هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تصريح وزير المجاهدين بخصوص المضيّ في إصدار قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي وربطه زمنيا، وتقنيا، بانتهاء لجنة خبراء تم تكليفها قبل سنتين بإحصاء تلك الجرائم، لا يدلُّ على أن القانون سيصدر قريبا، بل نخشى أنه مجرّد ضجيج إعلامي أو جعجعة بلا طحين، تشبه جعجعة أحد النواب قبل عشر سنوات حين مرَّر مقترحَ القانون ذاته على زملائه، قبل أن ينتهي به الأمر مقبورا في أدراج المكاتب!
الطيِّب زيتوني قال إن “السادة الخبراء بعد سنتين من تكليفهم، لم يستطيعوا إحصاء كل تلك الجرائم”! رغم علم الجميع أن المسألة لا ترتبط بالعدد ولا بالإحصاء الرقمي، وإنما لها علاقة مباشرة بالمغزى السياسي والتاريخي من العملية، ذلك أن جريمة واحدة كتلك التي وقعت في الثامن من أيار/ ماي 1945، كفيلة بفضح قبح المستعمِر الفرنسي وبشاعته ومدى إجرامه.
لكن، للأمانة أيضا، فإنَّ المسألة لا ترتبط بشخص الطيِّب زيتوني وحده، وإن كان أوَّل وزير للمجاهدين يزور باريس في عهد بوتفليقة من دون جدوى أو نتيجة، وهي تتجاوزه بقدر ما تتجاوز البرلمان أيضا، إذ قال رئيس هذه الهيئة، سليمان شنين “إن مسألة تجريم الاستعمار لا تعني النواب وحدهم، بل تعني جهاتٍ أخرى عديدة”، وكلام شنين يحتاج هنا إلى تدقيق؛ فتجريم فرنسا لا يعني أيضا النواب، كل النواب، بدليل أنّ من قدّم عريضة لإصدار القانون، بلغ عددهم نحو 120 نائبا فقط في مجلس يضم 462 عضوا!
مسألة تجريم الاستعمار يجب أن تبقى مطلبا جزائريا بحتا، ويجب ألا تستعمله قوى خارجية للمناورة، والكلام هنا عن تركيا التي تناقلت تصريحات وزير المجاهدين الطيب زيتوني في الأيام الماضية بكثير من الاهتمام والحماس الزائدين، ليس حبا في الجزائر وإنما كرها لفرنسا التي تتنازع معها مسألة التدخُّل في ليبيا والعضوية داخل الاتحاد الأوروبي منذ سنوات.
ما يلفت الانتباه أيضا، أن الأشقاء في تونس، رغم توفرهم على برلمان يبدو أكثر “شرعية وثورية” من برلماننا، سواء بعناصره الإسلامية أو اليسارية أو حتى العلمانية، فشلوا منذ أيام في تمرير لائحة مشابهة لتجريم الاستعمار الفرنسي، وزيارة الرئيس قيس سعيد لباريس قبل أيام، لاقت الكثير من النقد الداخلي، بما يدلُّ على أن سقف الطموحات الشعبية سيظلُّ أكبر بكثير من احتمال أيِّ زعيم سياسي ولو كان اسمه قيس!
أما فيما يتعلق بالجزائر، فالكلام الذي قاله الرئيس تبون عن وجود “ودّ خاص” للرئيس ماكرون، ورغبة شخصية لدى هذا الأخير ببناء علاقات جيدة “لولا اللوبيات وبعض القوى التي ترفض ذلك”، يذكِّرنا بالتصريحات التي أطلقها ماكرون حين كان مترشحا لقصر الإليزيه، وقال فيها إنه يريد الاعتراف بالاستعمار وجرائمه، لكن “العين بصيرة واليد قصيرة”؛ فبمجرّد انتخابه، واجهته عاصفة من النقد الشديد والحروب السرية والمعلنة، ما اضطره للتراجع عن نيّته، أو تأجيلها، لا نعرف!
المسألة ليست سهلة، وقد تحصل الجزائر على تعويضات حقا، أو تفتكُّ بعض الاعتراف بعددٍ قليل من الجرائم، لكن ذلك لن يكون مرفَقا باعتذار رسمي، المسألة معقدة جدا كما قلنا، لكن يبقى أنّ التجريم سيظلّ مرتبطا بالداخل أكثر من الخارج، فلا يصحّ التغني بالوطنية والاستقلالية، والقيم النوفمبرية، ونحن لا نستطيع إدانة المستعمِر عن أفعاله القبيحة، تماما مثلما لا يصحُّ إدانة فرنسا وتجريمها، فيما لا يزال بيننا من يمجِّدها، ويتحدث لغتها، وينشر فكرها، ويتباهى بسياستها، فإن لم نستطع تجريم الاستعمار حتى الآن، فلنجرِّم أذنابه على الأقل!
(الشروق الجزائرية)