كتب

الأردن.. قراءة في التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية

كتاب يسلط الضوء على مسؤولية الاستعمار في الاختلالات الهيكلية للاقتصاد الأردني- (عربي21)
كتاب يسلط الضوء على مسؤولية الاستعمار في الاختلالات الهيكلية للاقتصاد الأردني- (عربي21)

الكتاب: "التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن (1950- 1967)" الجزء الأول، ط1.

المؤلف: فهمي الكتوت 

الناشر: ناشرون وموزعون، عمان 2017

اتسم الأردن، تاريخيًا، بوهن اقتصادي، وشُحّ موارده الطبيعية؛ ما جعل هذا القطر يعتمد على المساعدات الأجنبية، أساسًا لافتقار الأردن إلى القاعدة الإنتاجية؛ الأمر الذي فاقم الأزمات الاقتصادية، وبالتداعي الأزمات الاجتماعية، والسياسية.. حتى غدا الاقتصاد الأردني في مهب الاهتزازات السياسية، الإقليمية والدولية. ما يقتضي معالجة التشوُّهات الهيكلية، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، يمكن معها تحقيق استقرار، يتكئ على مقوّمات محلية.

أما لماذا اختار المؤلف السنوات 1950- 1967، فلأن الأولى هي السنة التي ضُم فيها شرق فلسطين إلى المملكة الأردنية، وحملت الأولى، منذئذٍ، اسم "الضفة الغربية"، أما 1967، فهو عام الهزيمة الكبرى، التي حاقت بالعرب، على أيدي إسرائيل، وفي هذه الهزيمة ضاعت الضفة الغربية، ووقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي لنحو 27 عامًا، انتقلت، بعدها إلى احتلال غير صريح، وغير مباشر، وضاع نحو ثلث أراضيها لحساب المحتل الإسرائيلي، وأحدقت ببقية الكانتونات العربية الفلسطينية، الطرق الالتفافية الإسرائيلية.

لقد أحدث ضم "الضفة الغربية" طفرة كمية ونوعية في السكان. وتوالت انتصارات الحركة الوطنية، فمن إجهاض محاولات توريط الأردن في "حلف بغداد"، مع نهاية 1955، وبداية 1956، إلى طرد جوب باجوت غلوب، رئيس أركان الجيش الأردني (البريطاني الجنسية)، وتعريب الجيش، ربيع 1956، ثم ما كان من انتصار الأحزاب الوطنية في الانتخابات البرلمانية، خريف 1956، فشكَّلت هذه الأحزاب غالبية مجلس النواب؛ ما أهَّلها لتشكيل حكومة سليمان النابلسي، ما بين خريف 1956 وربيع 1957، مع إلغاء "المعاهدة البريطانية-الأردنية". ثم كانت نكسة هذه القوى.

***

في الفصل الأول "نظرة سياسية اقتصادية راهنة"، رأى المؤلف، محقًا، كيف "سادت سياسة اقتصادية في مجمل البلدان العربية، ومنها الأردن، فأدت إلى أزمات عميقة، بمظاهرها المتعدِّدة؛ بسبب التخلُّف، والتبعية، والاستبداد، وإغراقها بالمديونية، ما ألزم الحكومات المتعاقبة بتقليص نفقات الخدمات العامة، وزيادة الإيرادات، لخفض عجز موازناتها، ومطالبة (صندوق النقد)، و(البنك) الدولييْن، بخفض عجز الميزان التجاري، والحساب الجاري". (ص 9).

أما عندما هلَّت "الليبرالية الجديدة"، "بعد إغراق البلاد بالمديونية"، نتيجة استشراء حالات الفساد، ومصادرة الحريات العامة، وغياب المؤسسات الدستورية، وسوء إدارة موارد البلاد؛ الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية... ما أفضى إلى هبَّات، وثورات شعبية، عفوية، واسعة، أدت إلى الإطاحة بمعظم النظم العربية الدكتاتورية (ص 9- 10).

ما زاد "من تفاقم التشوُّهات الهيكلية للاقتصاد الوطني... بينما هدفت المساعدات إلى استمرار احتجاز عملية التطور الاقتصادي ـ الاجتماعي في الأردن... مع تزايد مظاهر الاقتصاد الطفيلي". (ص 12).

في "المدخل، ألقى المؤلف الضوء على "نشوء أمارة شرق الأردن"، التي كُرِّست بـ "اتفاقية القدس"، ومن بعدها "المعاهدة البريطانية-الأردنية" (1928)، ومنها إلى "مشروع روتنبرغ"، وهو امتياز لتوليد الكهرباء، منحته سلطات الانتتاب البريطاني في فلسطين لشركة صهيونية (1928)، ومن بعده، جاء امتياز "البحر الميت"، الغني بالأملاح، ثم امتياز بترول العراق، لمد خط أنابيب عبر شرق الأردن، إلى ميناء حيفا الفلسطيني (1931)، ما أسهم في الزيادة المتسارعة في السكان.

 

عندما هلَّت "الليبرالية الجديدة"، "بعد إغراق البلاد بالمديونية"، نتيجة استشراء حالات الفساد، ومصادرة الحريات العامة، وغياب المؤسسات الدستورية، وسوء إدارة موارد البلاد؛ الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية... ما أفضى إلى هبَّات، وثورات شعبية، عفوية، واسعة، أدت إلى الإطاحة بمعظم النظم العربية الدكتاتورية

 



ما أن وضعت الحرب العالمبة الثانية أوزارها، صيف العام 1945، حتى أخذت المستعمرات تُلِح على المستعمرين كي يفوا بوعودهم منح الاستقلال لهذه المستعمرات؛ ما دفع حكومة لندن إلى عقد جملة من المعاهدات مع الحكم الأردني (1946- 1948)، وتحوَّلت الإمارة إلى مملكة. ولم يفت الكتوت أن يُتوِّج هذا كله بجدول عن واردات الحكومة الأردنية، ونفقاتها، على مدى عقدٍ من السنين (1934- 1944) عززه برسم بياني عن نسبة الدعم الخارجي لموازنات الدولة، وصولًا إلى نكبة فلسطين، وتهجير شعبها (1948)، وتوزُّع نسبة كبيرة منه على صفتي الأردن، ما ضاعف عدد سكان مدن، وبلدات شرقي فلسطين، الأمر الذي أعطى دفعة ملموسة للاقتصاد الأردني، وبالتالي للحركة الوطنية. ما دفع المؤلف إلى إلقاء ضوء على الأحزاب السياسية الأردنية، السرية منها والعلنية. هنا، واجهت مشاريع الأحلاف الاستعمارية، مقاومة عنيدة، لكن التناغم مع "مشروع أيزنهاور" الاستعماري الأمريكي، أعطى دفعة قوية لثورة المضادة الأردنية، فنجحت في اغتيال ذاك النهوض الوطني.

عرض الفصل الثاني للخطوات التي تدرجت فيها الإدارة الأمريكية، في سبيل الاعتراف بالأردن، بدءًا من "النقطة الرابعة"، وانتهاءً بمشروع أيزنهاور.

عن "الأطماع الصهيونية في المياه العربية"، استعرض المؤلف مشروع ماكدونالد، وخطة بنجر، ومشروع جونستون. ثم كان اقتراح الحكومة الأردنية على الإدارة الأمريكية، المساعدة في تحويل انفرادي لنهر اليرموك (1985). وحين أقدم الكيتن الصهيوني على تحويل مياه نهر الأردن إلى النقب، على الرغم من قرار مجلس الأمن لمنع ذلك التحويل، فإن الاعتداءات الإسرائيلية توالت على الحقوق المائية للأردن. وعن "مشروع أيزنهاور"، وتداعياته على الأردن، فحدِّث ولا حرج.

عن "خصائص الاقتصاد الأردني" جاء الفصل الثالث من الكتاب، مؤكِّدًا على ضعف القطاعات الإنتاجية، مقابل تضحُّم قطاعات الحدمات، والمالية، والتجارية، مع العجز المزمن للميزان التجاري، وتجاوز الاستهلاك الوطني العام، قيمة الناتج المحلي، وزيادة النفقات على الإيرادات، وطغيان القطاع الزراعي، وتركُّزالنشاط في العاصمة، إلى علاقة النمو بالتنمية الشاملة، الاقتصادية، والاجتماعية. وعزَّز المؤلف هذا كله بباقة من الجداول، والرسوم البيانية.

ألقى الكتوت حزمة من الأضواء على "برنامج السنوات الخمس ( 1962- 1967)"، فبرنامج السنوات السبع، الذي حلَّ محل سابقه، إلى نظرة سريعة على السياحة، والخطط الاقتصادية، والميزان التجاري، والمساعدات الخارجية؛ ما جعل السفير الأميركي في عمان يتطفَّل على رسم خطوط الموازنة (1965-1966). إلى "الإيرادات، والنفقات، في ضوء خطة السنوات السبع"، ومنها إلى "التكوين الرأسمالي"، مع تحليل طابع الاقتصاد الريعي في البلاد.

عنيَ الفصل الرابع بالقطاع الزراعي، بدءًا من تبيان أهميته، وأهم مؤشِراته، وأثر السياسات الرسمية على هذا القطاع، إلى مشاريع مياه الري، وتراجع المساحات المزروعة، وأثر خطة السنوات السبع على الزراعة؛ بتقييم نتائج الخطة الاقتصادية، ومعدَّل إنتاجية القطاع الزراعي، وأسباب انخفاض دخل هذا القطاع، وتمويله، وقانون تسوية ديون المزارعين، متوِّجًا المؤلف فصله هذا، بالخلاصة مع عدد كبير من الجداول، والرسوم البيانية الضرورية.

ركَّز الفصل الخامس على القطاع الصناعي: أهميته، وأوضاعه، وأثر برامج التنمية الاقتصادية عليه، مع لمحةٍ عن "مؤسسة الإنماء الصناعي"، وركائز هذا القطاع (ميناء العقبة، ومصفاة البترول، واستثمار بوتاس البحر الميت، والفوسفات، وخطة السنوات السبع لتطوير الصناعة)، مع التوزيع الجغرافي للصناعة، وتحفيز القطاعات الصناعية، ودعمها بالقروض الحكومية، ومساهمة الدولة في الصناعة، وقوانين تشجيع الاستثمار، مع تتبُّع حجم إنتاج الصناعة، والتعدين النسبي (1969- 1970).

خصَّص المؤلف الفصل السادس من كتابه لمعالجة "السياسات المالية"، بدءًا بموازنة الدولة، ثم الحديث عن فلسفة جديدة، مركزًا على موازنة السنة المالية 1949- 1950، منهيًا المؤلف حديثه عن القروض الأمريكية. 

انتقل الكتوت من الافتصادي إلى الاجتماعي، في الفصل السابع، الذي خصَّصه المؤلف للتركيب الاجتماعي للأردن، بادئًا بخصائص المجتمع الأردني، ثم "أثر ميناء العقبة على المجتمع المحلي"، فتوزيع ملكية الأراضي، فبل أن يتناول المؤلف بالعرض والتحليل "كبار ملاكي الأرض، يليهم الفلاحون الأغنياء، فالمتوسطون، وصولًا إلى الفقراء"، مع رصده "تبدلات ملموسة في أعداد الحيازات الزراعية، ومساحاتها". دون أن يترك المؤلف البرجوازية المحلية في حالها، بل ربط معها سياسة الاستعمار الجديد، إلى البرجوازية البروقراطية، فالطبقة العاملة، داعمًا هذا كله بمجموعة منتقاة من الجداول، والرسوم البيانية، قبل انتقاله للحديث عن "الصور النضالية للطبقة العاملة"، فتأسيس النقابات العمالية في الأردن، وأول قانون عمل. وخيرًا فعل المؤلف حين أرفق بكتابه مجموعة ضرورية من الملاحق، بعد أن اعتمد على مراجع، ومصادر من الدرجة الأولى، وبعضها نشرات سرية للحزب الشيوعي الأردني، والمؤلف أحد قياداته المخضرمة.

***

نحن أمام كتاب بالغ الأهمية، في موضوع ظل في منأى عن الباحثين، إلا إذا كان من باب التقديس، وتجميل السلبيات، ما جعل الكتوت نفسه يسميها، في مقدمته "بعض الإسهامات المهمة، إلا أن بعضها ينحصر في فترات زمنية، أو يعالج قطاعات محدَّدة، كما يغلب على معظمها الموقف الرسمي التبريري للسياسات الافتصادية، والاجتماعية السائدة في البلاد، والذي لا يساعد في الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء التشوُّهات الهيكلية، التي تعتري الاقتصاد الوطني" (ص 6).

هذا كتاب مهم لكل من يريد الاطلاع على مجريات الأمور في المملكة الأردنية الهاشمية، عبر نحو نصف قرن من عمرها. لقد كان يُمكن للمؤلف أن يُكمل جميله، فيعود إلى العقود الثلاثة السابقة على العام 1950، أي منذ تأسيس أمارة شرق الأردن، فتلك الحقبة تختلف، كمًا وكيفًا، عن الحقبة التي أعقبتها (1950- 1967). ولو كان المؤلف فعلها لاكتمل البدر. من جهة أُخرى، ربما كان الأمر يتطلب تأثير التطورات الاقتصادية والاجتماعية، على المجال السياسي، في خطوط عريضة، وبلا تفاصيل، ولا شكَّ في أن القراء يتعطَّشون للجزء الثاني من هذه الكتاب القيِّم.

التعليقات (0)