تسبب إلتزام النظام المصري بمطالب صندوق النقد الدولى بتعويم الجنيه وخفض الدعم ، وخفض عجز الموازنة كشروط للحصول على قرض من الصندوق ، وما نجم عنها من زيادات سعرية حادة فى تآكل شعبية النظام خاصة بين أنصاره، فى وقوع النظام في مأزق.
واتجه النظام لخفض دعم السلع الغذائية بتحويل نظام صرفها عبر البطاقات التموينية لنظام شبه نقدي، يكتفى بصرف سلع قيمتها 21 جنيه للفرد المستحق للدعم شهريا، بديلا عن الدعم العينى السابق الأكثر تكلفة ، لكن تعويم الجنيه زاد من تكلفة استيراد سلع البطاقات التموينية الرئيسية الزيت والسكر والأرز ، وزاد على ذلك زيادة أسعارها بالأسواق الدولية.
وهكذا تمثل مأزق النظام باشتراط الصندوق مراجعة ما تم من تنفيذ للتعهدات قبل الموافقة على صرف شرائح القرض التى تتم كل ستة أشهر ، ولهذا تأجلت زيارة بعثة الصندوق للمراجعة بضعة أسابيع .
وفيما يخص الخبز فقد خصصت موازنة العام المالى الحالى 2016/2017 والتى تنتهى بنهاية يونيو القادم 4ر29 مليار جنيه ، لدعم رغيف الخبر البلدى ليباع بأقل من تكلفة انتاجه ، وتوزع ذلك الدعم ما بين 7ر23 مليار جنيه لدعم إنتاج الخبز ودقيق المستودعات.
و7ر5 مليار جنيه لما يسمى نقاط الخبز، بحيث يتم صرف سلع بقيمة عشرة قروش عن كل رغيف لا يشتريه من يستحقون دعم الخبز ، وهى فكرة لخفض تكلفة الخبز ، حيث يتم دفع 5ر27 قرش عن كل رغيف تنتجه المخابز كدعم ، بينما يتم دفع عشرة قروش فقط لمن لا يشترى ما يخصه من خبز ، وبما يوفر حوالى 10 مليار جنيه بالسنة.
ولأن مصر تنتج أقل من نصف استهلاكها من القمح ، وهو رقم مرشح للزيادة بسبب تراجع المساحات المنزرعة بالقمح ، الى 9ر2 مليون فدان مقابل 6ر3 مليون فدان بالموسم الماضى ، ولهذا يتم احتساب تكلفة الرغيف متضمنة سعر التوريد المحلى للقمح وسعر التوريد المستورد له بالإضافة لتكلفة الخبز .
زيادات لسعر القمح المحلي والمستورد.
وفي ضوء احتياج انتاج الخبز نحو 10 مليون طن ، بينما يتم استهداف توريد نحو 5ر4 مليون طن من الفلاحين، فإن القمح المستورد يمثل الحصة الأكبر، ولهذا قدرت الموازنة للعام المالى الحالى متوسط سعر للقمح المحلى بنحو 2800 جنيه للطن، على أساس سعر توريد 420 جنيه للأردب.
لكن سعر التوريد للقمح للموسم الجديد تم رفعه لما بين 555 جنيه الى 575 جنيه للأردب، بما يصل بسعر الطن لحوالى 3735 جنيه ، وهو أعلى من تقديرات الموازنة بنحو 935 جنيه للطن.
وفيما يخص القمح المستورد فقد توقعت الموازنة بلوغ سعره 227 دولار للطن ، بسعر صرف تسع جنيهات للدولار ليصل لما يعادل 2043 جنيه مصري، ورغم انخفاض أسعار القمح عالميا عن تقديرات الموازنة ،حيث انخفض القمح الشتوى الأحمر الصلد بالعام الماضى الى 176 دولار بخلاف النقل .
إلا أن تعويم الجنيه المصرى وبافتراض سعر صرف 5ر17 جنيه للدولار يصل بتكلفة الطن لنحو 3080 جنيه بخلاف النقل ، أى أعلى من تقديرات الموازنة بنحو 1037 جنيه للطن.
أيضا بعد رفع سعر الوقود زادت تكلفة السولار بالمخابز المنتجة للخبز المدعم ، مما دفع وزارة التموين لتحمل فارق زيادة سعر السولار ، وفى أعقاب تبعات التعويم طالب أصحاب المخابز برفع تكلفة انتاج جوال الدقيق البالغة 5ر122 جنيه الى 175 جنيه ، وبما يعنى زيادة التكلفة الإجمالية لدعم الخبز.
وتسببت زيادة أسعار السلع الغذائية بعد التعويم فى عزوف الآلاف عن الحصول على نقاط الخبز، وتفضيلهم شراء ما يخصهم من خبز لكونه طعاما رخيصا ، وهو ما يعنى زيادة مخصصات دعم الخبز ، كما أدى لعودة طوابير الخبز.
وتخفيفا من أعباء دعم الخبز التى يتوقع زيادتها عما تم تقديره بالموازنة ، لجأت الحكومة لتقليل عدد المنتفعين بدعم الخبز من خلال تقليل عددهم بالبطاقات التموينية ، يتبعها أحقية صرف الخبز المدعم.
ولأن تلك الإجراءات تحتاج لعدة شهور ، فقد سارعت وزارة التموين مؤخرا لخفض كميات الخبز التى تصرفها ، عبر ما يسمى الكارت الذهبى الموجود بالمخابز ، والذى يتم من خلاله صرف الخبز لغير الحاملين لكروت ممغنطة لصرف الخبز.
وكانت المفاجأة أن خفض كمية الخبز المقررة لهؤلاء رغم قلة عددهم ، تبعها خروج تظاهرات بعدة محافظات ، تندد ليس فقط بقرار وزير التموين ، ولكن تخطى ذلك الى التنديد برأس النظام والمناداة بسقوطه رغم تجريم التظاهر.
وتحرك النظام سريعا ليؤجل قرار خفض خبز الكارت الذهبي، بل وزاد كميتها بكثير من الأماكن، وبدأ يعيد حساباته فيما يخص خطواته القادمة لخفض الدعم سواء للكهرباء أو للوقود أو للغذاء بالأشهر القليلة القادمة.