هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على الليبيين أن يشكروا فيروس كورونا كثيرا فقد نجح في تحقيق ما فشل فيه السياسيون جميعا، وأيضا الهيئات والمنظمات الدولية، ونقصد به التوافق الذي حصل بين حكومة طرابلس وبرلمان طبرق بشأن “وقف إطلاق النار، وتحرير إنتاج النفط والذهاب إلى انتخابات جديدة”.
نقول هذا الكلام، ليس من باب التهكّم، لكنها الحقيقة التي أكدها بيان المجلس الرئاسي ومعه بيان برلمان طبرق، إذ بررا في ديباجتهما قبول التوافق بـ”انتشار فيروس كورونا في البلاد، ونظرا للأوضاع الحالية التي تمرُّ بها المنطقة”!
المفارقة العجيبة، أنّ التوافق حدث موازاة مع شغور منصب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، عقب استقالة اللبناني غسان سلامة قبل أشهر، أي أننا انتقلنا في التعامل مع الأمم المتحدة من مرحلة “وجودها مثل عدمه” إلى مرحلة “غيابها أنفع من حضورها”!
والواقع أن الليبيين لا يعانون فقط من كورونا، وإنما أيضا من غياب الكهرباء في بلد خسِر 9 مليار دولار وأكثر، في ظرف 6 أشهر فقط، نتيجة توقف إنتاج النفط والسيطرة على حقوله من طرف مرتزقة فاغنر، وهي المليشيا الروسية التي تدعم خليفة حفتر.
وعلى ذكر حفتر، فإن اختفاء اسمه من رادار الأخبار في الأيام القليلة الماضية وعدم الإتيان على ذكره بمناسبة الاتفاق، يمثل خبرا سارّا، لكنه اختفاءٌ مقلق أيضا. صحيح أنّ حفتر يشعر بعزلة شديدة بعد ما تخلى عنه الجميع، الحلفاء قبل الخصوم، لكن البعض يخشى ظهوره فجأة هذه الأيام، ليمارس موهبته الخارقة التي تغطي على فشله العسكري، وهي موهبة إحباط كل اتفاقيات السلام ونسف جميع جولات الحوار، والدليل على ذلك، ما شهدته برلين وباريس وموسكو من توافقات مبدئية انتهت إلى الفشل بسببه.
حفتر المتَّهم بإبادة الأبرياء وبالمسؤولية عن مقابر جماعية، استقبل في آخر نشاط له، مدير المخابرات المصرية، وتسلم رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بخصوص معلومات تتعلق برغبة تركيا في السيطرة على ميناء مصراتة. وطبعا فإن مصر ترفض الأمر بشدة، تماما مثلما ترفض فقدان سيرت والجفرة وتعتبر الدخول إليهما “خطا أحمر”، فما الذي تغيّر وحصل في الساعات الماضية حتى انتقلنا من أحاديث الخط الأحمر وتهديدات الحرب الوشيكة والاستعمال المفرط لجيوش المرتزقة إلى التوافق الذي حصل بين عشيّة وضحاها ففاجأ المراقبين والسياسيين في طرابلس وبن غازي معا!؟ وما محل حفتر من الإعراب المصري والروسي الآن؟
الإجابة تكمن في التحركات الأخيرة التي وقعت هنا وهناك، بينها زيارة وزيري الدفاع القطري والتركي معا إلى المنطقة، ومحادثات وزير الخارجية الألماني في طرابلس، وكذا الاتصال الهاتفي الأخير بين بوتين وأردوغان. المهمّ أن الاتفاق المبدئي حصل، ويجب البناء عليه سريعا، أمرٌ تريد الجزائر التعجيل به، وتسعى إليه منذ اجتماع برلين، إذ دعت مجددا كلّ الفرقاء في ليبيا إلى الاجتماع قريبا على أرضها “بنيَّة التوصل إلى حلّ سلمي يحفظ مصالح ليبيا والشعب الليبي” مثلما تضمَّنه بيان وزارة الخارجية الأخير، ومثلما يقول المنطق السياسي، ومعه التاريخ والجغرافيا معا، فلا يوجد أفضل من الجزائر للعب هذا الدور.
للكاتب الليبي الشهير إبراهيم الكوني رواية معروفة عنوانها “الصلاة خارج نطاق الأوقات الخمسة”، والاتفاق الذي حصل بين طرفي النِّزاع في ليبيا جاء خارج الأوقات المعروفة والمتوقعة للجميع، لكنَّه يبقى مجرد اتفاق مبدئي يجب إنجاحه، والقفز على تفاصيله الصعبة، من أجل الليبيين جميعا، فهؤلاء وبحسب تعبير الروائي إبراهيم الكوني دوما “شعب انتظر طويلا، وخُذل طويلا، وتسامح طويلا، ولم يجد من وليّ الأمر إلا الإنكار”.