قضايا وآراء

سكة حديد بغداد والحجاز بين الماضي والحاضر

أشرف دوابه
1300x600
1300x600
كشف وزير النقل العراقي ناصر بندر عن الشروع بإصلاح ومد خط سكة حديد بغداد بمدينة الموصل، مركز محافظة نينوى (شمال)، وصولا إلى تركيا. وسوف يتم إحياء المشروع من خلال طواقم هندسية والفنية، بالتعاون مع شركات إعمار هندسية تركية.

ويأتي إحياء هذا المشروع تدعيما للتبادل التجاري بين البلدين، لا سيما وأن التجارة البينية بينهما بلغت نحو 17 مليار دولار، ويخطط البلدان لرفعها إلى 20 مليارا، حيث تحولت تركيا إلى مصدر رئيس للسلع الواردة إلى العراق، لأسباب مرتبطة بالقرب الجغرافي، وهو ما يعني كلفة نقل أقل، وتنافسية أكبر للسلع التركية مع سلع أخرى أجنبية.

وفي اتجاه آخر، بحث مسؤولون إسرائيليون وأوروبيون، إمكانية إقامة خط سكة حديد سموه "مشروع سكة حديد السلام" لربط البحر المتوسط مع دول الخليج العربي عبر الكيان الصهيوني كجسر بري، والأردن كمحور نقل إقليمي، حيث يمتد من ميناء حيفا، إلى خط سكة الحديد بالأردن، ومنه إلى السعودية ودول الخليج الأخرى. وذكروا الهدف من هذا المشروع ممثلا في خلق طريق تجاري أقصر وأسرع وأرخص، وأكثر أمانا، بين الشرق والغرب، ويمثل دعما لاقتصاديات تلك الدول.

وفي حديث للوزير الصهيوني يسرائيل كاتس عن المشروع صرح بأنه سيجعل دولة الكيان الصهيوني بوابة البحر المتوسط للإمارات، إضافة إلى أن الاتفاق بأكمله سيكون أساسا لتحديث كبير جدا للاقتصاد الإسرائيلي.

ويكشف هذا التوجه لتفعيل السكك الحديدية كوسيلة للربط بين دول المنطقة أهمية هذه المشاريع، وإن كان المشروع الأول له ما يبرره لبلدين مسلمين في ظل وجود خط السكة الحديد بين تركيا والعراق والذي يرجع الفضل فيه للسلطان عبد الحميد الثاني، أما المشروع الثاني فهو مشروع لمزيد من تقنين سلطة المغتصب القاتل المحتل حتى لو بيض يده بفعل دول عربية، تنقذ اقتصاده من السقوط ومن انعزاله بمزيد من التوغل والتمدد، فضلا عن آثار هذا المشروع القاتل لقناة السويس حتى يصبح ردمها أفضل حالا من وجودها، لا سيما في ظل الخطوط البحرية التي تم إقرارها بين المطبعين من دول الخليج والكيان الصهيوني.

بل والأخطر كذلك استخدام خط حديد الحجاز في تنفيذ المشروع والذي يرجع الفضل في وجوده أيضا للسلطان عبد الحميد الثاني، وكان احتلال الصهاينة لفلسطين سببا لانهياره. ففي العام ١٩١٦م وبدعم من بريطانيا وعميلها "لورانس"، ثار بعض العرب ضد الدولة العثمانية، وشنوا هجمات ضد جنودها لا سيما على خط حديد الحجاز، ولم يسلم الخط نفسه من تخريبهم. ثم تقطعت أوصال هذا الخط مع اتفاقية سايكس بيكو، وتقسيمها المشؤوم، واحتلال الصهاينة لفلسطين.

إن المسلمين جميعا يجب أن يتذكروا قيمة ومكانة هذا الخط الحديدي الذي كان يربط الشام بالمدينة المنورة، وأنشئ حينها من تبرعات المسلمين في كافة أنحاء العالم، وكان أول متبرع فيه هو السلطان عبد الحميد نفسه بمبلغ 50 ألف ليرة عثمانية، ووصلت حجم تبرعاته خلال الفترة ما بين عامي 1900- 1908م إلى نحو مليون ليرة عثمانية. وقد حرص السلطان عبد الحميد على إنشاء هذا الخط بغرض تسهيل وصول الحجاج للديار المقدسة لتحقيق فكرة الجامعة الإسلامية التي تبناها، والمساهمة في توحيد أراضي الدولة العثمانية وتعزيز سلطة الدولة وجوانبها الدفاعية والعسكرية.

ومما يذكر للسلطان عبد الحميد أنه رغم صعوبة الطقس والتضاريس وقلة الماء وتفشى الأمراض وغارات القبائل البدوية، تم إنجاز الخط بسرعة غير متوقعة, فقد تم البدء في إنشائه في ٢ أيار/ مايو ١٩٠٠م من دمشق ووصل المدينة المنورة، وتم تشغيله في ١ أيلول/ سبتمبر ١٩٠٨م، بإجمالي طول ١٤٦٤ كم. وقد كان الخط يحظى بميزانية خاصة ومستقلة عن ميزانية الحكومة باعتباره وقفا إسلاميا تديره لجنة عليا خاصة من العاصمة إسطنبول، ثم انتقل لإدارة الأوقاف.

أما خط سكة حديد بغداد فقد جاء كجناح آسيوي امتدادا لجناحها الأوروبي ممثلا في سكة حديد برلين الذي أنشئ في صيف ١٨٨٨م وامتد في شبه جزيرة البلقان، والذي تم بجهود ألمانية تطلعت إلى إتمام هذا المشروع ليصل إلى خليج البصرة، ولكن كان المهندس الفعلي للمشروع هو السلطان عبد الحميد كما في مشروع الحجاز.

ورغم بدء العمل في المشروع في العام ١٩٠٣م، إلا أن الإنجاز فيه كان بطيئا إلى موعد النهاية (1908)، نتيجة للصعوبات المالية والميدانية وعرقلة الدول الكبرى له، حيث لم ينل المشروع حظه ليصل إلى منتهاه وليكون خطا دوليا للتجارة في ظل سايكس بيكو، لا سيما وأن هذا الخط كان سيربط أوروبا بالهند موفرا أكثر من ثلاثة أيام - أي ما يقرب من ثلث المدة - وهو بذلك جاء مكملا لخط الحجاز. ولكن أصرت الدول الاستعمارية على الحيلولة - في الخطين - دون وحدة الأمة وتطور اقتصادها.

ولم يتوقف طموح السلطان عبد الحميد عند ذلك، بل كان يسعى لربط خط بغداد بخط الحجاز، ولكن أبت اليد الاستعمارية استكمال مشروعه الحضاري والوحدوي الإسلامي.

وما زالت هذه الدول الغربية حتى يومنا هذا تتكاتف لقطع أوصال العالم الإسلامي، وزرع بذور الفتنة بين أجزائه، من خلال السعي لتمدد السرطان الخبيث ممثلا في الكيان الصهيوني، ليتوغل من خلال وسائل النقل داخل الدول الإسلامية، فهل ستتدخل تركيا للمطالبة بحقوقها في خط الحجاز لمنع هذا الانتشار الصهيوعربي.. هذا ما قد تكشف عنه الأيام القادمة؟

twitter.com/drdawaba
التعليقات (0)