نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا لمحرر الشؤون الخارجية جدعون راتشمان حول
الانتخابات الإسرائيلية القادمة، قال فيه إن إسرائيل تحاول تذكير نفسها والعالم في كل انتخابات أنها
الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ومع هذا فإن السؤال المركزي في الانتخابات المزمع عقدها في شهر آذار/ مارس القادم، التي تمت الدعوة لها الأسبوع الماضي، يدور حول متانة الديمقراطية في إسرائيل.
ويقول راتشمان "التهديدات للديمقراطية الإسرائيلية ليست بسيطة أو واضحة؛ فهناك إعلام حر وعملية التصويت تتم بنزاهة، وهناك نقاش حيوي، ولكن التهديدات في قضايا أكثر دقة، وهي مثيرة جدا للقلق. وهناك أربع إشكاليات؛ الأولى استمرار بناء المستوطنات في الأراضي
الفلسطينية المحتلة، والثانية مشروع قانون يقضي بيهودية إسرائيل، وثالثها النفور بينها وبين الديمقراطيات الغربية، وأخيرا عدم التسامح مع، بل وتهديد، كل من يخرج عن "الإجماع الوطني" فيما يتعلق بالأمن والإرهاب".
ويضيف الكاتب أن "أحد المبررات التي تساق لتبَنّي حل الدولتين هو أن ضم الضفة الغربية لإسرائيل، بالإضافة إلى كونه غير قانوني، فإنه يهدد الهوية اليهودية لإسرائيل. فديمغرافية (حل الدولة الواحدة) ستعني أن اليهود سيشكلون بالكاد أكثرية".
ويجد راتشمان أنه "مع هذا فإن عددا متزايدا من أصوات اليمين تدعو علنا لضم أجزاء من الضفة الغربية بشكل رسمي، فحيث الخيار بين الديمقراطية والأرض يبدو أنهم يفضلون الأرض".
ويشير الكاتب إلى أن "أحد النجوم الصاعدة في السياسة الإسرائيلية هو نفتالي بنيت، زعيم حزب البيت اليهودي ووزير الاقتصاد، كتب حديثا في صحيفة (نيويورك تايمز) مقالا اقترح فيه على إسرائيل أن تضم 55% من الضفة الغربية. ويدعي أن الضم لا يتعارض مع الديمقراطية؛ لأن 80000 فلسطيني يعيشون في المنطقة التي يريدها من الضفة الغربية، سيعطون جنسية إسرائيلية، بينما الملايين المتبقية سيعطون حكما ذاتيا محدودا. ولكن إعطاء الفلسطينيين الحق في تنظيم التقاط القمامة لن يرقى لدى الكثير إلى الوصف بالديمقراطية".
ويعتقد راتشمان أن "بنيت ليس الشخص الوحيد غريب الأطوار، بل إن هيمنة من يؤيدون ضم الأراضي المحتلة تزداد في حزب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ويذكر أن الملياردير الأميركي شيلدون أديلسون، الذي يدعم نتنياهو، قال متأملا: (لا أظن أن الكتاب المقدس تحدث عن الديمقراطية .. إسرائيل لن تكون دولة ديمقراطية في المستقبل، فما المشكلة؟)، ولكنه بعد ذلك قال إنه كان يمزح".
ويلفت الكاتب إلى أن "الصدام بين الفكر الصهيوني والمبادئ الديمقراطية يظهر أيضا في النقاش الدائر حول ما إذا كان على إسرائيل إعلان نفسها وطنا يهوديا، وقد انقطع النقاش حول مقترح القانون بهذا الخصوص بإعلان البرلمان انتخابات جديدة، ولكن أن يصبح الفلسطينيون، الذين يبلغ عددهم 1.6 مليون، عبارة عن مواطنين من الدرجة الثانية، تسبب في دق أجراس إنذار حتى لدى أقرب الحلفاء لإسرائيل، فرابطة مكافحة التشهير في الولايات المتحدة، وهي الأشد دفاعا عن إسرائيل دائما، اضطرت أن تصدر بيانا (مؤلما) تقول فيه إن القانون (قد ينظر إليه على أنه محاولة لاستبدال طبيعة إسرائيل الديمقراطية بيهوديتها)".
ويرى راتشمان أن "الكثير من السكان العرب يقولون إنهم حاليا يعيشون مواطنين من الدرجة الثانية، فحنين الزعبي، عضو الكنيسيت العربي المثيرة للجدل، تساءلت إن كان الشباب الفلسطينيون الذين اختطفوا ثلاثة مستوطنين يهودا إرهابيين أم لا؟، وتم توقيفها من الكنيست مؤقتا، وهناك مقترحات يدعمها نتنياهو تسمح للبرلمان بإبعاد عضو من أعضائه بشكل دائم إن كان يدعم (الحرب) على إسرائيل. مثل هذه الأفكار تلقى رواجا، وقد أظهر استطلاع أن 89% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون نزع الجنسية عن الآنسة الزعبي. ويشعر الناشطون في مجال التعاون العربي اليهودي أنهم محاصرون، فمثلا تم حرق فصل دراسي في مدرسة عربية- يهودية في القدس من مجهولين خلال الشهر الجاري".
وتبين الصحيفة أنه في هذا الجو المشحون تجد إسرائيل نفسها فاقدة لتعاطف الديمقراطيات الغربية، وتوجيه التهم بالعداء للسامية في أوروبا والكراهية المبطنة لباراك أوباما أمران عاديان عند اليمين الإسرائيلي.
ويكشف راتشمان عن أن إسرائيل تقوم ببناء
تحالفات مع عالم الاستبداد للتعويض عن حلفائها الغربيين، مبينا "سمعت سياسيين إسرائيليين من اليمين واليسار يقولون إن الغرب قاسٍ جدا مع رئيس روسيا فلاديمير بوتين. كما أن حكومة نتنياهو سعت لإقامة علاقات خاصة مع الصين، التي استثمرت سبعة مليارات دولار في إسرائيل في قطاع التكنولوجيا المتقدمة بشكل رئيسي. وخوف إسرائيل من إيران دفع لإقامة تحالفات مع أنظمة الاستبداد السنية. وكتبت كارولاين غليك، وهي كاتبة عمود يمينية، مقالا ينتقد بشدة ما أسمته (الهجمات المتنامية في عدوانيتها من البيت الأبيض) ضد إسرائيل، ودعت إسرائيل لأن تقوي تحالفها المزدهر مع مصر والأردن والسعودية".
ويخلص الكاتب إلى أنه مع هذا فإن مثل هذه الأفكار خادعة؛ فأصدقاء إسرائيل في السعودية لا يسمحون للإسرائيليين بدخولها، وإن هُدد بقاء إسرائيل حقا فإن أميركا بالتأكيد ستساعدها، ولن تحرك الديكتاتوريات العربية ساكنا لمساعدتها، والحقيقة هي أنه إن سمحت إسرائيل لعلاقاتها بالغرب أن تذبل، فإنها لن تخسر الروح فقط، بل ستخسر الأمن أيضا.