انقسم الموقف
الفلسطيني، خصوصا بعد 1971، فكان هناك موقف مبدئي يتمسك
بثوابت القضية الفلسطينية، كما حُدّدت في ميثاقيّ م.ت.ف 1964 و1968. وقامت
منطلقات، أو برامج، كل الفصائل على أساس هذه الثوابت، أضف إلى ذلك استراتيجية
الكفاح المسلح.
أما في الموقف من الكيان الصهيوني، فاعتباره مغتصبا لفلسطين، ومشروعا
اقتلاعيا إحلاليا استيطانيا عنصريا، غير مشروع، وليس له من حق الوجود، ككيان
و"دولة" و"مجتمع". فقد تشكل من مهاجرين غزاة، دخلوا فلسطين
تحت حراب الاستعمار البريطاني، ومكّنهم من الاستيطان، بمخالفة للقانون الدولي الذي
لا يسمح للاستعمار أن يُحدِثَ أيّ تغيير سكاني أو جغرافي في البلد المُستَعمَر.
وقد صدر قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين، رقم 181 لعام
1947. وهو قرار مخالف للقانون الدولي الذي يعتبر حق تقرير المصير حقا حصريا للشعب
الذي كان يسكن فلسطين قبل احتلالها من الاستعمار البريطاني.
أثبتت التجربة وما يسمّى بالواقعية العملية، بأنها نهج غير واقعي وغير عملي، وأن كل ما فعله، كان تنازلا مجانيا، إثر تنازل مجاني
كذلك جاء هذا القرار
مخالفا لميثاق هيئة الأمم المتحدة الذي لا يُعطي جمعيتها العامة حق تقرير مصير أيّ
بلد في العالم، باعتباره حقا حصريا لحق ذلك البلد. هذا وقبلت عضوية "دولة
إسرائيل" بشروط وعد مندوبها على تلبيتها، ولكن لم ينفذ أي من هذه الشروط،
وبهذا اعتبرت عضوية الكيان الصهيون غير شرعية كذلك.
أما بعد 1971، فبدأت الضغوط الدولية، السوفييتية خصوصا، تطالب الفلسطينيين
بأن يكونوا واقعيين وعمليين، بتنازل عن ثابت التحرير، والقبول بقرار التقسيم،
متطورا إلى القبول بمبدأ تقسيم فلسطين، والدخول في مشروع إيجاد حل عملي يحقق ولو
دولة فلسطينية في حدود هدن 1949، أو حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967. وحدث أن
اندفعت قيادة فتح، وعدد من القيادات والنخب الفلسطينية، إلى تبني هذا المنهج، واعتبرت
من يتمسكون بالثوابت، ورفض الحلول التي تتضمن تقسيما لفلسطين، بأنهم غير واقعيين،
وغير عمليين، هذا إذا لم يُتهموا بالخشبيين والمغامرين والمتطرفين.
وبهذا تغلب الاتجاه الثاني "الواقعي والعملي" وإذا شئت "العقلاني
والمعتدل"، وبدأت رحلته التي انتهت باتفاق أوسلو، أي القبول بتقسيم فلسطين،
كان على هذا النهج أن لا يتنازل عن الموقف المبدئي أولا، وكان عليه، ثانيا، إذا أراد أن يكون "واقعيا وعمليا" أن يطلب ممن ضغطوا عليه القبول بحلّ سياسي، أن يأتوا بموافقة قادة الكيان وأمريكا والغرب، بأن مشروع الدولة سيطبق بمجرد موافقتهم عليه، وعندئذ يكونون قد جمعوا المبدئية والواقعية العملية
فيما القيادة الصهيونية، وبتغطية أمريكية وغربية، رفضت تقسيم فلسطين، وأصرّت
ومارست بأن فلسطين كلها لهم، وعلى الفلسطينيين الرحيل، أو الاعتراض الكسيح وفقا
لاتفاق أوسلو.
ومن ثم أثبتت التجربة وما يسمّى بالواقعية العملية، بأنها نهج غير واقعي
وغير عملي، وأن كل ما فعله، كان تنازلا مجانيا، إثر تنازل مجاني.
ومن هنا كان على هذا النهج أن لا يتنازل عن الموقف المبدئي أولا، وكان
عليه، ثانيا، إذا أراد أن يكون "واقعيا وعمليا" أن يطلب ممن ضغطوا عليه
القبول بحلّ سياسي، أن يأتوا بموافقة قادة الكيان وأمريكا والغرب، بأن مشروع
الدولة سيطبق بمجرد موافقتهم عليه، وعندئذ يكونون قد جمعوا المبدئية والواقعية
العملية، علما أن من الخطأ القبول بتقسيم فلسطين، حتى لو كان تطبيقه ممكنا. ولكن
في الأقل، لا يكونوا قد فرّطوا بالمبادئ، وكانت واقعيتهم العملية قبض ريح، وتنازلا
بالمجان.
ومن ثم كان الاتجاه الأول المتمسّك بالمبادئ، وبالمقاومة حتى طوفان الأقصى
وما بعده، هو الواقعي والعملي، كذلك.