هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انطلاقا من السنة الكونية والقاعدة القرآنية "وتلك الأيام نداولها بين الناس"، واستنادا لمظاهر الغضب التي تجتاح المشهد المصري الذي يغلي من سنوات في طريقه إلى الانفجار. لكن لا أحد يعلم كيف ومتى.. لكننا نعلم وبدقة لماذا.
منظومة الانقلاب ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها ممن سبقها في تاريخ مصر والمنطقة، خاصة الدول التي عانت ويلات الانقلابات العسكرية. حين تتحول الدولة إلى وحدة عسكرية يحكمها القائد بأمره، فلا دستور ولا قانون ولا مؤسسات ولا حتى سياسة، فالسيسي يتباهى بأنه ليس من رجال السياسة، وأنه ظل 50 سنة يتعلم ماذا تعني الدولة. باختصار سيرحل السيسي كما رحل من سبقوه في حكم المنحوسة بحكامها، التي كانت المحروسة بمكانها وجمالها.
وهنا يقفز السؤال المتوقع: ماذا بعد السيسي.؟طرح يتناوله البعض في ملفات عدة، منها ملف الحركة الإسلامية ومكوناتها من الجماعات والجمعيات والأحزاب، ووفقا للآراء التي تقول إن مرحلة الجماعات الإسلامية إلى أفول، والمشهد في انتظار جيل يمثل تيارا إسلاميا عاما، لا ينتمي إلى تنظيمات ولا جماعات، لكنه تيار واسع من المؤمنين بصحة وسلامة وجاهزية الإسلام كمنهج حياة.
جيل يحمل من الفكر والذكر والمهارات والقدرات ما يناسب المرحلة القادمة لسد الفراغات والفجوات التي كانت وما زالت موجودة في المشهد العام للحركة الإسلامية، في مجالات عالم الأفكار والتصورات، والقيم والإجراءات والمفاهيم، والبرامج والمبادرات والقدرات والمهارات، فضاءات شاسعة بحاجة لأصحاب الكفاءات من الأفراد والمؤسسات والهيئات، بعيدا عن عقبات وأزمات التنظيمات التي كانت وستبقى بسبب طبيعتها وتحدياتها الداخلية والخارجية.
لذا يُطرح السؤال: وهل للتنظيمات القائمة فرص قادمة؟! من هنا نأخذ جماعة الإخوان نموذجا..
التحديات القائمة والقادمة صعبة وكبيرة والفرص نادرة وقليلة؛ تحديات الفكرة والتنظيم والقبول المحلى والإقليمي والدولى، لاعتبارات منها:
(1) ضبابية المشهد الحاضر، بل والقادم لمصر وتداعياته العامة في مجال الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل والعلاقات الخارجية.
(2) طول الفترة الزمنية التي تحتاجها الجماعة لإصلاح وترميم الشروخ والتصدعات التي لحقت ببناء الإخوان خلال الفترة الماضية وما زالت، بالمقارنة بمرحلة التأسيس الثاني للجماعة بعد الخروج من محنتي 54 و65، الذي استغرق حوالي عشر سنوات في عهد السادات، وهو من العصور الذهبية للإخوان.
(3) الظرف المحلي والإقليمي والدولي، المليء بالصعوبات والمواقف السلبية تجاه الجماعة والحركة الإسلامية، لتحول عقيدة المشروع الغربي ضد المشروع الإسلامي، خاصة الإخوان؛ فبعد أن كان ينظر إليها كحائط صد يحمي أنظمة الحكم العربي من التيارات العنيفة، أصبح ينظر إلبها كحزام ناقل للإرهاب.
(4) الفزع الذي أصاب الغرب ودول الخليج والتيارات المدنية من تجربة الربيع العربي إجمالا، وتجربة الإخوان بصفة خاصة، حين غلب الحماس والعاطفة على العقل والسياسة.
(5) التمدد الصهيوني في أروقة الحكم العربي ملكية كانت أو جمهورية، وفرض التطبيع على حكام المنطقة وكلاء الغرب، في مقابل استمرار الاعتماد والبقاء في الحكم.
(6) تكرار التجارب المؤلمة للجماعة، وعدم الاعتبار من المآلات القاسية الكارثية عالية الكلفة.
(7) التحديات والتهديدات الداخلية التي تعانيها الجماعة وهي في أحسن ظروفها، فما بالنا وهي في هذه الظروف الصعبة والقاسية؛ تحديات فكرية وتنظيمية وقيمية، وتحديات في مجال المعلومات والكفاءات والعلاقات والتحالفات.
الفرص المتاحة
تتوقف الفرص على طبيعة النظام الحاكم ومدى تحرره من سلطان تبعية الخليج والكيان الصهيوني، كما تتوقف على مدى اعتبار الجماعة أو بقاياها من التجربة العنيفة التي عاشتها وما زالت.
وهي في الغالب نقاط داخلية أكثر منها خارجية، لكنه في جميع الأحوال الأفكار لا تموت، سيبقى الإخوان من حيث الوجود، لكن يبقى التحدي في المساحات والحدود، وهذا يتوقف على مدى تطوير الجماعة على مستوى الأفكار والقيم والاتجاهات والممارسات والسلوكيات. وهناك قائمة كبيرة من الملاحظات كتبها أصدقاء وخصوم الجماعة منذ عقود، وما زال يكتب الكثير، لكنها تضيع هباء بسبب طريقة استقبال الجماعة لها بين الخصوصية والخصومة.
الخلاصة: الجماعة تملك مقومات الوجود، لكن يبقى التحدي في التمدد والحدود للاعتبارات السابقة.