نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب أوين جونز، يعلق فيه على
تقرير لجنة التحقيق في
حرب العراق 2003.
ويقول جونز: "اعتدنا على تستر المؤسسة الرسمية على الأخطاء من الأحد الأحمر (في إيرلندا الشمالية) إلى هيلزبره (حادث استاد في شفيلد)، حيث تآمرت المؤسسات الرسمية دائما لخنق الحقيقة لصالح الأقوياء، لكن هذه المرة الأمور تختلف".
ويضيف الكاتب: "مع أن تحقيق
تشيلكوت كان طويلا، لدرجة أنه صار موضوع تندر لطول الوقت الذي أخذته هذه المهمة، لكن التاريخ سيخلد اسم السير جون تشيلكوت (رئيس لجنة التحقيق)؛ لإصداره الحكم الأكثر تدميرا ضد رئيس وزراء معاصر".
ويتابع جونز قائلا: "لا يشعر أولئك الذين تظاهروا لمحاولة منع وقوع الكارثة بأن نتيجة التحقيق برأت موقفهم، بل إنهم يشعرون بالأسى؛ لأنهم لم يتمكنوا من منع وقوع كارثة سرقت حياة مئات الآلاف، منهم 179 جنديا بريطانيا، وتسببت بجروح وصدمة ونزوح الملايين من الناس، إنها كارثة ولدت التطرف على مستوى فاجع".
ويشير الكاتب إلى أنه "يجب أن يشجعنا تقرير تشيلكوت على تحدي السلطة، وأن نشكك بالرواية الرسمية، وأن نقف بثبات ضد أي أجندة عدوانية، ينسج الإعلام مبررات لها، وسيقول من أيدوا الحرب يجب تعلم الدروس، لكن لا تسمحوا لهم بهذا الهروب، حيث إن الدروس كانت واضحة لكثير منا قبل بدء سقوط القنابل".
ويجد جونز أن "ما أثبته تشيلكوت هو أن ادعاءات حركة مناهضة الحرب لم تكن نظرية مؤامرة، وبعيدة الاحتمال، وادعاءات مجنونة، حيث قال عضو البرلمان العمالي المناهض للحرب ألان سيمسون قبل الغزو بأسابيع: (يبدو أن لدينا حكومة تبحث عن حجة للحرب بشكل متزايد، بدلا من تجنبها)، وفي الواقع، وكما كشف تقرير تشيلكوت، قال
بلير لجورج بوش الابن في تموز/ يوليو 2002: (سأكون معك مهما كلف الأمر)".
ويلفت الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه كما يذكر تقرير تشيلكوت، لم تكن هذه الحرب "الملاذ الأخير"؛ حيث إنها كانت حربا اختيارية تم إطلاقها "قبل استنفاد الخيارات السلمية لنزع السلاح"، حيث قال سيمسون: "يبدو أننا نصدر ملفات خداع شامل، التي تدعي أشياء تبدو مضحكة بمجرد أن تنشر".
ويذكر جونز أن "تشيلكوت يدعم الآن الرأي القائل إن الحرب قامت على معلومات وتقديرات خاطئة (لم يقم أحد) بمعارضتها، وكان يجب معارضتها، حيث كان نيلسون مانديلا من بين الذين اتهموا بوش وبلير بتقويض الأمم المتحدة في الفترة التي سبقت الحرب على العراق، وأكد تقرير تشيلكوت ذلك بقوله: (نعد أن المملكة المتحدة كانت.. تقوض سلطة مجلس الأمن)".
وينوه الكاتب إلى أنه "كانت هناك تحذيرات كثيرة، حيث إن السيناتور غري هارت قال قبل الغزو إن الحرب ستزيد من احتمال الإرهاب، (سنقوم بفتح عش الدبابير، ولسنا مهيئين لذلك في هذا البلد)".
وتنقل الصحيفة عن موقع مناهض للحرب قوله في وقتها: "إن هجوم الولايات المتحدة (على العراق)، وما يتبعه من احتلال، سيشكل حافزا جديدا لتنظيم القاعدة وغيره من المجموعات الإرهابية، وسيشجع المزيد من العمليات الإرهابية على الأراضي الأمريكية، وضد المواطنين الأمريكيين في الخارج"، مشيرة إلى أن تشيلكوت قال في تقريره: "لقد تم تحذير بلير من أن الغزو سيزيد من الخطر الإرهابي من تنظيم القاعدة وغيره من المجموعات".
ويورد جونز أن "رئيس الوزراء الأسبق يدعي أن النتائج الفظيعة للغزو لم تكن واضحة إلا بالنظر للخلف، لكن مؤسسة (كريستيان إيد) حذرت من (فوضى كبيرة، ومعاناة في العراق، لمدة طويلة بعد انتهاء الضربات العسكرية)، وهذا يثبت أن مؤسسة خيرية كان لديها بعد نظر أكثر من جنرال كبير ادعى في حوار حضرته في الجامعة بأن 99% من العراقيين سيلقون الزهور على جنود الغزو، وتحدث تشيلكوت عن فشل الحكومة (في حساب حجم المهمة لإعادة الاستقرار، وإعادة بناء العراق)".
ويجد الكاتب أن "ادعاء بلير المضحك خاطئ أيضا، حيث يقول تشيلكوت: (إن ما توصل إليه بلير بعد الغزو لم يكن يحتاج إدراكا متأخرا)، وعندما استقال روبين كوك من الحكومة قبل الغزو، أعلن أن (العراق ربما لا يملك أسلحة دمار شامل بالمفهوم المتعارف عليه للمصطلح)، وشجب تشيلكوت المخابرات؛ لاعتقادها عكس ذلك".
وتفيد الصحيفة بأن حملة نزع السلاح النووي هددت الحكومة بتحديها قانونيا عام 2002، إن هي ذهبت للحرب دون قرار ثان من مجلس الأمن، حيث وصف كوفي عنان، الذي كان أمينا عاما للأمم المتحدة، وعدة محامين الغزو بأنه غير قانوني، لافتة إلى أن المدعي العام البريطاني اللورد غولدسميث قال إن الحرب دون قرار ثان من مجلس الأمن ستكون غير قانونية، لكن تقرير تشيلكوت يقول إن غولدسميث يبدو أنه قد غير رأيه، لسبب غير معروف في بيانه الشفهي لاحقا.
ويقول جونز: "كنا دائما نقول إن الحرب على العراق بنيت على الكذب، ولو عدنا لمقالات ما قبل الحرب، مثل مقال (الكذب الذي يقال لنا عن العراق) في صحيفة (لوس أنجلوس تايمز)، فإننا نتعلم منه الكثير، ولم يبحث تشيلكوت إن كان بلير كاذبا أم لا، لكنه ركز على أن بلير كان قد قرر الذهاب للحرب مقدما، واعتمد على أدلة مشكوك فيها لتبرير قراره، فهل خدع نفسه، أم خدع الشعب، أم دفعته عقدة المسيح الصالح؟ لقد ذهب إلى حرب بناء على بيانات محتالة، كان الكثير يعتقدون أنها ستؤدي إلى مأساة، بما في ذلك 139 عضو برلمان عمالي، وهذا فيه إدانة كافية".
ويضيف الكاتب: "فلنشكر لجنة تحقيق تشيلكوت؛ لمصادقتها على الحقائق التي لطالما عرفناها، لكن علينا أن نعرف أيضا أن هذا هو كل ما فعلته، حيث إن الحقائق التي أكدتها كانت معروفة قبل فتح بوابات الجحيم على مصراعيها بكثير، كما حذر الأمين العام للجامعة العربية قبل الغزو".
ويذهب جونز إلى أن "وضوح ما كان سيحصل هو الذي ولد أكبر حركة مناهضة للحرب في التاريخ، حيث كانت حركات قلل الإعلام من شأنها؛ لأنه كان يؤيد الحرب، وكان يكفي فسادا أن أولئك الذين عارضوا أو انتقدوا الحرب، من سياسيين إلى مديرين في الـ(بي بي سي)، هم من فقدوا وظائفهم، في الوقت الذي قام فيه بلير منذ ذلك الوقت بممارسة مهنته المربحة في العمل مع الديكتاتوريين".
ويبين الكاتب أن "الكثير ممن شجعوا هذه الحرب لا يبدون أي ندم، وبعضهم قاطع زعيم حزب العمال جيرمي
كوربين، الذي نشط ضد بريطانيا في دعمها لصدام حسين، عندما قتل الأكراد بالأسلحة الكيماوية، في ثمانينيات القرن الماضي، وفي غزو عام 2003، عندما تحدث في البرلمان حول ما توصل إليه تحقيق تشيلكوت".
ويخلص جونز إلى القول: "يستمر الرعب، فمن جملة ما يتحمل بلير مسؤوليته التفجير الإرهابي الذي وقع خلال عطلة نهاية الأسبوع، وقتل 250 شخصا في بغداد، حيث إن هذه الحرب لم تكن مجرد خطأ فادح، ولا سقطة ولا غلطة، مهما حدد القانون، إنها كانت –من وجهة نظر أخلاقية– إحدى أخطر الجرائم في وقتنا، وسيبقى المسؤولون عنها مدانين إلى الأبد، ويمكن تحديدهم بعد اليوم بالاسم".