في
الاقتصاد المصري كثير من المضحكات المبكيات وليس الضحك كالبكاء، تجد المظالم التي بنتها السياسات الاقتصادية على مدار عقود طويلة بعد ثورة يوليو 1952 أثرت في هيكل الاقتصاد المصري.
في هذه الأيام تحل الذكرى 64 لثورة يوليو التي قامت من أجل اقتلاع الظلم الذى عانى منه المصريون كثيرا فوجدو أن الظلم تحول من صورة ألى صورة أخرى، فقد كرست قوانين ثورة يوليو مظالم اجتماعية واقتصادية جائرة حالت بين طبقات المجتمع وأورثت الشقاق والأحقاد بين الناس.
وأكبر مثال واضح على ذلك هو قانون تحديد القيمة الإيجارية الذي صدر عام 1962، وهو قانون جائر بامتياز جعل المالك يتسول من المستأجر حقه ورغم تغير العديد من القوانين وتحول النظام الاشتراكي في مصر إلى مسخ من النظام الرأسمالي إلا أن أصحاب القوى الاقتصادية وأصحاب العلاقات الاقتصادية بالسلطة تحول دون إحداث أي إصلاحات جوهرية وحقيقية في هيكل الاقتصاد المصري.
فرغم تغير قوانين ملكية الأراضي الزراعية فى عام 1992 وإعطائه مهله لمستأجري الأرض 5 سنوات لترك الأراضي لأصجابها تنتهي بحلول 1997، فقد ترك الفلاحون الأراضي الزراعية لمالكيها وتم تحرير إيجارات الأراضي الزراعية وتركها لقوانين العرض والطلب حتى تم تحرير أسعار الإيجارات، إلا أن قانون إيجارات المساكن القديمة ظل جاثما فوق صدور المصريين هذا القانون يقوم على إذلال الملاك والاحتيال على أرزاقهم ودخولهم وثرواتهم لهم ولأولادهم.
رغم أن ألف باء الاقتصاد هو أن تكون للأفراد الحرية في التملك والتصرف ونقل الملكية للغير، إلا أن الاقتصاد في مصر يطبق حرفا ويترك آخر، ومع أن مصر كانت قد التزمت أوائل التسعينيات بتطبيق قواعد السوق والسماح بحرية الأفراد في التملك والتصرف، إلا أن ترزية القوانين المصرية أبوا أي تغيير في قانون إيجار المباني السكنية القديمة.
ومن هنا استغل المستأجرون وقاموا بتسكين الشقق التي يدفعون إيجارا لا يتجاوز 10 جنيهات شهريا، ولم تتغير القيمة الإيجارية للمساكن القديمة حتى الآن، ليس هذا فحسب بل إن المستأجر يورث العقار لأولاده مما يضيع دخلا مستحقا للمالكين، وفي كثير من الأحيان يكون المالك محتاجا لعقاره لأسرته أو لأحد من أولاده ولكنه يقف عاجزا حائرا أمام هذا القانون الجائر، فليس له بد إلا أن ينفس عن كربه بالحقد والحسد على هذا المجتمع.
السؤال هنا، من يقوم بإيجار هذه المساكن؟ إنهم علية القوم الذين يأكلون سحتا برخصة القانون، في حين يقومون بتأجير شققهم وعماراتهم الحديثة بآلاف الجنيهات مما يضيعون قيمة إيجارات ما تقارب بـ150 مليار جنيه سنويا.
العجيب هنا أن معظم هؤلاء المستأجرين يمتلكون شققا بديلة في أماكن أخرى، وغالبا ما يؤجرونها بمبالغ باهظة للأفراد أو الشركات، وبالطبع فإن هذه المظالم لا ترى طريقا إلى الحل لا لشيء إلا لأن المستأجرين هم أصحاب النفوذ والسلطة في المجتمع.
ومن المظالم الأخرى في الاقتصاد تضاؤل قيمة العمل لصالح المضاربات فأصبحت قيمة الأرض أعلى من قيمة العمل فانشغل الناس بالمضاربات دون الإنتاج، على سبيل المثال تجار العملة في مصر يحققون أرباحا هائلة من قبل المضاربات في الدولار مما يضر الاقتصاد ككل من تدهور حاد في قيمة العملة ورفع جنوني للأسعار تلتهم دخول البسطاء من الشعب المطحون.
ونرى شكلا آخر من الظلم مرتبط بسياسات الحكومة الجائرة في توزيع الدخول والمرتبات على المواطنين، فليس بخاف أن مرتبات العاملين في الجهات السيادية والقضاء والإعلام والجيش والشرطة تبلغ أضعاف مرتبات المواطنين في الوطائف العادية وزاد الكلام من قبل على الحدود الدنيا والقصوى للمرتبات ولكن لا جدوى ولم تطبق السياسات ففي مصر يمكن أن تجد الحد الأدنى للمرتبات 500 في الشهر وتجد آخرين بمرتبات مليون جنيه شهريا.
وتهدم الحكومة بهذه السيسات كل بنيان الاقتصاد فالتفرقة بين فئات المجمع تولد عنصرية بغيضة داخل المجتمع في ظل عدم عدالة توزيع الدخول المتعمدة من قبل الحكومة والتي تخلق أمراضا اقتصادية كالرشوة والمحسوبية والوسطة والحقد والحسد بين المصريين. والحكومة بذلك تزيد من الظلم والمظاليم بين المصريين.