نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا للكاتبين مصطفى سليم ولوفداي موريس، حول شراء الحكومة
العراقية لأجهزة غير صالحة للكشف عن القنابل، ما تسبب بمقتل أكثر من 200 شخص في تفجير استهدف العاصمة العراقية بغداد، الأمر الذي تسبب بغضب في الشارع العراقي على
الفساد المستشري.
ويشير التقرير إلى أن الجهاز الذي يشبه العصا الشبيهة بالهوائي، ولها يد بلاستيكية، لا يزال يستخدم على الحواجز الأمنية، بعد سنوات من اعتقال السلطات البريطانية للمحتال البريطاني الذي باع تلك الأجهزة الفاسدة؛ بتهمة التزوير، حيث منعت الحكومة البريطانية تصديرها.
ويلفت الكاتبان إلى أن هذه الأجهزة تستخدم على أبواب السفارات والبنايات الحكومية والوزارات، كما تستخدمها قوات الأمن على الحواجز الأمنية، مثل تلك الموجودة في شارع التسوق في
الكرادة، الذي استهدف بهجوم انتحاري في ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد، مشيرين إلى أنه تم استهداف المنطقة مرات عديدة في الماضي.
وتذكر الصحيفة أن العراقيين قاموا بالاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي، وصبوا جام غضبهم على
صفقة أجهزة الكشف الفاسدة، حيث سخروا من هذه الأجهزة المحمولة باليد، التي من المفترض أنها تكشف عن وجود المتفجرات، مشيرة إلى أنه تمت قرصنة موقع وزارة الداخلية، ونشرت صورة الطفل المدمى، وبجانبه صورة جهاز الكشف المزور يحمل شعار تنظيم الدولة، وكتب تحت الصورة: "لا أدري كيف تستطيعون النوم ليلا.. لقد مات ضميركم".
ويورد التقرير أنه مع تنامي الغضب، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر
العبادي يوم الأحد بأن على قوات الأمن كلها إزالة تلك الأجهزة اليدوية من نقاط التفتيش، وأن على وزارة الداخلية إعادة فتح ملف صفقات الأجهزة الفاسدة، مستدركا بأن الأجهزة كانت تستخدم صباح اليوم التالي في بغداد، حيث إنه ليس واضحا متى سيتم تطبيق الأمر.
وينقل الكاتبان عن مقداد التميمي، وهو شرطي على حاجز أمني في شمال بغداد، وكان لا يزال يستخدم الجهاز، قوله: "لم تصلنا تعليمات بعد، نعلم أنه لا يعمل، والكل يعلم ذلك، ونعلم أن الرجل الذي صنعه مسجون الآن، لكن ليس عندي خيار آخر".
وتبين الصحيفة أن بريطانيا اسمه جيمس ماكغورميك هو من باع الجهاز المعروف بـ(ADE 651) للعراق، وتم الحكم عليه بالسجن 10 سنوات عام 2014؛ بتهمة التزوير، وكان قد اعتقل عام 2010، عندما منعت الحكومة البريطانية تصدير الجهاز، لافتة إلى أنه يعتقد أن ماكغورميك حصل على أكثر من 80 مليون دولار من بيع الجهاز لعدة بلدان، بما فيها العراق.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن شركة ماكغورميك ادعت بأنه يمكن للجهاز كشف البضائع المزورة والمخدرات والمتفجرات عن بعد كيلومتر، حيث يقول دليل استخدام الجهاز إنه مع وجود "الكروت الملائمة للمادة (التي يراد الكشف عنها)"، فإنه يمكن للجهاز الكشف عن الفيلة وحتى أوراق المئة دولار النقدية.
ويقول الكاتبان إن تحقيقا قامت به "بي بي سي" عام 2010، قد توصل إلى أنه من المستحيل أن يكشف الجهاز عن شيء، ووصفه بأنه لا يعدو عن كونه "عصا تغطيس مبجل"، مشيرين إلى أن خبير المتفجرات سيدني ألفورد، قد توصل صفقة بيع الأجهزة بأنها "لا أخلاقية مطلقا".
وتذكر الصحيفة أن مكتب التحقيقات الفيدرالية اهتم في منتصف التسعينيات بجهاز مشابه، كان مسوقوه يسمونه "غوفر"، ويدعون بأنه يكشف مكان كرة الغولف، حيث كان يباع بـ69 دولارا، مستدركا بأن ماكغورميك باعه للعراق بآلاف الدولارات للجهاز الواحد.
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من إثبات أن هذه الأجهزة غير صالحة، إلا أن الاعتماد عليها لا يزال كبيرا في الشرق الأوسط، ما جعل الكثير من العراقيين يتساءلون عن سبب الاستمرار باستخدام هذه الأجهزة، رغم معرفتهم بأنها فاسدة.
ويورد الكاتبان أن زيد العلي يذكر في كتابه "النضال لأجل مستقبل العراق"، كيف وقعت عدة
تفجيرات، وقتلت العشرات في بغداد، بعد أسبوعين من إدانة ماكغورميك في محكمة بريطانية، لافتين إلى أنه عندما عقد رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي مؤتمرا صحافيا، سأله أحدهم عن سبب الاستمرار في استخدام هذه الأجهزة الفاسدة.
وتنقل الصحيفة عن العلي، قوله إن الجواب صعقه، حيث قال رئيس الوزراء إنه شكل عدة لجان للتحقيق فيما إذا كان الجهاز فاسدا، وقال إن النتائج كانت أن الأجهزة تعمل من 20% إلى 54% من الوقت، إن استطاع الجنود استخدامها بالشكل الصحيح.
ويقول العلي إن هناك طريقتين لتحليل ما قاله رئيس الوزراء "إما أنه معتقد بما قاله (وهذا يعني أنه عاجز عن فهم ما كان واضحا للجميع تقريبا)، أو أنه كان يلوي عنق الحقيقة (وهذا يعني أن أمن العراقيين وسلامتهم أمر ثانوي بالنسبة له، بعد حماية سمعته شخصيا)"، ويضيف أن ذلك "دليل واضح على أن مشكلات العراقيين ليست نابعة من الدين ولا العرق، لكن من سوء الحكم"، بحسب الصحيفة.
ويشير التقرير إلى أن استخدام الأجهزة استمر بعد أن استلم العبادي رئاسة الوزراء عام 2014، حيث قال وزير الداخلية محمد غبان في مقابلة تلفزيونية إنه ورث المشكلة، وإنه يجب أن يتم تشكيل "لجنة"؛ لتفحص إن كانت الأجهزة تعمل، وأضاف أن المشكلة "أكبر من وزارة الداخلية".
ويستدرك الكاتبان بأن المتحدث باسم الوزارة إبراهيم العبادي، قال إن تحقيقا تم عام 2011، عندما سافر مسؤولون من وزارة الداخلية إلى المملكة المتحدة، وتوصلوا إلى أن الأجهزة غير صالحة، وأضاف: "فكرنا بسحب الأجهزة من الحواجز، لكن ليس لدينا بديل"، مشيرا إلى أنها قد تتسبب بإرباك أي شخص يحمل المتفجرات أو البضائع المزورة، الأمر الذي يمكن أن يلاحظه المسؤولون عن نقاط التفتيش.
ويتابع العبادي قائلا إنه تم الحكم بالسجن لمدة سبع سنوات، على مدير قسم مكافحة المتفجرات في الوزارة؛ لشرائه الأجهزة عام 2012، مشيرا إلى أنه تم تمديد حكم السجن سنتين بعد حكم آخر.
وتورد الصحيفة نقلا عن أوس ياسين (35 عاما)، الذي كان مع المحتجين بالقرب من مكان التفجير ليل الأحد، قوله: "ينتظر الناس على نقاط التفتيش في الحر كل يوم ليمروا على أجهزة فحص وهمية ومجرد لعبة".
وبحسب التقرير، فإن المتظاهرين انتقلوا إلى بيت عائلة العبادي في المنطقة، حيث وصفوه بالسارق، واتهموه بقتل الناس في الكرادة، حيث قال عباس ياسين (45 عاما): "لو كان عنده أي كرامة سيستقيل اليوم"، مشيرا إلى أن العبادي أمر بنشر أجهزة كشف "رابيسكان" الأمريكية الصنع في شوارع بغداد.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أنه على نقطة التفتيش، قال ضابط الشرطة التميمي إنه يأمل بأن تجلب أجهزة كشف حقيقية، بدلا من الأجهزة الفاسدة؛ لحماية الناس، وأضاف: "مات كثير من الناس بسبب قطعة البلاستيك هذه".