قال المؤرخ
الفلسطيني الأمريكي رشيد الخالدي أن الإدارة الجديدة في واشنطن تغالي في الانحياز نحو
إسرائيل بينما تنظر بازدراء إلى الحقوق الفلسطينية.
وتوقع الخالدي في مقال له نشره موقع "ذي نيو يوركر" أن تواجه فلسطين واقعا مرعبا في ظل إدارة
ترامب، وقال:"السنوات الأخيرة شهدت اتحادا وائتلافا بين التيارات السياسية الصاعدة في أمريكا، حتى وصلنا الآن إلى النقطة التي بات ممكنا عندها أن يتبادل سفراء الدول المختلفة مواقعهم، فالسفير الإسرائيلي في واشنطن، رون دريمر، الذي نشأ في فلوريدا يمكن بكل بساطة أن يكون سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل، بينما الشخص الذي رشحه دونالد ترامب ليكون سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى إسرائيل، دافيد فريدمان، والذي يرتبط بعلاقات وثيقة بحركة المستوطنين الإسرائيليين، يمكن أن يصلح سفيرا في واشنطن ممثلا لحكومة بنيامين نتنياهو الداعمة للمستوطنين".
وعن إدارة ترامب ومن سبقه من رؤساء أمريكا قال الخالدي :"فيما سبق، كان اهتمام أمريكا الشديد بإسرائيل في مقابل تجاهلها التام للفلسطينيين يتدثر برداء المعاملة المتكافئة. أما في ظل إدارة ترامب فسوف نشهد التحاما كاملا بين القيادة السياسية الأمريكية وأشد الحكومات شوفينية ويمينية وتعصبا دينيا في تاريخ إسرائيل".
تبدد الوهم
وذكرّ الكاتب بأن كان الكيان السياسي والاقتصادي الفلسطيني الذي أقيم منذ عام 1993 قد تأسس على فرضية أنه سيتطور ليشكل دولة فلسطينية حقيقية قابلة للحياة وذات أراض متصلة وموحدة؛ لكنه تبدد هذا "الوهم" الذي وقع كثير من الفلسطينيين فريسة له.
وأضاف الخالدي في المقال الذي ترجمته "عربي21" :"هذا الكيان المعطوب كان قد تأسس على فرضية يمكن اعتبارها ساذجة في أحسن الأحوال مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها مصلحة قومية في حمل إسرائيل على الاعتدال في سلوكها ومواقفها وفي تحقيق قدر من العدالة في الشرق الأوسط. كان مصير هذه الفرضية أيضا هو الدمار والانهيار".
وعن
السلطة الفلسطينية التي أفرزتها اتفاقيات أوسلو، توقع أن تستمر استغلالها في إلحاق المزيد من الضرر بدلا من جلب المنافع.
تجريم المقاومة
وتابع في ذات السياق قائلا :"قلة من الناس هم الذين يدركون أن استعمار الأرض الفلسطينية وما يقرب من خمسين عاما من الاحتلال العسكري الإسرائيلي – وهو الأطول أمدا في التاريخ المعاصر – لا يمكن لهما أن يستمرا بدون الرعاية الأمريكية والإسرائيلية للسلطة الفلسطينية وقواتها الأمنية التي تقوم الولايات المتحدة بتدريبها وتأهيلها".
ولفت الخالدي أن تجريم السلطة الفلسطينية لأي شكل من أشكال المقاومة ضد سلب الممتلكات والتمييز والسيطرة العسكرية الإسرائيلية الدائمة حولها فعليا إلى أداة للتواطؤ مع الاحتلال. وقال: "حتى المدونون والمتظاهرون السلميون يتعرضون للاعتقال والإيذاء على أيدي قوات السلطة الفلسطينية".
وتابع :"لذلك يمكن القول إن الطريقة التي تشتغل بها هذه المؤسسة ضد شعبها تعطي لمحة عن المستقبل الذي يتوقعه الآن المسؤولون الأمريكان والإسرائيليون للفلسطينيين في المناطق المحتلة، مستقبل مقيد ومسيطر عليه وخال من السيادة وتقرير المصير".
وعن الخيارت المتاحة اما الفلسطينيين مع مجئ ترامب قال المؤرخ المعروف :" يواجه الفلسطينيون أحد خيارين لا ثالث لهما. فإما أن يخضعوا ويستسلموا لإملاءات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أو بإمكانهم أن يقوموا وبشكل جذري وعاجل بإعادة تعريف حركتهم الوطنية وأهدافها وأنماط مقاومتها ضد الظلم والاضطهاد".
مؤشرات الأمل
وأضاف :"لقد آن الأوان لأن يتخلى الفلسطينيون عن التجربة الفاشلة التي اسمها السلطة الفلسطينية وكذلك التخلي عن كافة أشكال العنف الذي لا يخدم سوى الجناح اليميني داخل السياسة الإسرائيلية ويصلب موقفه".
واستدرك الكاتب قائلا:"رغم كل ذلك، ثمة مؤشرات تبعث على الأمل، على الأقل داخل الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى الرغم من مواقف مؤسستي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلا أن الرأي العام الأمريكي يبتعد بشكل متسارع عن الموقف التقليدي الداعم لإسرائيل بلا نقد أو مساءلة".
وأشار الى التحول المتزايد لدى الأمريكيين نحو الموقف المتعاطف مع قضية الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل الحرية. لافتا أنه بحسب استطلاع للرأي نشره معهد بروكينغز في شهر ديسمبر، يدعم ستون بالمائة من الديمقراطيين وستة وأربعون بالمائة من جميع الأمريكان فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات أقوى ضد إسرائيل بسبب بنائها للمستوطنات اليهودية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الديمقراطيون الليبراليون
ويظهر استطلاع لمؤسسة "بيو" نشر مؤخرا أن النسبة المئوية من الديمقراطيين الذين يتعاطفون مع الفلسطينيين أصبحت مساوية وللمرة الأولى للنسبة المئوية لأولئك الذين يتعاطفون منهم مع إسرائيل، هذا في الوقت الذي يبدي فيه الديمقراطيون الليبراليون تعاطفا أكبر مع الفلسطينيين "ثمانية وثلاثون بالمائة" مقارنة بأولئك الذين يتعاطفون مع إسرائيل "ستة وعشرون بالمائة"
ولم يستبعد الكاتب أن يلعب الزمن دورا مهما، فقد ترشح هذه التغيرات وتصل إلى السياسيين وصناع القرار في واشنطن. مشيرا أنه وإلى أن يحدث ذلك، يظل الأمر معقودا على أصحاب الضمائر الحية من الأفراد، بما في ذلك أولئك الذين يقفون في وجه موجة العنصرية والتطرف اليميني المتوقعة في عهد ترامب، ويسعون لممارسة الضغوط على ممثليهم المنتخبين لحملهم على الانسجام في مواقفهم مع ما يعلنون من التمسك به من مثل ومن إيمان بقيم الحرية والمساواة، ولمساءلة إسرائيل ومحاسبتها على انتهاكاتها للقانون الدولي وإنكارها للحقوق الإنسانية والقومية للفلسطينيين.