هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في هذا المقال نقارن بين كرسيين: كرسي السلطة وكرسي المقاومة.. فماذا نعني بهما؟ وما هما المشهدان اللذان أثارا هذا الأمر في هذا المقال؟
المشهد الأول مشهد إبراهيم أبو ثريا، يجلس على كرسيه المتحرك ثم ينزل من عليه؛ ينادي هاتفا أن القدس من فلسطين وعاصمة فلسطين، وينزل من عن كرسيه ليلتقط علم فلسطين ويرتقي الساري عند الحدود، ليقوم برشق هذا العلم مؤكدا على قدس فلسطين وفلسطين القدس.. أما المشهد الثاني، فهو كرسي يبدو أنه متسع عليه؛ يحاول من يجلس عليه أن يملأه بشكل أو بآخر، فيفرد ذراعيه وتنتفش أوداجه، ثم يتكلم كلام الانبطاح.. فلا عن القدس دافع، ولا على القرار عقب.. إنه ولي عهد السعودية. بين هذين المشهدين كرسي المقاومة وكرسي الملك.. كرسي يصنع الإرادة، وكرسي يحرك كل مناخ التجبر والطغيان على أهله، وكل أشكال التضاؤل والانبطاح أمام الكبراء في إدراكه.. الكبراء هنا هما "ترامب" الأمريكي والكيان الصهيوني.
إبراهيم أبو ثريا (29 عاما) ينحدر من مخيم الشاطئ للاجئين غرب قطاع غزة.. انقلبت حياة إبراهيم رأسا على عقب عندما تعرض لقصف مروحي إسرائيلي استهدفه برفقة أصدقائه، في نيسان 2008 في شرق مخيم البريج وسط غزة، حيث فقد ساقيه، واستشهد سبعة من مرافقيه. ورغم أنه أصبح يتنقل عبر كرسي متحرك، فإن هذا الشاب الفلسطيني بات يشارك بفعالية في الاحتجاجات والمظاهرات المناوئة للاحتلال الإسرائيلي. ويقول شقيقه سمير لوكالة الصحافة الفرنسية إن إعاقته لم تمنعه من التظاهر من أجل القدس، وكان يذهب لوحده يوميا إلى الحدود بين غزة والاحتلال. استشهد إبراهيم يوم 15 كانون الأول/ ديسمبر 2017 برصاص الاحتلال الإسرائيليـ أثناء المواجهات التي جرت بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال على الحدود الشرقية لمدينة غزة. فقد إبراهيم أبو ثريا ساقيه قبل نحو 10 سنوات في قصف إسرائيلي، بعد أن رفع علم بلاده على حدود قطاع غزة، وظل منذ ذلك الحين مع كرسيه المتحرك مشاركا فعالا في المواجهات حتى مقتله يوم الجمعة 15 كانون الأول/ ديسمبر 2017؛ برصاصة في الرأس أطلقها عليه جندي إسرائيلي.
بين هذين المشهدين كرسي المقاومة وكرسي الملك.. كرسي يصنع الإرادة، وكرسي يحرك كل مناخ التجبر والطغيان على أهله،
ممارسة السلطة بكونها تحكما لا مسؤولية فيها ولا حنكة.. الأمر هنا فقط تحكم وطغيان، فما مكان القدس في كرسيه الذي يملأ عليه كيانه وتفكيره.. القدس يغتصبها الكيان الصهيوني، والذي أهداها له ترامب الحاكم بأمره.. هو (ابن سلمان) لا يستطيع أن يُغضب هذا أو ذاك، ومن ثم القدس ضئيلة في وجدانه، وكرسي الملك ملأ عليه كل حياته.. من يساعده على اعتلائه كان داعما له، خادما لرغباته.
كرسي "إبراهيم" لا نعني به إلا الرمز.. كرسي يعينه على الحركة على الصمود حتى لو بترت أو عجزت قدماه.. درس ياسين ودرس أبو ثريا يتحدثان عن الكثير.. أن الكرسي الدال على عجز بدنه هو في ذاته مصدر إعجاز مقاومته. عرفتم كيف أن الكرسي المقاومة لا يعرف العجز، ولكنه يعرف الإعجاز؟ يعرف المقاومة والكرامة والشرف والعزة.. حينما يقوم هؤلاء بهذا العمل، فكيف بالأصحاء هؤلاء يتقدمون الصفوف، فيشعلون فتيل العزة ويؤججون نار الكرامة والمقاومة؟ إنهم ينالون من العدو.. إنهم يؤكدون الرسالة التي تتعلق بقدسهم، قدس الأقداس في القدس المدينة، في الأقصى المسجد؛ يحمونه عن بعد، ينادون كل قريب وبعيد لأن يقاوم الغاصب المحتل، وأن يقاوم العنصري المستبيح.
وعد "ترامب" أعطى من لا يملك لمن لا يستحق.. كرسي المقاومة يعني، ضمن ما يعني، أن هذه الأمة لن تموت حتى لو مات بعض من أبنائها ففي ذلك حياتها. حياة القدس تستمد من شهادة بعض أبناء فلسطين. أبو ثريا كان هدفا لكيان إسرائيلي لم يحتمل كلمات العزة والمقاومة، لم يحتمل إعجاز العاجز في الممانعة والاحتجاج، لم يعرفوا كيف يسكتوه، لا يعرفون إلا لغة الجبن والرصاص.. قنصه بالرصاص. استشهد أبو ثريا وعاشت القدس وفلسطين، هكذا قال قبل استشهاده. كلمات قليلة تعلم الدنيا درس المقاومة، الدرس الذي يستهين به كثيرون لا يعرفون معنى الأرض والعرض والقدس والوطن.
القدس ليست بعيدة عن كرسي المقاومة وكرسي السلطان.. واحد يتمسك بها ويموت من أجلها، وآخر يفرط فيها ويستمسك بالكرسي