وصف تقرير في صحيفة "صاندي تايمز"
مخيم اليرموك بأنه مدينة أشباح، حيث تحول المخيم الذي أقيم عام 1957 لاستيعاب
اللاجئين الفلسطينين إلى ساحة حرب بين الفصائل الفلسطينية التي تؤيد نظام بشار الأسد، وبين الأخرى التي تدعم المقاتلين.
وبسبب الحصار الذي فرضه النظام على المخيم لإجبار المقاتلين من المعارضة على الخروج، تراجعت الحياة فيه، وتضاءل عدد سكانه من 150 ألفا إلى 18 الفا يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، وسجلت بعض التقارير موت ما بين 36- 46 شخصا جوعا أشهرهم إسراء المصري التي انتشرت صورة وجهها الناحل في كل أنحاء العالم.
وتصف الصحافية هالة جابر مخيم اليرموك حيث أغلقت فيه العيادات والمطاعم والمقاهي والمدارس، وانهارت العمارات السكنية التي عاش فيها السكان حتى العام الماضي، وامتلأت الشوارع بالأنقاض.
وذهبت للتجول في أحيائه مع أبو باسل، فلسطيني- سوري مسؤول عن توزيع المساعدات الإنسانية في المخيم. وعندما لم تستطع السيارة استمرار السير بسبب الأنقاض مضيا على الأقدام في الأزقة المغطاة بقطع القماش حتى تحمي السكان أو من بقي منهم من خطر القناصة.
وبكي محمد إبراهيم حسين 14 عاما عندما وصف معاناة عائلته. فقد سافر والده إلى لبنان بحثا عن الطعام والمال ولكنه لم يعد. وترك وحيدا مع والدته المريضة إيمان العظمة وعمة له تعاني من مرض القلب "ماذا فعلنا حتى يحدث لنا هذا؟ أتناول نصف وجبة في اليوم، ولا يوجد من يساعد، وأطرق أبواب الجيران أطلب منهم الطعام، ولكن لا أحد لديه ما يعطي".
وتقول الصحافية "التقيت رجلا يبكي بشدة لدرجة أنه لم يكن قادرا على شرح حالته. وقال لا تنسونا هنا". فيما تحدث آخرون عن "تجار الدم" الذين يتاجرون بحياة السكان وينتفعون من توزيع الأطعمة. ويبيعونها بأسعار عالية، حيث تباع السيجارة بـ 5 دولارات، وكيلو الأرز بـ 50 دولارا .
وتقول إن حالة الجوعى والمرضى ستظل كما هي طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق من نوع ما في جنيف الذي افتتحت جلساته يوم الأربعاء في مونترو. وبدأت الصحافية مقالها بقصة إمرأة ناشدتها قائلة: "أنقذي ابنتي الصغيرة".
وتقول هالة جابر "في طابور لمجموعة من الناس اصطفوا بين البيوت المدمرة، للحصول على الحليب المجفف، خرجت سيدة واتجهت نحوي، وعلى يدها كانت طفلة صغيرة، بعيون واسعة، وعلى رأسها قبعة صوفية زهرية اللون زادت من شحوب وجهها، ولم ترد المرأة ابتسامتي، بل أمسكت بذراعي وحدقت في عينيي قائلة: "أرجوك، أقبل قدميك". بدأت بالقول "ابنتي مريضة جدا، وهي بحاجة للعلاج في المستشفى، أرجوك أن لا ترديني من حيث أتيت".
وتقول الصحافية: خلف السيدة "مشهد من
جهنم، فبعض البنايات انهارت بشكل كامل، تاركة وراءها تلالا من الأنقاض، دفنت بينها الممتلكات المهترئة، فيما وقفت أخرى على أساساتها بدون نوافذ أمامية أو جدران، مهتزة ستنهار في أية لحظة".
وألحت السيدة قائلة "يجب أن تساعدينا، الحياة صعبة هنا، أنت لا تعرفين، لا نستطيع تحمل أكثر مما تحملناه، ابنتي تخرج دما، وستموت إن لم تنقل إلى المستشفى".
اسم السيدة التي طلبت المساعدة ديالا (27 عاما)، واسم ابنتها هالة (3 أعوام)، وكانت ترتدي جاكيتا زهري اللون مصنوع من الفرو المزيف كي يحميها من البرد". وتقول إن " أمسكت السيدة يدي بقوة ، وزادت نظرة الأم العابسة حدة: خذينا معك، قالت "أرجوك".
وتقول جابر إنها ذهبت للتحدث مع منظم القافلة التي جلبت معها المساعدات الإنسانية، وسألته إن كانت هناك إمكانية لمساعدة السيدة. ورد أبو باسل، وهو فلسطيني سوري: لا، فهم يتناوبون بين توزيع المواد الغذائية، وإجلاء كبار السن والمرضى، واليوم هو يوم توزيع المواد الغذائية.
فردت "لكن ابنتها مريضة". قلت "بالتأكيد يمكن التحايل على القوانين للتعامل مع هذا الوضع". ذكّرته بأن هناك فتاة أخرى ماتت من الجوع، إسراء المصري بعد أن التقطت صورتها الأسبوع السابق، وأن الصورة انتشرت في كل أنحاء العالم".
وهناك مشكلة أمام أبو باسل "فلو سمحنا لشخص يجب أن نسمح للآخرين"، في الوقت الذي واصلت فيه الصحافية مناشدته ومخاطبة إنسانيته وطبيعته الطيبة، "ولاحظت أن ديالا كانت تتقدم مع زوجها رامي يحملون أكياسا بلاستيكية محشوة بملابس العائلة".
ومضى أبو باسل بعيدا واتصل هاتفيا ليعود بعد نصف ساعة، وقال إن "سيارة إسعاف ستحضر بعد قليل لتنقل ديالا وابنتها للمستشفى". وقال إنه حصل على إذن من الأجهزة الأمنية للخروج بسبب ظرف استثنائي.
وقد حصل أبو باسل على الإذن "للأم والبنت وعلى الأب البقاء في المخيم. وشعر الزوجان بالألم. واقتضت أصول اللياقة أن لا يودع الأب زوجته، وربما عانق الأب ابنته، وفي وسط الزحام كل ما شاهدته هو أن البنت كانت تبكي وتصرخ تريد والدها، حيث حمل الطبيب والممرض معه متاع الأم والبنت في الإسعاف"، ومضت السيارة. وقال الطبيب قبل أن يمضي "لقد أنقذت حياة طفل اليوم. وماذا عن البقية؟".
بعد خمسة أيام من رؤية الفوضى في اليرموك، سافرت الصحافية إلى جنيف لمتابعة المحادثات بين أطراف المعارضة السورية والحكومة، وحضر الافتتاح وزراء خارجية أربعين دولة، وتتساءل ما الذي يمكن عمله لتحقيق السلام للأماكن المدمرة مثل اليرموك أو التأكد من وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين العالقين مثل ديالا.
وتجيب أنه بمقاييس اليوم الأول من المؤتمر لن يتحقق الكثير، وكل ما تم هو موافقة الطرفين على الجلوس في غرفة واحدة. جلسوا ولم يتحدثوا معا والشخص الوحيد الذي تحدث هو الأخضر الإبراهيمي المبعوث الخاص لسورية. وتظهر البيانات التي صدرت بعد ذلك عن بُعد الحل أو منظور التوصل لاتفاق، لأن المعارضة والأمريكيين يطالبون برحيل الأسد، أما ممثلو الحكومة فيقولون لا ويتهمون المعارضة بالخيانة. وتقول الكاتبة إن التطورات على الأرض تجعل من الحل صعبا.
وتشير إلى مقال جوشوا لانديز، والذي أشار إلى أن جيش النظام استطاع الإحتفاظ بقواعد عسكرية في كل مدينة، وكتب المحاضر في جامعة أوكلاهوما في مقال على موقع الجزيرة- أمريكا "تواصل المدفعيات والطائرات التابعة للنظام في ضرب مناطق المقاتلين حسبما تريد مخلفة وراءها الفوضى والانقسام".
تقول الصحافية إنه تم نقل ديالا وابنتها إلى دمشق للعلاج، ولم يجدوا أية مشكلة صحية تعاني منها البنت، فكل ما في الأمر أنها كانت حيلة للخروج من المخيم المحاصر، ومن يلومها على ذلك؟