يحرص زعماء العالم على الظهور في بؤرة الأحداث لإعطاء صورة عن تماسك الدولة وتطمين المجتمع، ولكن قادة الانقلاب في
مصر لا يسيرون على هذا النهج على ما يبدو.
وعلى سبيل المثال؛ وفي 26 تموز/ يوليو 2016، زار الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، ووزير داخليته برنار كازنوف؛ موقع كنيسة ببلدة سان إتيان، والتي شهدت عملية احتجاز رهائن أسفرت عن مقتل كاهن الكنيسة، ومنفذي العملية.
وزارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، موقع حادث الدهس ببرلين، في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2016، والذى راح ضحيته 12 شخصا وأصيب فيه 50 آخرون.
وتفقدت ولية العهد السويدية الأميرة فيكتوريا، وزوجها الأمير دانيال، موقع حادث الدهس بأحد شوارع ستوكهولم، والذي قتل فيه 4 وأصيب 10 أشخاص، في 7 نيسان/ أبريل 2017.
أما في مصر، وبعد وقائع الهجوم على كمائن الجيش والشرطة بشمال سيناء في "كرم القواديس" و"الشيخ زويد" الأحد، وعلى البنك الأهلي بالعريش الاثنين، وما قبلها من
هجمات، أو حتى كوارث مثل حوادث القطارات بالبلاد، لم تسجل عدسات الكاميرات حضور قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي أو قيادات الانقلاب العسكري في مكان الأحداث.
وكانت مجموعة مسلحة مكونة من ثمانية أشخاص، يستخدمون سيارة دفع رباعي وثلاث دراجات نارية، قد اقتحمت قلب مدينة العريش صباح الاثنين، وقامت بسرقة خزينة البنك الأهلي الحكومي بعد اشتباكها مع عناصر الأمن، ما خلف ستة قتلى و17 جريحا.
وسبق هجوم العريش بساعات هجوم مسلح على حاجزي تفتيش لقوات الجيش والشرطة بكرم القواديس والعجرة، مدينة قرب الشيخ زويد بشمال سيناء، ما أدى لمقتل ستة من عناصر الجيش وإصابة آخرين.
ورغم عدم حضور السيسي وكبار قادة الجيش إلى شمال سيناء، إلا أنهم يحرصون على تأبين ضحايا الهجمات، من ضباط الجيش والشرطة والقضاة والأقباط، فيما شارك السيسي بنفسه في بعض تلك الحالات، ومن بينها تشييع ضحايا هجوم الكنيسة البطرسية في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2016.
سببان
وأرجع الكاتب والمحلل السياسي، سيد أمين، عدم حرص السيسي وقيادات الانقلاب على التواجد في البؤر الساخنة إلى عاملين أساسيين، أولهما "أنهم يدركون أن ما يتحدثون عنه من انتصارات بمحاربة
الإرهاب هي انتصارات وهمية، وأن الإرهاب الذي كان محتملا قد أصبح واقعا لا يستطيعون دحره، وبالتالي لا يستطيعون تحقيق انتصارات عليه إلا عبر الخداع والتضليل الإعلامي"، بحسب تعبيره.
أما السبب الثاني، بحسب أمين، فهو "أنه لا يعنيهم الشعب الذي يموت في أي ركن في مصر، بينما يهتمون فقط بالشعب الآخر من النخب المختارة للعسكريين والقضاة والشرطة والإعلاميين والفنانين ورجال الأعمال".
وأشار أمين لازدواجية النظام في مثل تلك الأحداث، وقال: "لقد عهدنا هذا النظام منذ أن أطل علينا؛ لا يكترث بالفقراء ولا بدمائهم مطلقا، حتى إن الإعلام الرسمي حينما يتحدث عن عملية إرهابية ويصاب عسكريون ومدنيون؛ لا يذكر الضحايا المدنيين أصلا، ويكتفي بتمجيد العسكريين والترحم عليهم".
وأوضح أن "جرأة السيسي في المسارعة لزيارة الكنائس في الحوادث الإرهابية يأتي في سياق أكبر، وهو أنه يعتبر تمسك المسيحيين به هو السبيل الوحيد لبقائه وكسب شرعيته عالميا"، كما قال.
"جُبن المنقلب"
أما الصحفي المصري وعضو نادي الصحافة الأوروبي، جمال علام، فقد أكد أن من يحكمون مصر الآن "هم أجبن ما يكون"، مشيرا إلى أنهم "يبنون أسوارا ليختبئوا خلفها"، في إشارة إلى أسوار العاصمة الإدارية الجديدة التي يبلغ ارتفاعها سبعة أمتار.
وقال علام لـ"
عربي21": "من الطبيعي أن يخاف المنقلب والحرامي السارق للشيء دائما من الظهور"، مؤكدا أنه كان سينتخب السيسي في حالة أنه ذهب إلى رفح والعريش بعد هجومي الأحد والاثنين، والتقطت له الكاميرات بعض الصور بين الناس "كما يصنع زعماء العالم إثر أية عمليات إرهابية أو كارثة طبيعية"، وفق قوله.
وحول عدم حرص السيسي على تلك اللقطة الغائبة، رغم أنه كان بإمكانه الاستفادة منها داخليا وخارجيا، قال علام: "السيسي لا يستطيع أن يفعل كما زعماء العالم؛ لأن خوفه أكبر من شجاعته، ولأنه يعرف أنه مطلوب"، بحسب تعبيره.
تهجير قبل التنازل
من جانبه، أكد الناشط السياسي، وجدي رافاييل، أن "النظام استنفد كل الحجج الممكنة ليقدمها للشعب في تبرير نقاط ضعفه وتخاذله في الدفاع عن شعبه في الأنحاء المنكوبة من البلاد".
وقال رافاييل لـ"
عربي21": "هناك شبه تسليم واعتراف من النظام بالأمر الواقع، وبأن التهجير هو الحل الوحيد في سيناء؛ تمهيدا للتنازل عنها بحجة عدم قدرة الدولة السيطرة عليها".
وأضاف أنه في ظل تلك الأوضاع، فإنه "ليس من المعقول أن نطلب منهم (السيسي وقادة نظامه) التواجد؛ هناك وأخذ ما يسمى باللقطات لقول الكلام المخجل لهم ولقواتهم العسكرية والشرطية"، بحسب تعبيره.
ورأى رافاييل أن "الأمر الواقع يستوجب الجلاء الرسمي قريبا من هذه الجهات، بموجب اتفاقات سنسمع عنها قريبا بين النظام والأطراف التي ستصبح معنية هناك؛ بحكم الأمر الواقع الذي فرضه تنظيم الدولة علي الأرض"، كما قال.
"شبه دولة"
وعلق عضو حزب الوسط المصري المعارض، مجدي عمارة، بجملة واحدة، لـ"
عربي21"، قائلا: "إننا لسنا في دولة بل شبه دولة"، في إشارة لقول السيسي في حزيران/ يونيو 2016: "دي مش دولة حقيقية دي شبه دولة".