هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تسابقت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الانقلابية في مصر خلال الفترة القليلة الماضية في اختيار اسم للعاصمة الإدارية الجديدة بعد افتتاح السيسي للمرحلة الأولى منها، وبالغ المنافقون منهم حينما طالبوا تسميتها باسم عبد الفتاح السيسي نفسه.
وقد جاء افتتاح المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية الجديدة في ظروف اقتصادية صعبة وبالغة التعقيد، كما هو عليه الحال حينما تم التفكير في تلك العاصمة والإعلان عنها.. تلك العاصمة التي لا ينبني عليها قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد أو المساهمة في علاج مشكلة البطالة، وفي الوقت نفسه تدمر هيكل الاقتصاد المصري المتهالك تدميرا.
ولو تجاوزنا قليلا الحصون العسكرية لتلك المدينة، والرغبة في تحويلها لمنطقة خضراء يظن الذين يقطنون فيها أنها ستحميهم من أي ثورات قادمة، فضلا عن تحويلها لمدينة للأثرياء بما يرسخ الطبقية بصورة مقيتة في المجتمع المصري، فإن التقييم الاقتصادي لتلك المدينة يعكس الحول التنموي الذي يعيشه النظام، وأن هذا النظام لا يهمه سوى نفسه والقوة الحامية له.
فوفقا لتقديرات مسؤولين مصريين تقدر تكلفة المرحلة الأولى من المشروع 45 مليار دولار تغطي 135 مليون كيلو متر مربع، في حين تبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع 300 مليار دولار تغطي 700 كيلو متر مربع، وبعد الإعلان عن المشروع تم الإعلان عن تأسيس شركة (كابيتل كايرو) بالشراكة بين الحكومة المصرية وشركة (كابيتال سيتي بارتنرز) الإماراتية لتنفيذ المشروع، ولكن سرعان ما تم إلغاء مذكرة التفاهم حيث طلبت الشركة الإماراتية تمويلا من السوق المصري للمشروع مع تحمل مصر تكلفة المرافق بالكامل للمرحلة الأولى بنحو 6 مليارات جنيه، فضلا عن طلب الشركة الإماراتية كذلك النسبة الأكبر في المشروع، والاعتماد على عمالة أجنبية بحجة عدم توافر العمالة المصرية الماهرة المدربة، وبعد ذلك انتهى المشروع في نهاية المطاف إلى يد الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ومن ثم توزيع تنفيذه على من تشاء.
إن الحقائق السابقة تبرز أن هذا المشروع لم يتم عمل دراسة جدوى له في الأساس، وهذا ما دأب عليه النظام الانقلابي في كل مشروعاته، لا سيما مشروع تفريعة قناة السويس التي كلفت الاقتصاد المصري مصاريف تكريك فقط 2.2 مليار دولار حتى يتم تنفيذ المشروع في سنة واحدة كما أمر السيسي، وكان من نتيجة ذلك أن زاد الضغط على الدولار وارتفع سعره ثم جاء قرار تعويم الجنيه المصري ملحقا له حتى وصل الدولار إلى 18 جنيها، ولجأ النظام بصورة شرهة إلـى المؤسسات الدولية للاقتراض، وما زال الشعب بجيله الحالي يعاني من ويلات تلك القرارات، وما بقي للجيل القادم أشد وأدهى.
إن من العجب العجاب أن تجد شعبا يعاني نصف سكانه من ويلات الفقر، وتكوي ظهورهم الغلاء والبطالة، ثم نجد تفاخر السيسي وعصبته الاقتصادية من العسكر ببناء فندق الماسة بالعاصمة الجديدة بتكلفة مليار جنيه، فضلا عن الإسكان الفاخر، والأسوار العالية للعاصمة التي لن يقترب محدودي الدخل منها، وتحميل المواطن في نهاية المطاف تلك التكاليف التي تصل إلى 45 مليار دولار جلها ليست إلا ديونا تتوارثها الأجيال من أجل مظاهر خادعة وإدارة فاسدة وسفه اقتصادي لا مثيل له حتى مع قوم عاد الذين قال الله في حقهم: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) الشعراء/ 128-129 .. فقوم عاد كان يفعلون ذلك من جيوبهم فأصابهم ما أصابهم، والأدهى والأمر أن السيسي يفعل ذلك تداينا من جيوب غيره، وسوف يسدد فاتورة هذا السفه شعب مصر عاجلا وآجلا.
إن السياسة التي تتبعها الحكومة من الاعتماد على القروض وترقيعها تبرز أن الإفلاس كامن في جسد النظام المالي المصري وأن انفجار فقاعة الديون مسألة وقت، ففي الوقت التي تتسارع الحكومة لطرح سندات دولارية دولية بـ 7 مليارات دولار، فإنها سعت في الوقت نفسه إلى تأجيل سداد التزامتها لكل مـــن الإمارات والسعودية من خلال مد أجل الودائع المستحق سدادها العام القادم والتي تقدر بمبلغ 2 مليار لكل دولة منهما، وما زال التفاوض جاري بين البنك المركزي المصري ودولة الكويت لتاجيل سداد الوديعة الخاصة بها خلال العام القادم والتي تقدر أيضا بمبلغ 2 مليار دولار في ظل ما يستحق على مصر من ديون خارجية وفوائد تبلغ 12.9 مليار دولار في عام 2018.
إن دوامة الديون غير المسبوقة التي تعيش فيها مصر، بعيدا عن تحقيق استثمارات حقيقية، والعيش في نفق إقامة مشروعات مظهرية باهظة التكاليف قليلة العائد، يصل بنا إلى أن أفضل اسم للعاصمة الإدارية الجديدة هو تسميتها باسم (عاصمة الديون) حتى يتذكر الجيل الحالي والأجيال القادمة كيف ضحى الانقلاب بالشعب ومقوماته ورهن موارده لغيره وأثقل ظهره بديون لا قبل له بها من أجل سلطة لن تدوم، واستبداد وفساد لن يستمر.