هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشف كبير المحللين السابق في وزارة الدفاع الأمريكية، الدكتور محمد كمال الصاوي، أن إسرائيل ساهمت في إجهاض أكثر من محاولة للانقلاب، أو التمرد على رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال السنوات الماضية.
وأشار، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن "الإسرائيليين قدّموا العديد من النصائح والمعلومات والتوجيهات الاستخباراتية لحماية السيسي من أية مؤامرات تُحاك ضده؛ فهم يعتبرونه كنزا استراتيجيا أكثر أهمية من الرئيس المخلوع حسني مبارك".
ولفت الصاوي إلى أن "جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد)، قام بتزويد السيسي بمعلومات حساسة حول محاولات الانقلاب أو التمرد، خاصة أن الموساد لديه اختراقات كثيرة للأمن القومي المصري، ويجنّد بعض الضباط في الجيش المصري، ويمتلك أحدث وسائل التنصت والتتبع والمراقبة والرصد والتحليل"، وفق قوله.
اقرأ أيضا: لماذا يستنجد السيسي بـ"شعب أبي طالب" أمام المصريين؟
وشدّد كبير المحللين السابق في "البنتاغون" على أن "تل أبيب يهمها كثيرا استمرار وبقاء الأنظمة التي تصفها بالصديقة والوفيّة، وتسعى جاهدة للحفاظ على أمنها أكثر من سعي تلك الأنظمة لحماية نفسها".
يذكر أن الدكتور محمد كمال الصاوي عمل ككبير للمحللين السياسيين والأمنيين في وزارة الدفاع الأمريكية حتى أُحيل للتقاعد عام 2005 بسبب ظروفه الصحية، وهو أستاذ مشارك في كلية الشفرة الأمريكية بـ "البنتاغون"، وأستاذ سابق للعلاقات الدولية بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، وشارك في العمل بـ "البنتاغون" منذ إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب وحتى إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الأولى.
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما هو الدور الذي شاركت فيه بثورة 25 يناير 2011 وما بعدها؟
منذ 2005 اجتمع عدد من المصريين في الساحل الشرقي للولايات المتحدة بولاية فرجينيا، وأسّسوا جمعية "التحالف المصري الأمريكي"، وتم تسجيلها في العاصمة واشنطن مع وجود فروع لها، ثم شُكّلت عدة وفود إلى القاهرة للاتصال بالأحزاب السياسية، وكذا الاتصال بالإدارة المصرية، وذلك في محاولة لبناء جسور تواصل مع المؤسسات السياسية المصرية وجمعيات التنمية.
حيث أجرت هذه الجمعية عدة لقاءات مع الأحزاب السياسية، واجتمعت مع عدد الشخصيات الوطنية العامة مثل د. يحيى الجمل، ود. أسامة الغزالي حرب، ود. أيمن نور، ود. رفعت السعيد، وجورج إسحاق، وأمين إسكندر، وعادل حسين، ومجدي حسين، والقيادي بالحزب الوطني د. علي الدين هلال، وقبيل الثورة مباشرة اجتمعنا مع الجمعية الوطنية للتغيير بقيادة د. محمد البرادعي.
لاحقا، أنشأت الجمعية فرعا لها في القاهرة بقيادة المرحوم القبطان معين مختار، كما عقدت عدة مؤتمرات سنوية في كل من نيويورك وكونيتيكت وواشنطن العاصمة وميريلاند، ودُعيت إليها وفود من السياسيين المصريين، من حركة كفاية، وحزب الوفد، وحركة 6 إبريل، وجماعة الإخوان، وعقدنا أبرز مؤتمر لنا في حرم جامعة نيويورك سيتي خلال أيلول/ سبتمبر 2010 بعنوان "مستقبل الديمقراطية في ضوء الانتخابات البرلمانية"، وأوصى المؤتمر بتشجيع القوى الوطنية المصرية باختيار مرشح واحد للرئاسة، وهو د. البرادعي لمنافسة مرشح الحزب الوطني الحاكم آنذاك.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2010 شكّل هذا التحالف وفدا من 20 عضوا لزيارة القاهرة لإجراء الاتصالات المبدئية من أجل الإعداد للانتخابات الرئاسية، للتوحد خلف مرشح للمعارضة في انتخابات الرئاسة في أيلول/ سبتمبر 2011.
وفي 10 كانون الثاني/ يناير 2011 غادر وفد الجمعية القاهرة بعد تشكيل لجنة برئاسة القبطان معين مختار، وعضوية محسن خالد ومحمود الشاذلي وصبري الباجي لتسهيل عملية لقاء مرشد الإخوان، الدكتور محمد بديع، مع الدكتور البرادعي للتنسيق بشان انتخابات الرئاسة.
وانفجرت ثورة يناير، فشكّلنا لجنة لمتابعة الأحداث في واشنطن، وأجرينا اتصالات مع لجنة القاهرة للحصول على المعلومات، وتنسيق الجهود بين المصريين في القاهرة وواشنطن، وأرسلت بعض المساعدات المالية للجنة لكي تساهم في دعم المتظاهرين من طعام وشراب أيام الثورة، كما نظمنا أكثر من 10 مظاهرات أمام البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، كما أرسلنا وفدا للقاء مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي بالبيت الأبيض، للضغط على المسؤولين عن شؤون مصر بمجلس الأمن القومي الأمريكي للاتصال بالجيش المصري، لعدم استخدام العنف أو القوة ضد المتظاهرين، وخصوصا بعدما حلقت طائرات تابعة لسلاح الجو المصري لإرهاب المتظاهرين المناهضين لحكم مبارك.
كما نصحنا الجمعية الوطنية للتغيير بقيادة د. البرادعي بمنع سيطرة المجلس العسكري على عملية التحول الديمقراطي، وتشكيل مجلس رئاسي من 7 أفراد تُمثل فيه القوى الأمنية والعسكرية بصوت واحد لكل منهما، على أن تكون الأغلبية مدنية وبرئاسة شخصية مدنية، وحذرنا من خطورة ترك الميدان بدون تشكيل هذا المجلس، ثم تابعنا أحداث الثورة حتى انقلاب 30 حزيران/ يونيو 2013.
وما تقييمك لأداء القوى الوطنية التي دعت حينها للمشاركة في ثورة يناير 2011؟
هذه القوى لم تكن ثورية، ومن المبالغ فيه وصفها بالقوى السياسية، لأن هناك قوتين رئيستين؛ الأولى الدولة، وعلى قمتها العسكر، والثانية الإسلام السياسي، وعلى قمته جماعة الإخوان. أما الآخرون، فيمكن اعتبارهم تيارات لا وزن أو تأثير ملموس لها في معادلة القوة.
كما أنه يمكن وصف أحداث الثورة بأنها نوع من أنواع الاعتراض على انتهاكات الشرطة المصرية، وقد انتهز المجلس العسكري هذه الأحداث وشجّعها وتركها تكبر لاستخدامها في إفساد سيناريو التوريث لجمال مبارك، كما ظهر المجلس العسكري كحامي الشعب للتشويش على مطالب المتظاهرين التي تحولت لأهداف ثورية، وهكذا قام المجلس العسكري بالانقلاب الأول على حكم مبارك وسيناريو التوريث، ثم أظهر الضعف التكتيكي أمام الإخوان الذين اُستخدموا لشق صفوف المظاهرات الثورية التي كانت تطالب بإسقاط النظام بأكمله، تمهيدا للانقلاب العسكري الثاني في 3 تموز/ يوليو 2013 بمساعدة المدنيين الغاضبين من حكم جماعة الإخوان.
وما حقيقة موقف إدارة باراك أوباما من انقلاب صيف 2013؟
دعنا نعترف أن إدارة أوباما فوجئت بأحداث 25 يناير 2011، وكان عليها ضغوط كثيرة من حلفائها بدول الخليج بعدم التخلي عن الرئيس مبارك، مما تسبب في انقسام داخل البيت الأبيض بين نائب الرئيس آنذاك، جو بايدن، ووزير الخارجية، هيلاري كلينتون، من جانب، وشباب إدارة أوباما، وعلى رأسهم أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الحالي، من جانب آخر؛ فجانب بايدن وكلينتون دعا للحفاظ على مبارك، بينما طالب الجانب الآخر من شباب الأعضاء بالمجلس القومي الأمريكي بضرورة مساندة المتظاهرين والتخلي عن مبارك.
ووافق أوباما على الدفع بحسني مبارك خارج السلطة، وعدم الممانعة حال فوز الإسلاميين بالانتخابات بعدما تعهّدوا بالحفاظ على المصالح الأمريكية والإسرائيلية، كما أن هذا الموقف الأمريكي ارتكز أيضا على نصيحة رئيس وزراء تركيا آنذاك، رجب أردوغان، الذي ألحّ كثيرا على الإدارة الأمريكية بالانفتاح على الإسلام المعتدل الذي كان يمثله الإخوان من أجل محاصرة والقضاء على "الإسلام الراديكالي" الذي يمثله القاعدة، وداعش، والسلفية الجهادية.
وهنا أشير إلى أنه إبان ثورة يناير 2011، اتفق رئيس الأركان حينها، الفريق سامي عنان، مع الولايات المتحدة على خطة بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وكان من المتوقع أن تفوز قوى الإسلام السياسي، بقيادة الإخوان، بالبرلمان، على أن يكون منصب الرئاسة لأحد أعضاء المجلس العسكري لمراقبة مدى التزام جماعة الإخوان بتعهداتهم مع الإدارة الأمريكية، وفي حال عدم التزامهم سيحدث انقلاب عليهم، وهو ما حدث بالفعل في 3 تموز/ يوليو 2013.
ما مدي تأثير الدور الأمريكي على صانع القرار بالمؤسسة العسكرية في مصر؟
منذ توقيع اتفاقية السلام "كامب ديفيد"، وتشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، هناك علاقة عضوية بين هذا المجلس والبنتاغون، وقد صُممت المعونة العسكرية في مصر لإنشاء قواعد جوية وبحرية، ونظم تسليح مصرية، لكي تكون على غرار النُظم الأمريكية فيما يتعلق بالرادار والاتصالات واللوجستيات العسكرية، وبهذا يكون هناك استخدام مزدوج للجيشين المصري والأمريكي لهذه التسهيلات.
ويمثل الجيش المصري في الاستراتيجية الكونية الحربية للولايات المتحدة فرقتين رديفتين (احتياطيتين) تحت إمرة القيادة الوسطى، لهذا ف‘ن السياسة المصرية بكاملها رهينة للسياسة الأمريكية.
ما مدى علاقة البنتاغون بالجيش المصري، مقارنة بالبيت الأبيض والخارجية الأمريكية؟
العلاقة بين الجيش المصري والبنتاغون علاقة عضوية كما ذكرت، ويؤدي البنتاغون الدور الرئيسي في صناعة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه مصر، والبنتاغون يؤثر على البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الخارجية.
برأيك، كيف يستغل المعارضون المصريون في الداخل والخارج ما يُقال حول وجود خلاف بين الإدارة الأمريكية والنظام العسكري في مصر؟
ينبغي على المعارضة المصرية أن تعلم أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة في العالم التي تستطيع تعطيل ما لا تريده أن يحدث في العالم، وبذلك على المعارضة أن تتخلى عن الطفولة اليسارية التي كانت سائدة في أثناء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وأن تتخلى عن الهجوم الأوتوماتيكي على الإمبريالية الأمريكية، ومحاولة العثور على قواسم مشتركة في مصلحة بلادها والقطب الأوحد في العالم، وذلك كي لا تقف الولايات المتحدة كحجر عثرة أمام التغيير الذي تنشده المعارضة في مصر، كذلك ينبغي على المعارضة أن تعمل من أجل دعم التحول الديمقراطي في مصر إذا كان التغيير ممكنا ولا يتعارض مع مصالح الغير.
ما تقييمك لسياسات مكافحة الإرهاب التي يتبناها النظام المصري؟ وما مدى رضا الإدارة الأمريكية عنها؟
الولايات المتحدة هي مَن خلقت "الإرهاب الإسلامي الحديث"، ولقد وقعت التيارات الإسلامية في المخطط الذي قام به زبغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي للرئيس الأسبق جيمي كارتر، الذي استخدم هذه التيارات في لعبة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان.
ولقد تورطت مصر والسعودية في تسليح وتدريب وتمويل عمليات الإرهاب في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي فيما سمتهم بالمجاهدين، وقد عادت الدجاجة بعد أن تدربت لتضع بيضتها الفاسدة في البلاد التي راعتها.
الحقيقة أن مَن صنع الإرهاب في مصر، وخاصة في سيناء، هي السياسات الخرقاء التي اتبعها المجلس العسكري وقام بتنفيذها رئيس وأعضاء المخابرات الحربية في سيناء، ثم استغلها بعد ذلك المجلس العسكري لكي لا ينتفض الشعب عليها، بعد تنفيذ انقلاب على إرادة الشعب التي جاءت بالإخوان المسلمين لسدة الحكم ولفرض حالة الطوارئ على الشعب المصري، ساعدوه في ذلك لجوء الجماعات الدينية للعنف.
وأمريكا تدعم أي جهد يكافح الإرهاب، وخاصة في سيناء؛ نظرا لوجود قوات أمريكية في قاعدة بسيناء ضمن قوات مشتركة لمراقبة تنفيذ اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، وقد تدخلت قوات من الجيش المصري ضد العناصر المسلحة التي كانت تشن هجمات على إسرائيل، لمنعها من الاستمرار في هذه العمليات، ونشبت مواجهات بين قوات الجيش وهذه العناصر، أدت إلى تأليب العناصر البدوية في سيناء ضد الحكومة المصرية واتساع قاعدة الاشتباكات، وهو ما تسميه الحكومة المصرية بـ "الحركات الإرهابية"، وتفاقمت الأوضاع في سيناء بعدما تزايدت عمليات القصف بالطائرات، مما أدى إلى إخلاء شمال سيناء من السكان المدنيين.
بينما الحكومة المصرية تستغل هذه الحوادث التي تسميها بالإرهاب لكي تتجاوز اتهامها بالمخالفات الصريحة لحقوق الإنسان، وفرض إجراءات الطوارئ بدون مبرر سوى الادعاء بوجود "إرهاب"، كما قامت الحكومة المصرية بسياسية تعسفية ضد كثير من المعارضين، وسدت كل منافذ التغيير السلمي وصادرت الكثير من الحقوق السياسية بزعم مكافحة الإرهاب، وهذه نقطة خلافية بين الإدارة الأمريكية والنظام المصري.
وكيف تنظر لعلاقة السيسي بإسرائيل؟
السيسي ملتزم باتفاقية كامب ديفيد والصلح مع تل أبيب، وهو يعتبر إسرائيل حليفا استراتيجيا يحميه من الضغوط الأمريكية، طالما أن العلاقات مع تل أبيب ساخنة ووصلت مستويات غير مسبوقة؛ فقد قام الإسرائيليون بزيارات علنية وسرية إلى مصر، والسيسي فعل ذلك أيضا حيث عقد اجتماعات سرية مع الإسرائيليين؛ سواء في شرم الشيخ أو داخل إسرائيل نفسها، كما كان يفعل مبارك الذي يستقل طائرة هليكوبتر في رحلة لا تتجاوز الدقائق للالتقاء بالمسؤولين الإسرائيليين على مائدة الغداء أو العشاء في إيلات أو النقب، أو حتى في تل أبيب.
وما أعلمه أن الإسرائيليين قدّموا العديد من النصائح والمعلومات والتوجيهات الاستخباراتية لحماية السيسي من أية مؤامرات تُحاك ضده، وساهموا في إجهاض أكثر من محاولة انقلاب أو تمرد عليه؛ فهم يعتبرونه كنزا استراتيجيا أكثر أهمية من حسني مبارك ذاته، وهو يتبادل معهم معلومات مهمة عن أوضاع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ويحاول أن يؤدي دور الوسيط بينهما.
ولقد قام جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي "الموساد" بتزويد السيسي بمعلومات حساسة حول محاولات الانقلاب أو التمرد التي حدثت خلال الأعوام الماضية، خاصة أن الموساد لديه اختراقات كثيرة للأمن القومي المصري، ويجنّد بعض الضباط في الجيش المصري، ويمتلك أحدث وسائل التنصت والتتبع والمراقبة والرصد والتحليل، والمؤسسة العسكرية تدرك ذلك جيدا ولا يمكنها التصدي لذلك إن أرادت؛ فهذا بات أمرا واقعا يصعب تجاهله أو مواجهته في ظل المنظومة الحاكمة بمصر الآن، وتل أبيب يهمها كثيرا استمرار وبقاء الأنظمة التي تصفها بالصديقة والوفيّة، وتسعى جاهدة للحفاظ على أمنها أكثر من سعي تلك الأنظمة لحماية نفسها.
لكن ماذا عن انحياز السيسي على ما يبدو للجانب الروسي في الحرب الأوكرانية.. ألا يُغضب هذا الأمر أمريكا؟
السيسي يحاول الظهور بمظهر السياسي المستقل عن الولايات المتحدة وسياساتها؛ ذرا للرماد في عيون الرأي العام المصري الذي يتميز بالعداء الشديد لأمريكا، يحاول أن يعطي انطباعا بأنه يُنوع في التسليح، ويعامل الروس بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع الأمريكان، حفاظا على مظهر الاستقلال الوطني، وهذه ليست حقيقة على الإطلاق، ولكنها مجرد مظاهر، كما بدا فيه السعي لإتمام صفقة السوخوي-35 الروسية، وأيضا ظهر في مسألة إعطائه مقاتلات "ميغ-29" والسوخوي المصرية للقوات الجوية الأوكرانية لإعادة بنائها، وفي مقابل ذلك، حصول الجيش المصري على 20 طائرة "إف 15" كانت مصر تسعى جاهدة للحصول عليها منذ 18 عاما، وكانت الولايات المتحدة أعطتها لإسرائيل والسعودية والإمارات. الحقيقة أن السيسي يعتمد اعتمادا كاملا على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة مثل السعودية والإمارات والكويت.
يردد بعض المعارضين بأن السيسي سيكون آخر حاكم عسكري.. ما مدى دقة ذلك برأيكم؟
هذه أماني المعارضة الوطنية، لكنها بعيدة المنال للأسف؛ فلم يتمكن المدنيون من توحيد صفوفهم وإنشاء جبهة مدنية قوية، تطالب القوات المسلحة المصرية بالعودة إلى ثكناتها، وإطلاق الحريات العامة، وكف يد الجيش عن التدخل في السياسة والاقتصاد.
هل واشنطن يمكن أن تمارس دورا إيجابيا في إحداث تحول ديمقراطي في مصر؟
نعم، إذا بلورت المعارضة المصرية بديلا مدنيا يجمع كل الفرقاء الوطنيين في ظل دولة أو تصور لدولة تقوم على إدارة التنوع السياسي والاجتماعي والديني والثقافي في مصر، وأن يُفصل الدين عن السياسة والحكم، حينها تستطيع الولايات المتحدة أن تكون عنصرا إيجابيا في عملية التحول السياسي في مصر، خاصة إذا ما توفرت بدائل سياسية تحافظ على المصالح المشتركة بين البلدين، وتُقلل من حالة صرع العداء مع الولايات المتحدة بسبب وبدون سبب.
ما هي السيناريوهات لأحداث تغيير في مصر؟
مصر في حاجة لثورة ثقافية قبل أن يتحقق أي تغيير ذي بال من الناحية الاقتصادية والسياسية؛ فمازالت الثقافة السائدة والغالبة تعود للقرون الوسطى، بالرغم من استخدام الشعب المصري للمنجزات التكنولوجية، والحقيقة أن العزلة الثقافية وكثير من العادات والتقاليد المعوقة للتقدم تشكل حاجزا بين مصر والتغيير المنشود.
والظواهر التي يمكن رصدها الآن، تشير إلى حالة من الإجهاد والتعب بعد خيبة الأمل التي ترتبت على انهزام فكرة التغيير التي اطلقتها هبة 25 يناير 2011، وفي ظل القمع غير المعروف في تاريخ مصر المعاصر، إلا ربما فترة الديكتاتور رئيس وزراء إسماعيل صدقي في الفترة الملكية.
كما أن اضطراب الأحوال الاقتصادية نتيجة السياسات المالية والاقتصادية التي قام بها السيسي، لا ينبئ بإمكانية حدوث ثورة شعبية الآن، بالرغم من توفر كل العوامل لذلك، والغالب أن ما سيحدث هو انهيار اقتصادي سيؤدي إلى حدوث فوضى شعبية شاملة، وهو ما لن يُحمد عقباه بسبب سيطرة العسكريين على مقدرات الحياة في وادي النيل، بما ذلك السودان.
هل تؤدي دورا اليوم في مساعدة المصريين بالخارج الداعين للديمقراطية؟
عدد المصريين في الخارج حاليا يتجاوز -وفق بعض التقديرات- 15 مليون مهاجر، معظمهم من الخبرات العظيمة في جميع المجالات، ويشغل بعضهم مناصب ووظائف مهمة في بعض البلاد التي هاجروا إليها، ولديهم إحساس بخدمة الوطن الأم مصر. الواقع أن الحكومة المصرية تستخدم بعضا ممن لديهم حبٌّ للشهرة بعقد مؤتمرات لإعلان التأييد والمبايعة للحكومة المصرية؛ فالدولة والحكومة تستخدمهم مقابل إعطاء بعض الامتيازات وقطع من الأراضي بأسعار زهيدة.
غير أن هناك مجموعة أخرى من المصريين الذين يريدون رد الجميل لمصر دون الحصول على أي امتيازات أو مكاسب، وهؤلاء يحاولون التجمع الآن في شكل منظمة وطنية على مستوى الولايات المتحدة لحشد الطاقات والموارد المصرية في أمريكا الشمالية، والانغماس في المشاركة العملية السياسية الأمريكية لتعظيم دور المصريين في السياسة الأمريكية، ومحاولة توجيه السياسية الخارجية الأمريكية للمساعدة على تحقيق الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونشر ثقافة حقوق الإنسان.
كما أشارك عددا من المصريين المُقيمين في الولايات المتحدة لصياغة أفكار مشتركة كنواة لمؤسسي الدولة الحديثة في مصر، حيث ندرس الآن تأسيس كيان جامع لخمس كتل مصرية لحشد الموارد والخبرات المصرية، ونشر الوعي بخصائص هذه الدولة، كما يجب أن نقوم بالتغيرات المطلوبة للاندماج في النظام العالمي الجديد للخروج من مأزق الدولة العسكرية القائمة أو الدولة الدينية.