لا خلاف على أن
الأخلاق عماد الأمم، ولكن لا نستطيع كلنا أن نتحلى بكل مكارم الأخلاق، خاصة أن بعض هذه الأشياء دفين في نفوس كثيرين، ويكون جزءا عميقا في شخصيتهم، ويصعب - إن لم يستحيل - عليهم تغيير هذه الصفات. ولتوضيح المثال، فالبخل رغم كونه خلقا غير حميد، إلا أنه متجذر في بعض الناس، لدرجة أن الرسول عليه الصلاة والسلام ارتضى أن يكون المؤمن - وليس فقط المسلم - بخيلا وجبانا. سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم. ثم سُئل: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم. ثم سُئل: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: لا. وقد كان سيدنا أبو سفيان، وهو من كتبة الوحي، بخيلا، كما ورد في حديث زوجته هند بنت عتبة.
وينطبق هذا على كثير من الأخلاق، كالصبر وعدم الغضب والحياء والتواضع واللين والحياء، حيث تجد تفاوتا شاسعا بين الناس في هذه الخصال، لذلك اخترت خصلتي
الصدق والأمانة لما لهما من أهمية خاصة في بناء مجتمع صالح وقويم.
يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ". ويقول: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا". ويقول الرسول الكريم: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صدِّيقا". ويقول: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَان".
كيف يمكن العيش في مجتمع تذهب لتشتري في السوق فيقسم البائع على شيء وهو كاذب، ويعرض التاجر بضاعة شكلها يسر، وفيها من الخلل والعطب ما فيها، وكأنه لم يسمع قول النبي: "البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا؛ فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".
وكذلك حين مَرَّ النبي عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا. فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي.
يسأل الأب ابنه: هل صليت؟ فيكذب ويقول: نعم.. ويسأل المدير الموظف عن خطأ ارتكبه أو لماذا تأخر عن عمله، فيكذب ليغطي تقصيره.. وهكذا سلاسل من الكذب تجعل من المستحيل أن تتواجد الثقة أو يبني مجتمعا قويما.
بالطبع يحزنني أن أرى الأخلاق عموما أكثر شيوعا في الغرب عما هي في دول المسلمين، مع أن ديننا - كما ذكرنا سابقا - عقيدة وعبادة وأخلاق ومعاملات وحدود. لقد أثنى الله على رسوله، فقال: "وإنك لعلي خلق عظيم". وقال المبعوث رحمة للعالمين: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
ويعتقد البعض أن مسألة
الأمانة مقتصرة علي البيع والشراء وإعادة الأمانات، مع أن كثيرا من الأمة قد ضيع أكبر معاني الأمانة، ألا وهو اختيار الأصلح لتولي أي مسؤولية. فنضع جميعا اعتبارات القرابة والصداقة والمنفعة والتوجه الإسلامي أو العلماني أو الليبرالي، إن وجد، بل وعضوية حزب أو جماعة ما نضعها في أول المعايير لاختيار المفضول عن الأفضل، مع أن الرسول الكريم قالها واضحة وضوح الشمس: "إذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتظر الساعة". قال: كيف إضاعتُها يا رسول الله؟ قال: "إذا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غير أهله فانتظر السَّاعة".
إذاً، لا بد من أن يربى المجتمع على هذا الحد الأدنى من الأخلاق، وأن تُسن تشريعات وتغلظ عقوبات لمن يثبت كذبه أو خيانته للأمانة.