نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لمحرر الشؤون الطبية جيريمي لورنس، قال فيه إن الدورية الطبية الأقدم والأكثر احتراما تهاجمها اليوم مجموعة دولية من حوالي 500 طبيب، بسبب تغطيتها للمأساة الإنسانية الناتجة عن الصراع
الفلسطيني الإسرائيلي.
ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إلى أن الهجوم يستهدف مجلة "
لانسيت" ومحررها ريتشارد هورتون، بسبب ما تدعي المجموعة أنه "إساءة استخدام فادح وغير مسؤول للدورية لأهداف سياسية". وما أثار الجدل هو مقال اعتبر ناقدا لتصرفات إسرائيل في
غزة.
وتبين الصحيفة أن الأطباء المحتجين، الذين يضمون خمسة حاصلين على جائزة نوبل، بالإضافة إلى اللورد وينستون الرائد في عمليات التلقيح الصناعي، يقدمون أنفسهم على أنهم "أكاديميون مهتمون"، ويتهمون الدورية بنشر "دعاية كراهية متطرفة نمطية". كما أنهم يتهمون الناشر (ريد إلسيفير) بـ"التربح من نشر مادة غير صادقة وخبيثة، تحرض على الكراهية والعنف".
ويورد التقرير أن الأطباء هددوا بمقاطعة الدورية إن لم تقم شركة النشر بـ"فرض مقاييس تحريرية أخلاقية مناسبة". ويقول المراقبون إن الدورية الطبية تواجه أكبر خطر لها ولحرية التعبير، منذ أن واجه محررها الأول ثوماس واكلي سلسلة قضايا في المحاكم؛ بسبب مهاجمته لعدم الكفاءة والمحسوبية والجشع للنخبة الطبية في وقتها، بعد انطلاق الدورية بقليل، وذلك قبل 192 عاما.
وتذكر الصحيفة أن هورتون طور "لانسيت"، التي حررها منذ منتصف التسعينيات لتصبح مشعلا للصحة على مستوى العالم. ولكن مقاربته العنيدة صنعت له أعداء، وخاصة بين أولئك الذين يرون أنه مؤيد للقضية الفلسطينية. وأنشأ تحالف لانسيت-فلسطين مع الأكاديميين في الضفة الغربية لتحسين تغطية القضايا الصحية في المنطقة.
ويلفت التقرير إلى أن ما أثار الهجوم على أسلوب تحريره مقال نشر في شهر تموز/ يوليو الماضي، خلال الهجمة الإسرائيلية على قطاع غزة، واحتوى المقال على شهادات ميدانية حول الأثر على الوضع الصحي للمدنيين، ولكنه لم يتضمن اعترافا بدور حماس في الحرب.
وتوضح الصحيفة أن مقال "رسالة مفتوحة لأهل غزة" أثار جدلا حادا في أعمدة الرسائل في "لانسيت"، حيث وصفه البعض بأنه "تعصب أعمى ضد اليهود"، وقال البعض الآخر بأن الطب "يجب ألا ينحاز لأي طرف".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أنه قد تبين لاحقا أن موقعين على الرسالة المفتوحة وزعوا بالبريد الإلكتروني فيديو لأمريكي أبيض معاد للسامية، واعتذروا بعد ذلك، كما اعتذر دكتور هورتون عن "الفيديو العدواني" عندما زار إسرائيل، لكنه لم يسحب المقال.
وتنوه الصحيفة إلى أنه في شهر تشرين الأول/ أكتوبر قام مسؤول الشكاوى بالتحقيق بالشكاوى التي وردته، وانتقد الرسالة المفتوحة، ولكنه قال إنه لا مبرر لسحبها. ولكن هذا لم يرض منتقدي الدورية واستمر الخلاف.
ويذكر الكاتب أنه في آخر تطور خطير للقضية قام المحتجون بقيادة السير مارك بيبيس من جامعة لندن "يونيفيرسيتي كوليج" بتجميع 396 بروفيسورا من أنحاء العالم، لتوقيع شكوى قدمت إلى مجلس إدارة شركة النشر (ريد إلسيفير) الشهر الماضي، يطالب فيها المشتكون الناشر بسحب الرسالة المفتوحة والاعتذار عن نشرها، وضمان "منع حصول سوء تصرف إضافي في (لانسيت)".
وتقول الصحيفة إن المحتجين هددوا بمقاطعة أكاديمية منشورات (ريد إلسيفير)، التي تنشر أكثر من 2000 دورية علمية، إن لم تجب مطالبهم، وهددوا بأنه لا أحد منهم سيلتزم بنشر مادة أو مراجعتها في دوريات الناشر، أو أن يشارك في هيئات التحرير، أو الهيئات الاستشارية لتلك الدوريات.
ويبين التقرير أن 150 طبيبا آخر أضافوا توقيعاتهم على الموقع الخاص، الذي أنشئ لتنسيق الاحتجاج وعنوانه (concernedacademics.org). و قام 300 طبيب بقيادة البروفيسور غراهام وات من جامعة غلاسكو بالرد على الدعوى، وأنشأوا موقعا خاصا هو: (handsoffthelancet.com).
وتذهب الصحيفة إلى أن هؤلاء يحتجون بأن ريتشارد هورتون "قائد متميز في الصحة العالمية"، وأن السياسية "متأصلة في العديد من القضايا الصحية، مما يعطي شرعية للتعليق عليه"، أما الإشارة إلى "دعاية كراهية متطرفة" فيعدونها مبالغة كبيرة.
وينقل التقرير عن الأطباء قولهم: "إن المحاولة الشرسة لإجبار (لانسيت) على سحب الرسالة المفتوحة، هي الأخيرة في سلسلة من المحاولات لكبت الإعلام عن تغطية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويجب مقاومتها".
وبحسب الصحيفة فقد قام المجلس الاستشاري الدولي لـ "لانسيت"، والمؤلف من 19 بروفيسورا بإرسال رسالة يوم الأربعاء للناشر (ريد إلسيفير) يعربون فيها عن "تأييدهم المطلق" لريتشارد هورتون.
وينقل التقرير عن محررة صحيفة "بريتيش ميديكال جورنال" فيونا غودلي، التي ستكون افتتاحيتها عن الموضوع، قولها إنها عانت من مثل هذه الهجمات بسبب تغطيتها للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول غودلي إن "الصحة قضية سياسية بامتياز، وهناك تاريخ طويل من مهاجمة المنشورات التي تناقش موضوع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولا أظن أن على (لانسيت) سحب الرسالة المفتوحة". وأضافت أن محرر "لانسيت" ريتشارد هورتون نقل الدورية العلمية نقلة نوعية وجعلها من أهم المجلات الطبية على مستوى العالم، ولكنه قد يكون "أزعج البعض، وما يحصل هو أخذ بالثأر إلى حد ما".