نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلتها أريكا سولومون، تتحدث فيه عن هزيمة
تنظيم الدولة في مدينة
الموصل في
العراق.
وتقول الكاتبة إن "القوات الجهادية تواجه آخر ساعاتها في الموصل، في الوقت الذي تقوم فيه القوات العراقية بعملية تنظيف آخر معاقله في المدينة، وتتم محاصرة عاصمته
الرقة في
سوريا، ويبدو أن نهاية حكم التنظيم قريبة".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أعلن يوم الاثنين "الانتصار الكامل" على تنظيم الدولة في الموصل، مستدركا بأنه خلال الحرب ضد تنظيم الدولة، الذي قام بإعادة تشكيل نفسه من قبل، فإن التحدي الأكبر لن يكون هزيمة التنظيم بقدر ما هو منعه من النهوض ثانية.
وتفيد الصحيفة بأن القوات الأمريكية قامت عام 2006 بالتعاون مع رجال القبائل بهزيمة التنظيم المسمى الدولة الإسلامية في العراق، والمنبثق من تنظيم القاعدة، مشيرة إلى أنه بعد ذلك بثماني سنوات استغل الجهاديون الفوضى بسبب الحرب الأهلية السورية؛ للتجمع ثانية من خلال تنظيم الدولة في العراق والشام، وصدموا العالم باحتلالهم للموصل وبلدات وقرى شمال العراق وشرق سوريا.
وتلفت سولومون إلى أن القوات العراقية تقوم اليوم، بالتعاون مع التحالف الذي تقوده أمريكا، باستعادة السيطرة على المناطق كلها، ما عدا 6% منها.
وينقل التقرير عن المحلل العراقي المتخصص بالتمرد هشام الهاشمي، قوله: "هذا انهيار لا عودة عنه.. وأتوقع نهاية للمعركة مع منتصف أو نهاية عام 2018، ثم ستتحول هذه من معركة عسكرية إلى حرب مجتمعية".
وتذكر الصحيفة أن مناهضي تنظيم الدولة يخشون أن يكون المتطرفون قد مهدوا الطريق لتنشيط التمرد، حيث أثبتت التجارب السابقة بأن عمليات القتل الانتقامي الوحشية تعني أن بعض المواطنين قد يخشون مقاومة المتطرفين الموجودين.
وتكشف الكاتبة عن أنه يعتقد أن العديد من أعضاء تنظيم الدولة اختلطوا بالمدنيين الفارين، حيث سيكون هدفهم الآن هو زعزعة استقرار المناطق التي أعيدت السيطرة عليها، لافتة إلى أن هناك زيادة في المتفجرات التي يزرعها التنظيم بجانب الشارع، والتفجيرات الانتحارية في البلدات التي تقع جنوب الموصل، بما في ذلك على مخيمات اللاجئين.
ويذهب التقرير إلى أن "بعض المسلمين السنة في العراق وسوريا قد يحتفظون بشيء من التعاطف مع تنظيم الدولة، الذي يصور نفسه على أنه المدافع عنهم في حرب طائفية بين السنة والشيعة، وهناك الملايين من السنة الغاضبين من الضربات المميتة لقوات التحالف لا يزالون مشردين من الحرب، وهم هدف سهل للتطرف".
وتبين الصحيفة أن المعارضين في سوريا يخشون من أن أعضاء تنظيم الدولة يفرون إلى جبهة تحرير الشام، التي سبق وأن كانت مرتبطة بتنظيم القاعدة، الذي يسيطر على إقليم إدلب الجبلي في شمال غرب البلاد، ويتوقعون أن بعض مقاتلي تنظيم الدولة قد يحاولون الاستيلاء على تلك المناطق بالقوة، أو من خلال الانضمام إلى تنظيم حارب معهم من قبل، مشيرة إلى أنه "إذا حصل أي من التوقعين فإن التضاريس الوعرة لهذه المنطقة تعني أن إعادة السيطرة عليها ستكون أكثر صعوبة، حتى مع الدعم الجوي الأمريكي".
وتقول سولومون إن "تنظيم الدولة حضر للخسائر المادية التي يتكبدها اليوم لمدة عام على الأقل، حيث نقل كبار كوادره إلى إقليم دير الزور الغني بالنفط شرق سوريا، خاصة بلدة ميادين والبلدات الصحراوية على امتداد الحدود السورية العراقية".
وتضيف الكاتبة أنه "من ناحية نظرية، فإن هذا الأمر يعرض تنظيم الدولة للهجوم من التحالف الذي تقوده أمريكا، ومن التحالف الذي أقامته إيران وروسيا مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، لكن بدلا من ذلك قد يستفيد تنظيم الدولة من التوتر المتصاعد بين الأطراف".
وينوه التقرير إلى أن القوات التي تدعمها إيران بدأت في الهجوم باتجاه القاعدة العسكرية التي تسيطر عليها القوات الأمريكية في شرق سوريا، في الوقت الذي قامت فيه القوات الأمريكية بإسقاط طائرة سورية كانت تعمل بالقرب من الخطوط الأمامية مع تنظيم الدولة.
وتشير الصحيفة إلى أن تنظيم الدولة أطال مدة القتال، وعانى من خسائر مادية كبيرة للحصول على مكاسب رمزية، حيث قال فارون حديثا من التنظيم بأن الاستراتيجية هي أن يترك التنظيم مجموعة من المقاتلين يصمدون حتى النهاية، ومعظمهم من المجتمع المحلي، لافتة إلى أن المنطق الذي يحكمهم بسيط، وهو: لا مكان يهربون إليه، ولن يجدوا الرحمة في الاستسلام.
وتلفت سولومون إلى أنه حتى في البلدات الأقل أهمية استراتيجية، فإن المعارك تستمر، حيث أخذت عملية استعادة الموصل حوالي تسعة أشهر، وظهرت صورة ما يحصل فيها من ارتباك.
ويفيد التقرير بأن أمريكا تدرك مخاطر التنافس على النفوذ عند تحقيق الانتصار، مشيرا إلى أن قائد العمليات البرية للتحالف الجنرال ستيفين تاونزإند أثنى في تهنئته لقوات الأمن العراقية على استعادتهم الموصل، على المليشيات العراقية والبيشمركة الكردية؛ لدورهما في الحرب.
وقال في بيان يوم الاثنين: "الآن هو الوقت الذي يجب على جميع العراقيين أن يتوحدوا فيه للتأكد من أن تنظيم الدولة هزم في بقية العراق، وألا يسمحوا للظروف التي نشأ فيها تنظيم الدولة أن تعود ثانية.. كونوا على ثقة بأن هذا الانتصار وحده لا يضمن القضاء على تنظيم الدولة، ولا يزال هناك قتال صعب ينتظرنا"، وحذر من احتمال اختباء مقاتلين من تنظيم الدولة في المدينة القديمة.
وتقول الصحيفة: "أما بالنسبة للمتعاطفين المحتملين، فإن المشهد يظهر قوات جهادية تثبت في مقاومة مثيرة للإعجاب ضد حملة تدعمها القوى عظمى في العالم".
وتورد الكاتبة نقلا عن الباحث في المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي في لندن تشارلي ونتر، قوله: "كثير مما رأيناه في الأشهر الأخيرة كان يتعلق بتعريف الرواية الصحيحة.. فلم يستطع التنظيم ترك مدينة الموصل، وكان التنظيم ترك الموصل، وكان على مقاتليه أن يظهروا كأنهم يقاومون مقاومة مميتة".
وينوه التقرير إلى أن إعلام تنظيم الدولة قام بالإعلان يوم الأحد عن أن المقاتلين المحاصرين في الموصل تعاهدوا على الموت، حيث كتب أحد مؤيدي التنظيم في مجموعة على "تلغرام": "قاتل مجاهدو تنظيم الدولة حتى الموت للدفاع عن الموصل.. فماذا فعلتم أنتم لحماية الخلافة؟".
ويقول الهاشمي إن المزيد من الهجمات الانتقامية في أوروبا تبدو حتمية، ويضيف: "أتوقع هجوما كبيرا في المستقبل القريب في أوروبا".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الفارّين من تنظيم الدولة في العراق يرفضون التصديق بأن هذه الملحمة الطويلة قد انتهت. وفي رحلة قريبة للصحيفة إلى الموصل، حاول قائد في الجيش العراقي إقناع عائلة في منطقة تمت استعادتها بأن يرووا قصتهم، لكنهم رفضوا، فقال لهم مبتسما: "لا تخافوا، لقد ذهب تنظيم الدولة"، فرد عليه الأب: "أنت مخطئ.. إنهم لم يغادروا".