كتاب عربي 21

نحن أولى بعيد الشرطة من عبد الفتاح السيسي!

1300x600
لقد زور العسكر التاريخ، حتى ظن كثيرون أن الاحتفال بعيد الشرطة في يوم (25 يناير) من كل عام هو شأن خالص لأهل الحكم، وعندما جرى الاحتفال به في هذا العام فقد اعتبره بعض الثوار أنه حكم بطي صفحة يناير، والحكم عنوان الحقيقة!

رسميا، لم يكن طي صفحة الثورة المصرية، بحاجة إلى عودة الاحتفال بعيد الشرطة، فطيها تم في  30 يونيو 2013، عندما تم رفع ضباط الشرطة على الأعناق في ميدان التحرير، وعندما خرج الدكتور محمد البرادعي كتفا بكتف بجانب ممثلي المعارضة الرسمية لنظام مبارك، لكن مثلي يرى أنه كان لزاماً على ثوار يناير أن يحتفلوا بعيدين في هذا اليوم من كل عام، عيد الشرطة، وعيد الثورة، فهذا يوم من أيام الوطن، سواء بالحدث الوطني في 25 يناير 1952، أو بالحدث الثوري في 25 يناير 2011، وكما لا يجوز لعبد الفتاح السيسي "خليفة مبارك" في الملاعب، أن يحتفل بهذه الثورة العظيمة، التي كانت ضد نظام، يعد السيسي هو أحد خياراته، فليس له أو لشرطته أن يحتفلوا بهذا اليوم الذي كان يوم عزة للشرطة المصرية في مواجهة المحتل الانجليزي، وفي ظل قيادة مدنية لوزارة الداخلية ممثلة في فؤاد باشا سراج الدين!

ولأن الحكم العسكري، يعرف حقيقة الموقف وكان قريب عهد به، فلم يختر هذا اليوم عيداً للشرطة، إلا في وقت متأخر، وفي عهد مبارك، وإن كان حكم المخلوع انتهز وفاة فؤاد سراج الدين، رئيس حزب الوفد في أغسطس سنة 2000، وبشهادة زور لمؤرخ معروف، عمل على تجريد "سراج الدين" من هذا الانجاز التاريخي بعد وفاته.

أصل الحكاية، أن القائد البريطاني المقيم في منطقة فايد بالإسماعيلية على شاطئ قناة السويس طالب رجال الشرطة بتسليم أنفسهم، بعد أن حاصر 1500 جندي بريطاني تساعدهم الدبابات محافظة الإسماعيلية، ولم يكن بداخلها سوى 250 جنديا فقط من قوات الشرطة وبلوكات النظام، لكن اليوزباشي مصطفي إبراهيم رفعت قائد هذه الفرقة رفض الاستجابة للإنذار وقاتل ورجاله قتال الشجعان، فرصاص الشرطة في هذا اليوم لم يكن موجهاً لصدر الشعب المصري، ولكن المواجهة كانت مع قوات الاحتلال الانجليزي!

كان لا يُذكر هذا الحادث، إلا ويُذكر أن وزير الداخلية في حكومة الوفد، فؤاد سراج الدين، وهو وزير مدني كما هو معروف، هو صاحب الأمر بعدم الاستسلام، وهى الرواية، التي لم تكن تُذكر سوى في صحيفة "الوفد"، لسان حال هذا الحزب العريق الذي عاد للحياة السياسية في سنة 1984، بعد أن غيبه حكم العسكر قسراً بعد هذه الواقعة بعدة شهور، في 23 يوليو سنة 1952، وإذ جرى عزل الرجل وقيادات حزبه سياسياً، وتحديد إقامة زعيمه مصطفي النحاس في منزله، فقد اتخذ الحكم الجديد قراراً بحل الأحزاب السياسية، وكان معلوماً أن هذا القرار استهدف إنهاء "الوفد" حزب الأغلبية، الذي قيل في شأنه لو رشح في الانتخابات حجراً لأنتخبه الشعب المصري.

لم يكن أحد ينكر دور فؤاد سراج الدين، لكن السلطة وإعلامها كانت تتجاهل هذا الدور دون أن تنكره، فلا يمكن أن تنكر معلوماً من هذه الملحمة الوطنية بالضرورة!

وإذا مات فؤاد سراج الدين، ففي الاحتفال التالي بعيد الشرطة، وقف المؤرخ الراحل الدكتور يونان لبيب رزق، ليفجر قنبلة من العيار الثقيل، عندما أعلن وسط تصفيق الحاضرين من ضباط الشرطة وقيادات وزارة الداخلية بقيادة الوزير حبيب العادلي، أن سراج الدين أخبره قبل وفاته بأنه لم يصدر أوامره للضباط بالمواجهة!

كان الوزير ورجاله في سعادة بهذه الشهادة لا توصف، لأن تحرير هذا الانجاز الوطني، من أحد أقطاب المعارضة المصرية كان هدفاً مسكوتاً عنه في حياته، وقد حانت الفرصة بالوفاة لانتزاعه منه، لاسيما وأن العادلي أشرف بنفسه على إفساد جنازة "الباشا"، كما كان يخاطبه الجميع، وقد تجاهلوا قرار ثورة يوليو بإلغاء الألقاب. وكان الرأي قد استقر في نهاية عهد مبارك، بإخفاء شعبية الأحياء والأموات بأي طريقة!

لقد رددت على "يونان لبيب رزق" بأن فؤاد سراج الدين كان يحتفل في جريدته في كل عام بعيد الشرطة، باعتباره كان رمزاً لهذا العيد، فلماذا كان يفعل وهو باعترافه للمؤرخ الكبير لم يصدر الأوامر بعدم الاستسلام لقوات المحتل الانجليزي؟.. ولماذا لم يعلن "يونان لبيب رزق" اعتراف سراج الدين له في حياته وانتظر إلى أن توفاه الله ليعلنه في أكاديمية الشرطة، وسط تصفيق صفيق من الوزير ورجاله؟!

لقد فوجئت وأنا أطالع كتاب اللواء محمد نجيب "كنت رئيساً لمصر" بشهادة تنسف شهادة "يونان لبيب رزق"، وتستمد شهادته قيمتها من أنه كان معاصراً لهذا الحدث ومهتماً بما حدث في هذه المرحلة إذ كان نجيب هو الزعيم الأخلاقي لتنظيم الضباط الأحرار الذي انقض على السلطة بعد هذا الحادث بشهور معدودات، كما أنه كان الرئيس المنتخب لنادي ضباط الجيش!

ومما جاء في ورايته، أن اليوزباشي مصطفي إبراهيم رفعت عندما تلقى إنذار القائد البريطاني في "فايد" بتسليم أنفسهم، طلب مهلة ربع ساعة لكي يفعل ويسلم قواته، وكان في الحقيقة يريد مهلة للاتصال بفؤاد سراج الدين في القاهرة، وفعلاً اتصل به، وسأله:

- ماذا سنفعل؟

وكان رد فؤاد سراج الدين: قاتل حتى آخر رصاصة!

وقال مصطفي رفعت:

- لكننا لا نملك سوى بنادق قديمة وقنابل يدوية، بينما الانجليز مسلحون بالرشاشات الآلية والمدافع الكبيرة.

فصرخ فيه فؤاد سراج الدين:

- نفذ الأوامر!

"ونفذ القائد المصري الشاب الأوامر.. وقاتل بشجاعة وصبر تسع ساعات، حتى نفذت ذخيرته .. فاضطر إلى الاستسلام". 

"كانت نتيجة المعركة 46 قتيلا، و 72 جريحا. وبعد الاستسلام عبر البريجادير اكسهام القائد الانجليزي عن إعجابه واحترامه لمصطفي رفعت ورجاله"!

وقد يقال إن ما جرى بين مصطفي رفعت وفؤاد سراج الدين لم يطلع عليه أحد، مما يعزز من شهادة يونان لبيب رزق، لكن رواية أول رئيس لمصر اللواء محمد نجيب، ذكرت دليلاً مهماً ينسف هذه الشهادة نسفاً، ويسقط عن المؤرخ الراحل الثقة والاعتبار؛ ذلك بأن فؤاد سراج الدين أذاع بياناً من خلال الراديو طالب فيه الجنود أن يقاتلوا حتى آخر طلقة، وهدد من يتراجع عن ذلك بالمحاكمة العسكرية!

وهكذا، فإن عيد الشرطة، كان ملحمة في الجهاد الوطني ضد المحتل البريطاني، ولا يجوز لشرطة هى أداة للحاكم المستبد والتي توجه رصاصها إلى صدور المصريين أن تحتفل به.

وهذا اليوم، هو ضمن رصيد الحكم المدني، الذي كان يمثله وزير الداخلية فؤاد سراج الدين، ولا يجوز للعسكر أن يحتفلوا بانجاز منسوب لحكم انقلبوا عليه، ونكلوا بقادته، وكان على رأس من تم التنكيل بهم هو فؤاد سراج الدين نفسه.

ومن حق الثورة المصرية، بل ومن واجبها أن تحتفل بهذا اليوم، لأنه يوم من أيام الوطن، كما أن يوم 25 يناير يوماً من أيام مصر.

مصر المقاومة للاحتلال وأتباعه وأذنابه..

مصر المنتفضة ضد حكم التبعية والانبطاح!

مصر العظيمة والشامخة التي ليست ذيلاً لأي قوى عظمى

فنحن أولى بعيد الشرطة من عبد الفتاح السيسي، والثوار هم أولى باليوزباشي مصطفي إبراهيم رفعت من مجدي عبد الغفار!