استقبل المصريون شهر رمضان
المبارك، وما أدراك ما شهر رمضان في مصر؟! إنه شهر تفرح به القلوب قبل الوجوه.. شهر
ينتظر قدومه الصغير قبل الكبير.. شهر له طقوس مصرية لا تجد مثيلها في أي دولة في
العالم.. شهر يزداد فيه الكرم وتبلغ الأرزاق سعتها وبركتها.
ولكن (للأسف الشديد) جاء هذا
الشهر الكريم، وقد فقد المصريون لذة استقباله، في ظل ضيق اليد والفاقة التي عمت
الجزء الأكبر من الشعب المصري نتيجة سياسة العسكر الطبقية، واستيلائهم على ما في
جيوب المصريين بالضرائب والرسوم، ومزيد من الديون، وغلق الأبواب أمام البحث عن
وظيفة شريفة، أو تحقيق دخل يفي بالحد الأدنى للمعيشة.
إن واقع المصريين في رمضان واقع
مر ومرير، وعلى المستوى الشخصي كم اشتكى لي من رجال ونساء من عدم القدرة على الإنفاق
عامة، وفي رمضان خاصة، وقد أصابهم القهر للعجز. فالأبواب مغلقة، والأفواه عاجزة عن
الكلام، والمشاكل المادية بدا تأثيرها واضحا على استقرار الأسر واستمرار رباطها.
الانقلاب وحكومته في مصر ليس في قاموسهما إلا اقتصاد الصدمة، بضربات اقتصادية استباقية ومتواصلة للشعب حتى لا يفيق، ويعلن الاستسلام
إن الاقتصاد بلغة مبسطة هو
معايش الناس، فإذا كانت معايش الناس مرضية كان الاقتصاد مرضيا، والعكس صحيح. ورحم
الله الأستاذ نجم الدين أربكان الذي كان يصف الاقتصاد وصفا دقيقا بأنه:
"المؤلفة قلوبهم". وهو وصف يليق بمن يعرف دواليب السياسة وحقوق الرعية.
فأفضل طريق لسياسة الرعية هو أن تؤلف قلوبهم من خلال توفير الحياة الكريمة لهم،
وهذا ما لا يعرفه الانقلاب وحكومته في مصر، فليس في قاموسه إلا اقتصاد الصدمة،
بضربات اقتصادية استباقية ومتواصلة للشعب حتى لا يفيق، ويعلن الاستسلام، ويصبح
مبتغاه الرضا عن الصدمات السابقة والتمني أن لا يكون هناك مزيدا منها، في ظل قهر
الدبابة وقوة المدفع ودكتاتورية المسلك، وبناء سجون جديدة بدلا من بناء إنسان صالح
ومصانع.
إنه خلال الأيام القليلة
المادية لم تخلو الصحف المصرية من أخبار كوارث اقتصادية يتحملها المواطن المصري
بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فهي في النهاية تصب ضد مصلحته، ودائما ما تخالف
الحكومة المنطق والعقل، وتصرح بأن ذلك في مصلحة المواطن، وهو لا يناله من قرارتها
وسلوكها سوى مزيد من الأعباء، ومزيد من العنت والفقر.
اقتربت قيمة خدمة الدين العام ممثلة في الأقساط وفوائد الديون من تريليون جنيه، وهو ما يزيد أكثر من مرتين ونصف عن مخصصات الموازنة الخاصة بجميع قطاعات الحكومة
ولو ألقينا نظرة فقط على الموازنة
العامة للدولة 2019-2020م، لوجدنا كيف وصل الحال بنا، فقد اقتربت قيمة خدمة الدين
العام ممثلة في الأقساط وفوائد الديون من تريليون جنيه، وهو ما يزيد أكثر من مرتين
ونصف عن
مخصصات الموازنة الخاصة بجميع قطاعات الحكومة، من
تعليم وصحة ودفاع وأمن
وعدالة وزراعة وصناعة ونقل ونحوها. بل إن هذا المبلغ يلتهم حصيلة الضرائب التي
تقدر بمبلغ 857 مليار جنيه، والتي تمثل في حد ذاتها مصيبة كبرى للمواطن، حيث تعدت
نسبتها 75 في المئة من إجمالي إيرادات الموازنة، وهو ما يعني أن هذا الإيرادات في
جلها مصدرها جيب المواطن الذي يعاني ويقاسي من فراغ جيبه وقصر يده.
وإذا ألقينا نظرة كذلك على تطور
الدين العام الخارجي، نجد أنه ارتفع من 43 مليار دولار قبل الانقلاب، ليصل إلى 96.6
مليار دولار بنهاية العام 2018م، وهو ما يعني تضاعف الدين العام الخارجي وزيادته
بنسبة تصل إلى 125 في المئة خلال فترة الانقلاب، رغم عدم تحقيق هذا الدين قيمة
مضافة حقيقية أو تمويل مشروعات ذات جدوى اقتصادية، وهو الأمر الذي ينعكس سلبا على
معيشة المواطن والخدمات المقدمة له والبنية التحتية اللازمة لجودة حياته، فضلا عن
تحميله بمزيد من الأعباء الضريبية، وتحميله هو وأجياله اللاحقة بديون لا قبل لهم
بها.
الحكومة أجلت إعلان مؤشرات بحوث الإنفاق والدخل الذي كان من المفترض الإفصاح عنه شباط/ فبراير الماضي؛ لارتفاع معدل الفقر واعتراض "جهات عليا" على النتائج
إن المواطن المصري للأسف الشديد
يعيش في دوامة
الفقر، وهي ليست من صنع يده، بل من صنع من استأثر بالسلطة والثروة
ولم يترك لشعبه سوى ويلات الفقر وزيادته، حتى إن الحكومة أجلت إعلان مؤشرات بحوث
الإنفاق والدخل الذي كان من المفترض الإفصاح عنه شباط/ فبراير الماضي؛ لارتفاع
معدل الفقر
واعتراض "جهات عليا" على النتائج. وهكذا يدار الاقتصاد في
مصر من خلال الأرقام التجميلية، رغم أن البنك الدولى يقدر
نسبة الفقر في مصر بـ60
في المئة، بعد أن كانت 27 في المئة قبل الانقلاب.
وهذا الفقر ما هو إلا انعكاس
لميزان العدل المختل، والطبقية البغيضة والفساد الممنهج، وليس أدل على ذلك من
موافقة البرلمان على مشروع قانون
بزيادة المعاشات العسكرية بنسبة 15 في المئة،
اعتبارا من شهر تموز/ يوليو القادم، في الوقت الذي أعلن فيه وزير الكهرباء ارتفاع
أسعار الكهرباء ابتداء من ذات التاريخ. وكذلك الحكم ببراءة وزير الداخلية الأسبق
حبيب العادلي في قضية فساد كبرى موثقة بالمستندات، وتغريمه 500 جنيه فقط لا غير،
في الوقت الذي يحكم فيه بالمؤبد على رجل الأعمال حسن مالك بتهمة ليس لها أي أساس
وفقا لواقع الاقتصاد، بل ومصادرة أموال الشرفاء. وكل ذلك يعكس حال ما آلت إليه مصر،
ويمثل مؤشرا عاما عن الحالة المصرية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقوم بها
تنمية على فساد وظلم؛ لأنهما بحق مؤذنان بخراب العمران.