسمّيهما- بأنها "أوهام ما بعد فك الارتباط".
وخلص إلى أن "جبهة فتح الشام حسمت أمرها داخليا بأنه لا عودة إلى تنظيم القاعدة".
قرار غير مفيد
الشرعي في "فتح الشام"، عبد الله القاسم "حيدرة"، أكد وقوفه التام إلى جانب "الجولاني" في موقفه من "فك الارتباط".
وتابع القاسم -الذي انشق عن تنظيم الدولة في العام 2014- بأنه "يجب علينا العمل بما يحقق مصلحة الجهاد في سوريا، فنحن متعبدون بالجهاد لا بالتنظيمات، وكان للارتباط في بداية الأمر ظروفه الخاصة".
وأضاف في حديث لـ"
عربي21" أن "قرار ارتباط بعض الناس بالقاعدة لا يحقق المطلوب، ولا يفيد الناس".
واعتبر القاسم أن "السعي في الاندماج مع الفصائل المجاهدة مطلوب شرعا، وإن كان بينها خلافات".
وأضاف: "يجب الخروج من ضيق التنظيمات لجهاد الأمة الذين مقصودهم إقامة دين الله، فاشتراط الطهرية والنخبة في الجهاد خطأ وغلط".
غزل متواصل بـ"القاعدة"
يشار إلى أن قادة "فتح الشام" السابقين، الذين يدور الحديث حولهم حول إعلان فصيل لـ"القاعدة"، دأبوا منذ فك الارتباط منتصف العام الماضي على نشر تغريدات ورسائل صرّحوا خلالها عن ميلهم إلى "القاعدة".
المسؤول الشرعي السابق لـ"فتح الشام" في الغوطة، بلال خريسات، قال في رسالة نشرها بعد تركه التنظيم إن "القاعدة تتمتع بميزات ومواصفات تفتقر لها كل الحركات الأخرى التي تتدثر بشعارات الجهاد والقتال".
وأوضح أن من أبرز هذه المميزات "البناء العقدي الثابت الواضح البين، وعلى رأس الهرم فيها قضية حاكمية الشريعة الإسلامية".
خريسات -الذي ظهر في إصدارات لـ"فتح الشام" تهاجم "تنظيم الدولة"- خلص إلى أن "القاعدة كانت وما زالت الممثل الوحيد للتيار الجهادي في العصر الحديث".
ولم تخلو رسالة خريسات، المعنونة بـ"القاعدة ومستقبل الحركات الجهادية"، من التلميح إلى أن جميع الفصائل الموجودة في سوريا إما قدمت، أو في طريقها لتقديم تنازلات، في ثوابت عدة منها، "تحكيم الشريعة، والولاء والبراء"، وغيرهما.
بدوره، يواصل الشرعي العام السابق لـ"فتح الشام"، الأردني سامي العريدي، نشر تغريدات يثني فيها على "القاعدة"، ويلمح إلى غياب المشروع الصحيح في الداخل السوري.
وقال العريدي في تغريدات إن " القاعدة ستبقى بإذن الله من رموز الصمود في هذا الزمان، مهما حاول البعض إنكار فضلها أو تشويه صورتها أو تهميش دورها".
وبحسب العريدي، فإن "دور القاعدة في هذا الزمان شبيه بدور الغلام في قصة أصحاب الأخدود الذي وقف في وجه الطاغية في زمنه، وضحى بنفسه ليخرج أمته من العبودية للطغاة".
وأعاد العريدي قبل أسابيع نشر رسالة قديمة له بعنوان "رب الكهف أحب إلي"، حيث أجرى بعض الإضافات عليها.
وتطرق العريدي في رسالة إلى أن "اللجوء للكهوف والجبال ونحو ذلك عند الحاجة من سنن الرسل والصالحين"، وذلك في إشارة إلى أنه بات مستقلا عن أي تنظيم.
كما قال العريدي إن "اللجوء إلى الكهوف والجبال بداية التمكين"، متابعا: "ومِن الشَّاذين النَّكِرات في هذه الأيام بعد أن منَّ الله على الأمة بهذه الصحوة الجهادية المباركة التي وصلت أرض الشام بفضل الله وتوفيقه، من يريد أن يسلك طرق الديمقراطية والدولة المدنية؛ خوفا من العودة لحرب العصابات والكهوف والجبال، فأمثال هؤلاء لم يفقهوا منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله".