هل صحيح أننا نحن
العرب اشتهرنا بأننا لا نعتبر وقديما قال الإمام
علي كرم الله وجهه "ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار!"
هذا السؤال أجاب عليه المفكر الأمريكي المسلم من أصول هندية فريد
زكريا بكتاب دسم عنوانه (الإستثناء العربي) صدر قبل ما يسمى الربيع العربي عام
2007 وأصبح الكتاب محور الندوات في مراكز البحث والجامعات على مدى سنوات.
وللإيجاز ألخصه في فكرة عامة تناولها الكاتب بالتحليل العميق وهي أنه
بينما يسير العالم كله نحو المزيد من الحريات والحقوق وتوظيف الدولة من أجل إسعاد
البشر ونشر الخير وتوزيع ثروات البلاد بالعدل يسير العالم العربي في الإتجاه
المعاكس، أي تتصلب في أغلب شعوبه الدكتاتوريات وتستبد الدولة خارج القانون بحريات
الناس و تصادر حقوقهم؟
وفي نفس الموضوع أصدر المفكر الأمريكي من أصول يابانية (فرنسيس
فوكوياما) في نفس العام 2007 كتابه المثير للجدل بعنوان (نهاية التاريخ) أعلن فيه
قبل الأوان انضمام كل أمم العالم إلى المعسكر الليبرالي وحرية السوق وعولمة
الأفكار والثقافات، وطبعا أشار في كتابه إلى أن المسلمين تخلفوا عن هذا الركب!
ويعلم القراء الكرام أننا كعرب ومسلمين نمر بمرحلة من أدق وأخطر
مراحل وجودنا عام 2024 لأن الأمم تتداعى كما قال الرسول المصطفى صلى الله عليه
وسلم منذ 15 قرنا في حجة الوداع على قصعتنا لتنهش ما تبقى من لحمنا.. وكما نعلم من
كتب السيرة سأله الصحابة "هل من قلة نحن يا رسول الله؟" فأجاب صلى الله
عليه وسلم: "بل نحن كثر وإنما غثاء كغثاء السيل"!
هذه نبوءة من نبي كريم استشرف مصير أمته فنبه العقول ولكن لا جواب.
وكما كتب ناصر السيد النور فإن الديمقراطية بشكلها الغربي توصلت إلى أزمة تواجهها
في مسارها التكراري وقصورها في الاستجابة لتطلعات الطبقات الدنيا التي لا توصلها
العلميات الديمقراطية (أي الانتخابات) سوى إلى حملات ممولة ولوبيات لها أجندتها
وهيمنة الأغلبية في القرار كما حذر منها (توكفيل) في كتابه (الديمقراطية الأمريكية).
فمن موجة الدمقرطة Democratization التي اجتاحت العالم في نهايات القرن
الماضي إلى أزمة الديمقراطية الأخلاقية لدى (نيغل بيغر) إلى أنقاض الليبرالية
الجديدة وصعود السياسات المضادة للديمقراطية لـ (وندي براون) وجميعها تكشف نظرياً
عن التحديات التي تواجه الديمقراطية في منابعها (الغرب) أمام موجة الشعبوية وتصاعد
اليمين المتطرف مما يضع الديمقراطية أمام خطر داهم.
متفائل بمواقف بعض الزعماء المسلمين حين قرأت بيان الزيارة التي أداها المصلح الكبير مهاتير محمد رئيس ماليزيا إلى تركيا واتفاقه مع رجب طيب أردوغان على مشروع نهضة الأمة الإسلامية من جديد باستقلال قرار دولها وسيادتها على ثرواتها.. والتحق كما سمعنا بمشروع هذه النهضة المأمولة عمران خان رئيس وزراء باكستان والقيادة القطرية لتكون النواة الأولى لمشروع حضاري شامل وعميق.
فنحن مثلا نواجه في غزة جريمة إبادة جماعية لشعب أعزل جريمة كاملة
الأركان ترتكب أمام كاميرات القنوات و يشاهدها 7 مليارات من البشر من بينهم مليار
و800 مليون مسلم!
والذي يحدث ما هو في الحقيقة سوى استمرار لعمليات تقاسم تركة نفس
الرجل المريض المحتضر مثلما تقاسمتها الإمبراطوريتان الاستعماريتان فرنسا
وبريطانيا عام 1916 باتفاقية "سايكس بيكو" الشهيرة، ثم تتقاسمنا اليوم
بعد قرن إمبراطوريات أخرى لحساب إسرائيل التي تحتل أرضنا بالرغم من إدانة الأمم
المتحدة لممارساتها الخارجة عن القانون والحق.. وهذا الأسبوع بلغ عدد شهدائنا من
المدنيين والأطفال والنساء والطاعنين في السن حوالي 30 ألف مع قصف أعمى للمساجد والمشافي
ومراكز الإيواء وقتل المحتلون 110 صحفيا و170 إطارا طبيا و200 موظفا أمميا تابعين
لوكالة الغوث أمام صمت عالمي مريب!
الغريب أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين أعلنوا يوم السبت الماضي قطع
مساهماتهم في تمويل وكالة الغوث لمزيد التنكيل بالشعب الفلسطيني! فعصرنا ليس عصر
قوة الحق بل هو عصر حق القوة.. لكنني متفائل بمواقف بعض الزعماء المسلمين حين قرأت
بيان الزيارة التي أداها المصلح الكبير مهاتير محمد رئيس ماليزيا إلى تركيا
واتفاقه مع رجب طيب أردوغان على مشروع نهضة الأمة الإسلامية من جديد باستقلال قرار
دولها وسيادتها على ثرواتها.. والتحق كما سمعنا بمشروع هذه النهضة المأمولة عمران
خان رئيس وزراء باكستان والقيادة القطرية لتكون النواة الأولى لمشروع حضاري شامل
وعميق.
وأعتقد أن زعماء عربا يتمسكون بحقوق شعوبهم في التنمية والحرية
سيعززون مواقف هؤلاء الرواد، كما أن أعداء الحرية يعاقبون تركيا ويهددون ماليزيا
بل يخيفون أيضا رئيسة سنغافورة السيدة حليمة يعقوب المسلمة المحجبة.. ويمارس محور
الشر العنصرية المقيتة ضد أربع عضوات في الكونغرس الأمريكي من أصول مسلمة لا ذنب
لهن سوى الانحياز للحقوق الشرعية للشعوب المستضعفة في زمن عز فيه السند للحق وكثر
السند للباطل.
وليس بجديد على أمتنا المآسي والأهوال التي تشيب منها الوِلدان، فمن
مآسيه وقصصه التي تقطر دماً، وهي من عبره أيضا ما ذكره المؤرخون عندما اجتاح
التتار بلاد العرب ودمروا عاصمة الخلافة العباسية بغداد الزاهرة عاصمة العلوم
والحضارة، فيوم دخلها هولاكو أمر جنوده بقتل العلماء والتجار والقضاة "أي
اغتيال العلوم والاقتصاد والعدل كرموز للإسلام"، وقال لجنوده "أبقوا
المستعصم حياً حتى يدلنا على مكان كنوزه"، ودلّهم المستعصم على مخابئ الذهب
والفضة والنفائس وكل المقتنيات الثمينة داخل وخارج قصوره، ومنها ما كان يستحيل أن
يصل إليه المغول بدونه، حتى إنه أرشدهم إلى نهر مطمور من الذهب المتجمد لا يعلم
أحد بمكانه، فقال هولاكو للخليفة المستعصم: "لو كنت أعطيت هذا المال لجنودك
لكانوا حموك مني"!
لم يبكِ المستعصم على الكنوز والأموال والقصور لكنه بكى حين أخذ
هولاكو يستعرض الجواري الحسان وعددهن 700 زوجة وسرية وألف خادمة وأخذ الخليفة
يتوسل لهولاكو قائلاً: مُنّ علي بأهل حرمي اللائي لم تطلع عليهن الشمس والقمر ضحك
هولاكو من قوله وأمر جنوده أن يضعوه في شوال ثم يضربه الجنود ركلاً بالأقدام حتى
الموت!.
يقول المؤرخون إن ما جمعه بنو العباس في خمسة قرون أخذه هولاكو في
ليلة واحدة، وختم نهاية حكمهم بإذلال خليفة المسلمين وقتله شر قتلة وإنهاء حكم
زاهر بالعلم والقوة والخير لم يدم لهم لأنهم أهانوا أنفسهم ونسوا الله فأنساهم
أنفسهم فكانت هذه هي خاتمتهم!.
ما تمر به أمتنا هذه الأيام أشبه ما يكون بنهايات الدولة العباسية
باختلاف ظروفها وانقسام أمتها إلى دويلات يتآمر بعضها على بعض والغرب الذي يدعي
حمايتها استطاع أن يبتلع ثروات أغنى دولها ويسخر ما يسمى دولها الوطنية لخدمته و
حراسة حدوده و لكن الله غالب على أمره.