لا نعرف الحدود الجغرافية، للقيادي الإخواني "
محمد سودان" وقد رزقه الله بسطة في الجسم؟!.. ولا نعرف متى يكون معبراً عن الجماعة، ومتى يعبر عن ذاته؟
في العام الماضي أعلن "سودان" أن ثورة يناير ما هي إلا مؤامرة من المخابرات العسكرية، استدرج لها الإخوان، وقبل أيام
قال في قناة "الحوار" إن انتخابات 2018 فرصة أمام الجماعة، بعد أن أشار إلى أن لجماعته (90) ألف معتقل، وهي إشارة في السياق لا تخطئ العين دلالتها!
عندما قال "محمد سودان" في مقابلة بتلفزيون "العربي"، إن يناير مؤامرة، قيل لنا إنه يعبر عن نفسه، وعندما طالب الجماعة باقتناص فرصة الانتخابات الرئاسية في 2018، قال هو أن هذا هو رأيه الشخصي، وليس رأي الجماعة، ليكون السؤال: هل هذا هو رأيه الشخصي فعلاً؟!
من سمات الأحزاب، والجماعات، وسائر الحركات التنظيمية، أن الآراء الشخصية تعلن بداخلها، ليكون الالتزام بما تم الاتفاق عليه، وهو ما يعرف حزبياً بالالتزام الحزبي، وما يعرف إخوانيا بالسمع والطاعة والذي يتجاوز مبدأ الالتزام الحزبي، ولهذا كان طبيعياً أن تلتزم الجماعة بالقرار المتخذ بالمشاركة في ثورة يناير، مع أن القرار اتخذ بأغلبية بسيطة داخل مكتب الإرشاد، وكان طبيعياً كذلك أن تلتزم الجماعة بقرار المشاركة في الانتخابات الرئاسية، ولم يشذ عن ذلك الذين كانوا ضد المشاركة، وهو القرار الذي حصل على أغلبية متواضعة بعد مرتين من الرفض!
ولا أعرف في أي تقليد تنظيمي، يكون لقيادة بحجم "محمد سودان"، آراء خاصة في قضايا كبرى مثل الموقف من يناير، والموقف من الانقلاب العسكري، ثم يبقى في التنظيم أو يُسمح له بالاستمرار فيه؟!.. والحجم هنا راجع إلى الموقع التنظيمي الذي يشغله!
فأن يكون رأي قيادة تنظيمية كبرى مثل "سودان"، في ثورة يناير أنها مؤامرة وعمل مخابراتي، وأن جماعته تم استدراجها، وأن يكون لهذه القيادة التنظيمية الكبرى رأي بالاعتراف بشرعية الانقلاب، ثم يبقى في الجماعة، أو تبقى الجماعة عليه، فإن هذا يعد بدعاً، وغير مسبوق في تاريخ الأحزاب والتنظيمات السياسية، ما لم يكن الرجل يعبر عن تيار معتبر داخل تنظيم الإخوان المسلمين، وأن ما صرح مؤخراً هو تعبير عن رؤية تم التوافق عليها، والاعتراف بأن ثورة يناير مؤامرة من المخابرات الحربية، لابد وأن ينتهي إلى العودة إلى ما قبل هذه المؤامرة، عندما كانت الجماعة تلعب في الحدود المتاحة لها من قبل النظام الحاكم، فيسمح لها بخوض الانتخابات، فتندفع إليها لتحصل على (88) مقعداً، أو (17) مقعداً، أو صفراً من المقاعد، بحسب ما تسمح به السلطة.
ومن هنا تكون ثورة يناير، في التوصيف خطأ مطبعياً في مسيرة الجماعة، وعليها بالتالي أن تعود لتاريخها الطبيعي. والإعلان في المرتين ليس لواحد من آحاد الإخوان في اجتماع لأسرته، ولكنه صدر من قبل قيادة عليا، عبر منبرين إعلاميين لهما وزنهما، ولا يبرر هذا التصرف بأنه قال أنه يقدم رؤيته الخاصة، فالخلاف في موضوعات جوهرية، وقضايا إستراتيجية، لا يجوز حياله أن يستمر الرجل في موقعه، فإن لم يغادر حمله التنظيم على المغادرة، وهناك موقف أهون من موقفه اتخذه كمال الهلباوي في لندن، حيث يعيش "سودان"، كان سبباً في فصله من الجماعة، رغم أنه له قدم صدق في التنظيم، و"سودان" هو مجرد نفر خدمته المصائب، فصار من القيادات!
المعنى عندي أن "محمد سودان"، يعبر عن تيار له وضعه داخل الجماعة، ومن هنا يجوز لنا أن نناقشه بهذه الصفة، لأننا في المرة الأولى صدقنا أنه يعبر عن رؤيته الخاصة بأن ثورة يناير عمل مخابراتي قامت به المخابرات الحربية، فلم نتعرض له بحرف!
فهل فعلاً أن انتخابات 2018 تعد فرصة للإخوان؟!
القول بأن هذه الانتخابات فرصة وجب على الجماعة اقتناصها، يعتبر اعترافاً بمشروعية المسار السياسي الذي بدأ بانقلاب 30 يونيو، وهو عند "سودان" تصحيح مسار خاطئ منذ البداية، فقد خاض الإخوان الانتخابات الرئاسية، لأنهم شاركوا في الثورة، ألا وقد تبين أنها مؤامرة وليست ثورة، وأنهم استدرجوا ولم يشاركوا، وأن المخابرات الحربية هي من قامت بالمؤامرة فمن حقها أن تصحح المسار، فتعزل الجماعة المغرر بها، وتحكم هى، ومن ثم يعد هذا التصور تنازلاً عن شرعية الرئيس محمد مرسي، لأنه لم تكن له شرعية ابتداء، فقد استدرج إلى مؤامرة، وليس للمستدرج شرعية من أي نوع!
وإذا كانت المخابرات الحربية، قامت بتصحيح المسار في 30 يونيو 2013، على قاعدة "ثورتنا ردت إليها"، فهل يجوز لجماعة الإخوان أن تصحح الخطأ الذي ترتب على استدراجها في مؤامرة، باعتبار أن الانتخابات الرئاسية في 2018 فرصة لها لتصحيح خطأ الاستدراج؟!
في البداية كنت أعتقد أن الدكتور "سودان"، يقترح أن يخوض الإخوان الانتخابات القادمة بمرشح، لكن بعد أن انتقلت من العنوان للمتن، وجدت اقتراحه يتمثل في استغلال الخلاف بين أنصار مبارك والسيسي، في تعزيز موقف خصوم السيسي بالتحالف معهم أو انتخابهم، وهى فكرة عبقرية فعلاً، لاسيما وأنه ذكرنا بوجود (90) ألف معتقل، ولا أعرف من أين جاء بهذا الرقم والشائع أن أعداد المعتقلين (40) ألف معتقل فقط، ومهما كان العدد فيُشكر "سودان" لأنه مهموم بهم، ويفكر في إخلاء سبيلهم، ولو بالتحالف مع أنصار مبارك!
ويفهم من هذا التصور، أنه البحث عن سادات جديد، أو وريث لدولة مبارك، يفرج عن المعتقلين، كما فعلا في بداية ولايتهما، فأي حاكم جديد لمصر سيقدم بلا شك على هذه الخطوة، لكن فات "محمد سودان"، وهو يتنازل بدون مقابل، فلا توجد ضمانات، ليس فقط لنجاح مرشح دولة مبارك بتحالف الإخوان معه، ولكن بقدرة البديل على الترشح، فخوض الانتخابات في حد ذاته ليس قرار جماعة مبارك، لأن "عقدة النكاح" بيد غلام أبي ظبي، وإذا تقرر التخلص من السيسي، على غير قواعد الإرادة المصرية الخالصة، فإن القادم بالإرادة الإماراتية سيأتي بأزمة الإمارات مع الإخوان، فلن يسمح للجماعة بالتواجد، ولو بعيداً عن السياسة وبالقرب من ساحات الدعوة، وحتى قضية المعتقلين لن تحل بسهولة، فالعدو الإقليمي، يخوض ضد الإخوان حرب إبادة!
وإذا كان من يحسبون على حشد 30 يونيو أنفسهم يترددون في التعامل مع الانتخابات القادمة، لأنها بلا ضمانات، فيعد التعامل معها من قبل "قيادي إخواني" على أنها فرصة هو عبث، لا يليق بواحد من قيادات تنظيم بحجم جماعة الإخوان المسلمين، لأنه هنا يتنازل طواعية عن ما في يده بحثاً عما في جيبه، اللهم إلا إذا كان ما يعني مجموعة لندن، هو القفز في الفراغ للتخلص من الأزمة المصرية بأي شكل بما يضمن استقرار الموقف الغربي من الجماعة، فيضمنوا "العيشة الهنية واللقمة الطرية"، لأن هذا التصريح يعني الإجهاز النهائي على فكرة الثورة، وإشارة للسيسي لعله يلتقطها، فات القوم من مجموعة لندن، أن القضاء على الحراك الثوري، مكن السيسي من المضي قدما في مخططه وهو استئصال جماعة الإخوان، فهى حرب إبادة وليست نزاعاً على السلطة!
انتخابات 2018، قد تكون فرصة عند انخفاض سقف المطالب إلى الإفراج عن المعتقلين، ولكن بضغط ثوري يجبر الغرب على الإشراف على الانتخابات، فيجري تدوير الانقلاب، وذلك خوفاً من ثورة تطيح بالسيسي، وتطوي صفحة الثورة المضادة تماماً.
إن المشكلة أكثر تعقيداً من أن يتم النظر إليها بهذا التصور المغرق في السطحية، ولا توجد عندي مشكلة في أي تصور يتبناه القوم، شريطة أن يكون واضحاً بدون لف أو دوران، وبدون الاختباء في عباءة المواقف الشخصية، التي هي ليست شخصية ولا يحزنون!
ألا أدلكم على الأسلوب الأنجع الذي يضع العربة أمام الحصان، ويمثل هزيمة استراتيجية للسيسي؟
حل الجماعة، عندئذ لن تخف القوى الأخرى من الخصم الاخواني، ولن تجد القوى الإقليمية والدولية مبرراً لاستمرار السيسي في الحكم!
فماذا خسر الاخوان بحل التنظيم في قطر؟ وماذا سيخسر الإسلام بحل جماعة الإخوان المسلمين؟!
"حلوها وفضوها سيرة"، لعلنا نخرج من تلك الدوامة التي دخلتها مصر منذ 1952، وإلى الآن العسكر والإخوان!
ملحوظة: عندما انتهيت من كتابة هذه السطور قرأت تصريحات للدكتور سودان ينفي فيه ما نشر على لسانه، مع أن المنشور هو صوت وصورة، فأيقنت ساعتها أننا إزاء حالة ميئوس منها!