سؤال ملح ويطرحه الكثيرون وأنا
شخصيا أحب هذه الأسئلة، لكنني أسأل من يقرأ كلماتي من الإخوان المسلمين وأنصارهم:
ما هو شعورك الأولي وإجابتك اللاشعورية الفورية؟ إذا كان شعورك هو الغضب الشديد
وإجابتك هي بالطبع لا بد من وجود جماعة الإخوان المسلمين دون تفكير، فأنت بحاجة
لعملية تغيير جذري في منهجية تفكيرك.
لقد سأل خليل الرحمن إبراهيم
ربه "رب أرني كيف تحيي الموتى"، وسأل كليم الله موسي ربه "رب أرني
أنظر إليك". فإذا كان لب العقيدة محط سؤال من خيرة خلق الله، فالسؤال عن عمل
جماعي أولى وأوجب.
الإجابة عن السؤال يجب أن تكون
منطقية، وأن تعرض التجربة الإخوانية على محك المصالح والمفاسد للأمة المسلمة. ويجب
التأكيد على أننا نناقش تنظيم الإخوان لا مشروعهم الفكري، كما أن هذا النقاش يجب
أن يبنى على حقائق ثابتة لا أمور يُختلف عليها، وأن يأخذ كل تنظيم في دولة ما
تقييمه بناء على واقعه هو، بغض النظر عما تتخذه باقي تنظيمات الإخوان في دول أخرى.
أنا شخصيا يسعني من خلال معلوماتي
وخبرتي أن أدلي برأيي في التجربة
المصرية والأوروبية، لكنني سأقتصر في التعليق على
التجربة المصرية. وللتأكيد، هذا رأي شخصي بحت يحتمل الصواب والخطأ. وأنا لا أتحدث
هنا عن أخطاء تنظيمية تخص الداخل الإخواني، بل أناقش الانعكاسات المجتمعية للوجود
الإخواني سلبا وإيجابا.
إيجابيات تنظيم الإخوان:
1- إحياء الروح الإسلامية لدى المصريين.
2- اعتناق غالبية المصريين الفهم الوسطي للإسلام كما تبنته
الإخوان.
3- تغلغل مفهوم شمولية الإسلام داخل قطاع واسع من الشعب.
4- انتشرت المظاهر الإسلامية في الشارع المصري من حجاب وارتياد
للمساجد وغيرها.
5- انتظم كثير من
الشباب في موجات تديّن على مستويات مختلفة، وحفظت
كثيرا منهم من الانحرافات سواء الفكرية أو الأخلاقية.
6- شكل الإخوان منظومة تدين
وسطية واجهت الفكر الشيوعي والعلماني، وقاومت انتشار التشدد الديني.
7- ضرب معظم المنتسبين للإخوان أمثلة رائعة في التطبيق العملي
للمسلم، سواء كانوا أطباء أو مهندسين أو مدرسين أو عمالا أو غيرهم، وكان معظمهم
موضع ثقة واحترام أهليهم وجيرانهم وزملائهم.
8- نشر الإخوان العمل الخيري التطوعي في كافة قطاعات المجتمع، من
لجان الزكاة وكفالة اليتيم وإعالة الفقراء والمحتاجين، إلى سائر أعمال البر.
9- مارس الإخوان العمل السياسي في حدود ما أتيح لهم وفي حدود
استطاعتهم، وبمسؤولية وشرف ونزاهة، فلم يكذبوا أو يغدروا أو يسرقوا أو يستغلوا
نفوذهم لتحقيق مصالح شخصية أو مكاسب للجماعة.
10- رفع الإخوان مستوى العمل النقابي لأعلى مستوى وبتفان منقطع
النظير.
11- لولا وجود التنظيم لماتت
الفكرة وأصبحت كتبا صغيرة ألّفها شيخ اسمه حسن البنا.
12- تصدت الجماعة للتوغل الصهيوني وحافظت على ثوابتها في الدفاع عن
الأقصى وفلسطين المحتلة، وأبلت بلاء منقطع النظير في حرب 1948، وأنجبت حركة حماس
في فلسطين لتحمل مشعل المقاومة.
13- ضرب الإخوان مثلا للشعب في التضحية بالمال والوقت والنفس فلم
يتلقوا مليما من الخارج، وجادوا بالإنفاق على العمل الخدمي للشعب من حر مالهم وقوت
أبنائهم.
14- ثبت الإخوان على مبادئهم رغم ما حل بهم من ظلم ومحن. وحين تمكنوا
لم ينتقموا من أعدائهم الظالمين، ولم يصفّوا حساباتهم مع من عذبوهم وألقوا بهم في
غياهب السجون وشردوهم ومنعوهم حتى من حضور جنائز آبائهم وأمهاتهم وأبنائهم.
إخفاقات الجماعة
1- لم تستطع الجماعة التحول من
تنظيم نخبوي إلى تيار شعبي.
2- ارتضت الجماعة بدور الوصيف للأنظمة الحاكمة، في مقابل عدم قمعها
والسماح لها ببعض الأنشطة.
3- لم تستطع الجماعة اختراق المنظومة السياسة والإعلامية للدولة،
ولم تعد كفاءات كافية قادرة على توجيه دفة الدولة.
4- فشلت الجماعة في إيجاد منظومة قيمية تتوافق بها مع كافة أطياف
الشعب.
5- فقدت الجماعة كثيرا من رصيدها نتيجة العملية التنافسية التي
احترفتها، سواء السياسية أو النقابية.
6- أخفقت الجماعة في طمأنة
الأقباط وعموم الشعب من توجهاتها السياسة، وساهم التطور البطيء الهزيل للخطاب السياسي
والإعلامي للجماعة في هذه الحالة.
8- رغم كثرة علماء الأزهر في
الجماعة، إلا أن هذا لم يتبلور في صياغة خطاب ديني يوائم حاجة العصر ويراعي
الثوابت. وتخوفت الجماعة من الفكر السلفي المتربص بها أكثر من استجابتها لمتطلبات
الوقت.
9- كان استيعاب الإخوان للحالة الدولية والإقليمية سطحيا للغاية،
ولم تستطع تكوين ظهير لها في الدول التي فيها أعداد كبيرة منهم، واكتفت فقط بحماية
التنظيم.
10- لم تستطع الجماعة ترتيب أولوياتها بما يتواءم مع أهميتها، وكذا
تحقيق التناغم مع آمال قطاعات الشعب.
11- قدم الإخوان قيادتهم
الدينية وأحيانا التنظيمية؛ للشعب على أنها قيادات جماهيرية وسياسية مع الفارق
الشاسع بين هذه المهام.
12- تصدر الإخوان المشهد عقب ثورة يناير دون جاهزية سياسية وإدارية
وبرامج واضحة وقوانين معدة سلفا، مع تخبط إعلامي وسياسي أضر بالإخوان والثورة
والمجتمع ضررا بالغا.
13- أعطى ظهور الإخوان كقوة وحيدة بديلا عن النظم العسكرية؛ مبررا
لوأد الديمقراطية من قبل الغرب وعملائه وأصحاب المصالح.
14- أنشأ الإخوان تنظيمات ومؤسسات موازية لمؤسسات الدولة ومجتمعها
المدني، في حين أنهم كانوا قادرين على إحداث إصلاح حقيقي في تلك المؤسسات بدلا من
إنشاء البديل، فتم مثلا إنشاء جبهة علماء الأزهر ولجان الخطابة والدعوة بدلا من
تدعيم الإصلاح داخل الأزهر والأوقاف، وكذا إنشاء لجان زكاة بدلا من العمل مع لجان
الزكاة القائمة.. إلخ. بمعنى آخر، تم إنشاء مجتمع مواز لصعوبة الاندماج والتعايش
مع هذه المنظومة.
بالطبع لكل أن يتفق أو يختلف مع
بعض هذه النقاط أو يضيف إليها إنجازا أو إخفاقا.
في رأيي المتواضع يجب الإبقاء
على تنظيم جماعة الإخوان المسلمين؛ لأسباب أهمها أن التاريخ لا يعرف أحكام الإعدام
على جماعات بهذا الحجم والتأثير، ولكن مكانها يتراوح هبوطا وصعودا حسب تطورها واستفادتها
من أخطائها وقدرتها على التعامل بمرونة وحيوية مع المتغيرات من حولها.
الأمر الآخر الذي تجب الإشارة
إليه؛ أن ارتباط أعضاء الإخوان بالجماعة أكثر من ارتباط السمك بالماء. فالعضو حتى
وإن لم يشارك في أي منشط للجماعة يحس أن الموت أفضل من أن يقال عنه أنه خرج من
الجماعة!! ومن ثم سيظل قطاع كبير من الإخوان خاصة ممن تخطوا الأربعين عاما، ملتفين
حول الجماعة أينما وكيفما كانت.
في ظني أن فرص تحولات جذرية
داخل جماعة الإخوان ضئيلة للغاية إن لم تكن منعدمة، خاصة بعد مرور أكثر من ست
سنوات على الانقلاب العسكري دون ظهور ثمة بوادر تغييرات في فكر الجماعة ولا
مواقفها ولا قيادتها.
لكن الشيء الذي أجزم به أنه لن
ينقضي هذا العام حتى يُبعث تيار إسلامي جديد، شبابي التشكيل ثوري الفكر حضاري
الرؤية، يحمل راية الدفاع عن هذا الدين في هذا الزمن الذي يستهدف فيه هذا الدين في
أصوله. هذا التيار لن يعيش أسير الصراعات، ولن يقوم بدور المحلل للأنظمة الاستبدادية،
وسيبني على تجارب من سبقه.. تيار سيكون من المرونة ما تجعله يجدد فكره ويتآلف مع
القطاع الأعظم في الشعب دون أن يتنازل عن ثوابت الدين، ولديه من فقه المقاومة ما يكفيه
للصمود في وجه من سيحاول استئصال شأفته، ومن الشجاعة ما تجعله يظهر ما يبطن، ومن
الحكمة ما يقيه المخاطر التي يمكن تجنبها.
أشم رائحة هذا البعث، وأسال
الله أن يحييني كي أكون من الساقة فيه.
واجبنا نحو التيار الجديد:
أولا: الإخوان المسلمون
لقد رفعت جماعة الإخوان راية
الإسلام الوسطي ببسالة وشرف خلال القرن الماضي، تحملت فيه من المحن والأهوال ما
يشيب له الولدان، وتحمل أهل الإخوان ومناصروهم معهم ابتلاءات لم تقاسها فئة
في التاريخ المعاصر وما وهنوا ولا استكانوا ولا فرطوا ولا باعوا الوطن ولا الدعوة.
لكن لله سننا غلابة، والطريق إلى الله مارثون طويل ينتهي بلقاء الله، وهذه الجماعة
وقد شارفت على المئة عام تركض في هذا السباق مثخنة بالجروح، وهذا الرجل الذي يجري
في هذه السن بهذه الجروح آن له أن يسلم راية الحق في هذا السباق التتابعي المهيب
إلى هذا التيار الجديد، قبل أن يسقط هو أو تسقط الراية، مستصحبا ثواب الله على جهاده
الذي مضى، وراجيا أن يكون ثواب من يحمل الراية من بعده في ميزان حسناته.
المطلوب من قيادة الإخوان ألا
تواجه هذا النبت الصاعد بالتشكيك والتشهير وتجميد من يناصر هذا التيار من أعضائها،
وأن تتركه يخوض تجربته كاملة كما خاضوا هم تجربتهم في ظل وجود مصر الفتاة والشبان
المسلمين والجمعية الشرعية وغيرها. فإن أنجز هذا التيار فهذا رصيد للأمة المسلمة،
وإن أخفق فيكفيه شرف المحاولة. بل أزعم أنها يجب أن تدعمه وتشد من أزره وتعطيه
خلاصة تجاربها.
ثانيا: باقي التيار الإسلامي
أستحث كل القوى الإسلامية على التركيز
على المقومات الأساسية لهذا الدين التي تلتقي بها مع هذا التيار، وأن تترفع عن
النظر إلى هذا التيار على أنه منافس لها أو أنه حالة طارئة، وأن تستوعب الدروس
التي نجمت عن صراعاتها البينية والتي استغلتها بمهارة الجهات الأمنية لإذكاء الفتن
وتشتيت التيار الإسلامي.
ثالثا: النخب وأصحاب الفكر
يجب على من عنده فكرة أو مشروع
أن يقدمه لهذا التيار وأن يتواصل معه للوصول إلى تفاهمات مشتركة، وألا تكون
الحزبية والحدة هي أسلوب الحوار، وأن توضع مصلحة الدين والوطن فوق كل اعتبار.
رابعا: عموم الشعب
أناشدكم ألا تقفوا موقف المتفرج
من هذا التيار الذي سيأتيكم فاتحا ذراعيه. لا تكونوا كما كنتم مع الإخوان جمهورا
يشاهدهم كمصارع الثيران، فإن انتصر الثور (الأنظمة المستبدة) قلتم ما بال هذا
الغبي يصارع الثور، وإن جُرح قلتم هذا أقل ما يحدث له، وإن انتصر صفقتم له ثم
فتحتم الباب ليأتيه ثور جديد لينهش فيه!!!
إن الإسلام يواجه هجمة شرسة غير
مسبوقة لا مواربة فيها، وإن هذا دينكم وهؤلاء أبناؤكم، فالله الله فيهم، وكونوا
لهم ظهيرا وسندا.