قضايا وآراء

إثيوبيا.. مستقبل آبي أحمد

إبراهيم الصديق علي
1300x600
1300x600
(1)
نشر آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا منتصف نهار أول كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٠م، مقطع فيديو لمدة دقيقة على صفحته في فيسبوك، وهو يقود شاحنة مياه يروي بها بعض الأشتال في العاصمة أديس أبابا، وكتب: "الواجب نحو الوطن يستلزم الانتهاء مما بدأناه، والبقاء في المسار الصحيح الذي خططنا له".. فهل ما زال آبي على ذات نهج البداية في نيسان/ أبريل ٢٠١٨م؟ وهل مآلات قادم الأيام مجرد إكمال للبدايات؟ وكل ذلك عشية حديثه عن انتهاء المعارك مع جبهة التيغراي، وما زال دخان النيران يعلو في سماء ميكيلي، عاصمة الإقليم، وأفواج اللاجئين تتدفق على السودان، ويبدو أن الأمر أبعد من ذلك بكثير.

كان أول قرارات آبي وأهمها عقب انتخابه، إلغاء ما تسمى لائحة الإرهاب، والاعتراف بجبهة تحرير أوغادين وجبهة تحرير أورومو وشعب جنوب إثيوبيا. وكان قرارا صائبا يهدف لتخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي، وسارع لإفساح المجال للحريات وتحسين علاقات البلاد مع جيرانها، وزيادة مشاركة الشباب والمرأة، مما أهله لجائزة نوبل للسلام تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٩م. أما اليوم، فإن هناك متغيرات كثيرة وحالة احتقان، أبرزها ما جرى في إقليم التيغراي، وتوترات أقاليم أورومو وبني شنقول، وشكوك المجتمع الدولي والشركاء في نجاعة التوجهات الجديدة للحكومة الإثيوبية.

(2)
خيط رفيع يربط بين رؤية آبي أحمد والتحديات الكثيرة في المرحلة القادمة، ومن أبرزها المواءمة بين بناء دولة المؤسسات وتلبية تطلعات المجموعات الإثنية، والموازنة بين الانفتاح والحريات والحوار، وبين الحسم العسكري والقبضة الأمنية، وقد كان الامتحان عسيرا.

لقد بدأت هذه الأزمات في التصاعد بعد أن حاول آبي أحمد تقليص نفوذ مجموعة التيغراي في الحكم، وأقال رئيس أركان الجيش، ومدير المخابرات لأول مرة منذ ١٨ عاما. وفقد بذلك الرجل القوي جيتا تشوف اسفا موقعه، وانتهى نفوذ دبرصيون جبراميكائيل (نائب رئيس الوزراء في حكومة ديسالون) بعد إعفائه من منصبه، وعادا للإقليم لتأسيس قوة سياسية موازية لحكومة آبي في إقليم التيغراي. لقد قال جبرائيل عام ٢٠١٩م: "لن نتنازل عن حقنا الذي كافحنا من أجله"، وذلك الحق يتمثل في مساهمة كل إثنية في الحكم الاتحادي مع كونفدرالية إثنية تعطي لكل قبيلة أرضا وسلطة.

إن الخيط الرفيع ذاته سبب التوتر مع الأرومو عام ٢٠١٩م حول الأرض ومنح العاصمة امتدادات، وتحول الأمر لتظاهرات وتوتر في تموز/ يوليو ٢٠٢٠م بعد مقتل الفنان هالوشا هونديسا، الذي يمثل الوجدان الشعبي لأكبر القوميات عددا (37 في المئة من السكان، تليها الأمهرا ٢٧ في المئة، والتيغراي وشعوب الصومال ٦.١ في المئة لكل منهما).

وتعززت القناعات قبل عام وتحديدا أول كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٩م، بعد اندماج ثلاث قوميات لتشكيل حزب واحد (حزب الازدهار)، مما يعني فعليا إنهاء تحالف "الجبهة الثورية للشعب الإثيوبي"، مما أثار مخاوف التيغراي وتطورت الأحداث؛ مرورا بتأجيل الانتخابات وتبادل الاتهامات والدخول في مواجهة مسلحة.

(3)
لقد تعجل آبي أحمد الحل العسكري، وسبق ذلك اعتقالات لناشطين من قوميات شتى، منهم جوهر محمد المعتقل منذ تموز/ يوليو الماضي، وبقلي جربا نائب رئيس حزب الأرومو المعارض، وآخرون، مع إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في إقليم أورومو فترات طويلة. وكانت العمليات العسكرية (٤ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي) تجري وسط تعتيم واسع. وتلك ليست الصورة المثالية والنموذجية لقيادة شديدة الاهتمام بهذه المنابر. لقد أثارت تدابير آبي أحمد القلق وسط دوائر كثيرة واسعة حول نجاعة قراراته وفاعليتها.

إن سقيا زهور في شوارع أديس أبابا لن تعيد الابتسامة لآلاف اللاجئين من التيغراي أو آلاف الشباب الحانقين، والمطلوب إعادة الحيوية للحوار السياسي والتراضي الوطني وإزالة المخاوف، هذا هو السبيل الأقل كلفة والأفضل لاستمرار خطط النهضة في إثيوبيا وتجديد الثقة في آبي.
التعليقات (0)