حال الصحافة
المصرية تستطيع أن تستطلعه من صورة وملامح ذلك المصور الشاب شوكان، وقد شحبت ملامحه وخارت قواه. ويحكي محمد أبو زيد شقيق محمود أبو زيد (شوكان) أن شقيقه يعاني إثر الظروف غير الملائمة لحجزه من حالة صحية متدهورة، حيث يعاني من فقر الدم الشديد والأنيميا مع حرمانه من تلقي الرعاية الصحية والأدوية، مما يؤثر على صحته بشكل كبير.
وشوكان كان يُغطي فض اعتصام رابعة العدوية، وكما يقول شقيقه محمد أنه في البداية استأذن قوات الأمن لدخول المكان بغرض التصوير، وكان معه مصورون أجانب، وبالفعل سُمح لهم بالدخول غير أنه لاحقا أُلقي القبض عليهم بمعرفة أشخاص يرتدون ملابس مدنية، وصادرت الشرطة معدات المصورين الأجانب وأخلت سبيلهم، وظل شوكان محبوسا من وقتها حتى هذه اللحظة، دون الإفراج عنه أو إحالته للمحكمة.
وكانت لجنة حماية الصحفيين ومقرها مدينة نيويورك قد أصدرت تقريرها في الخميس 25 يونيو 2015، إن مصر لديها أكبر عدد من الصحفيين وراء القضبان ومعظمهم من المتهمين بالانتماء لجماعة محظورة، وأشارت اللجنة إلى أنها أجرت تعدادا في الأول من يونيو العام 2015 وجدت خلاله أن السلطات المصرية تحتجز 18 صحفيا على الأقل وراء القضبان، وهي أعلى نسبة في البلاد منذ بدأت لجنة حماية الصحفيين تسجيل البيانات على الصحفيين المسجونين في 1990.
وبالإطلاع على أغلب حالات الصحفيين المعتقلين ومن شهادات ذويهم، تجد أن الشكوى تكاد تكون واحدة من تعرضهم لانتهاكات جسيمة واحتجازهم في أماكن غير لائقة، وتقديمهم بتهم فضفاضه يشوبها الشيوع في الإتهام، وعدم المعقولية والتلويح بأنهم ينتمون لجماعة الإخوان، التى لم تخجل سلطات الادعاء من تقديم الأجانب من مراسلين وصحفيين بنفس ديباجة تلك التهم، كالصحفي الأسترالي بيتر جريست وغيره.
وتزداد تلك الممارسات والانتهاكات الجسيمة مع مرور الوقت، وتنامي دور الإعلام الأمني والتوظيف الحكومي لوسائل الإعلام الحكومية والخاصة والمملوكة لرجال الأعمال.
ولا عجب أن تجد نفسك الآن وأنت تتصفح الصحافة المحلية أمام مانشيت واحد يتصدر كل الأخبار قص ولصق، أو رسالة إعلامية واحدة يتم ترديدها على مدار الأربعة والعشرين ساعة، ويتناوب عليها الإعلام الحكومي الذي تفرغ تماما لإدارة المعركة، مع ما يسمى الإرهاب والتغطيات الحصرية الأمنية لقضايا الإرهاب وأخباره، والانشغال المزمن بالسبق الصحفي لتلك الأحداث، وفي ركابه يأتي كذلك الإعلام الخاص بدرجات متفاوته من الضلوع في إدارة معركة الإرهاب هذه. التفرغ للتسريبات غير الأخلاقية التى تتناول حياة الأشخاص الخاصة، في ممارسات ليست فقط غير مهنية أو قانوينة، ولكنها غير أخلاقية على الإطلاق، وانغمس الجميع بشكل كبير في تبنى لغة التحريض والتوجيه وتعميق الانقسام المجتمعي والاستقطاب، ولا عجب أن تجد أشد المنتهكين لحقوق الصحفيين هم صحفيون عاملون في الحقل الإعلامي ذاته، مما انعكس على قضية المهنية الإعلامية في المشهد المصري ككل، وتراجعت كل المعايير الجوهرية والأساسية في الممارسة المهنية من مسؤولية اجتماعية، وتحري الدقة والمصداقية، وتعدد الآراء وعمق التناول للقضايا، وصولا لتكوين وعي كاف للمجتمع... وتكلل كل تلك الخروقات بتشريع قوانين غير دستورية كقانون الإرهاب في مادته الشهيرة رقم 33، لتتنافى مع كل المفاهيم الأساسية المتعلقة بالحق في حرية الرأي والتعبير، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية، تلك الحقوق الأساسية التي اتفقت عليها الأمم في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، منذ ما يقارب المائة عام، ولكن للأسف في بلادنا السيارة ترجع للوراء.
والرأي العام المصري الآن، يعاني من جروح غائرة لسطوة السلطة وسطوة أصحاب رأس المال، ممن يملكون ويسيطرون على تلك الوسائل ويسيئون استخدامها، وبينما تتقارب دائرة السلطة وتتشابك دائرة المال الإعلامي لخدمة مصالح نظاميه أو فئوية، تتباعد خطوط المهنية والحيادية والبحث عن الحقيقة، ويفقد الإعلام بوصلته ومسؤولياته الاجتماعية.
وبينما تخلى قسم كبير من وسائل الإعلام الحكومية والخاصة عن كل ما يتعلق بالمهنية واستمرأ الخوض والاستمرار في حملات التحريض والكراهية والتقسيم المجتمعي، فكذلك لم تستطع القنوات المحسوبة على المعارضة وخاصة الإسلامية منها الخروج عن النمط الدعائي، وما يعرف بالقنوات الدينية وما بين النمط الأمني والنمط الدعائي، لا سبيل لوجود رسالة إعلامية وممارسة مهنية موضوعية وخبرية، هي فقط جرعات شحن عاطفي عالية الفولت، لا تخلق سوى خطابا انفعاليا وعاطفيا، ولا تغوص في مشكلات العقل المصري المغيب عن المشهد تماما.