"الخلاصة" في مقال "ياسر رزق" أن تعديل
الدستور بما يُمكن عبد الفتاح
السيسي من البقاء على رأس السلطة أمر ليس مقطوعاً به، وأن مغادرته للقصر الرئاسي أمر وارد ويتم التفكير فيه بجدية!
كتبت أكثر من مرة عن إشكالية تعديل الدستور، وأن الطريق ليس ممهداً، على الأقل الآن، ورغم أنني قلت إني لا أخاطب أيا من الذين تمكنت منهم الهزيمة، حتى ظنوا أن أمر تعديل الدستور هو بين الكاف والنون، فإن هناك من علق بأني أحلم، فالسيسي قوي ومسيطر، وأن الأمر جميعاً قبضته. ولا شك أن هؤلاء المهزومين صاروا خبالاً ومعوقاً لأي تفكير حر، بما يحبط أي تحرك من شأنه أن يطوي صفحة السيسي، ولو من باب الأخذ بالأسباب!
هؤلاء هم الامتداد الطبيعي لتيار كان ينظر لقدرة جمال عبد الناصر في القبض على الشيوعيين والإخوان، في ليلة، ثم ينظر للقدرة على ممارسة التعذيب البشع، فيظن أن عبد الناصر لا يقدر عليه أحد، فاستسلموا له استسلام النعاج، ليقوى بعد ذلك بالهزيمة، ويعتبر نكسة حزيران/ يونيو 1967 رمية بغير رام؛ دفعت الشعب للالتفاف حوله، ولم يخلصهم منه سوى ملك الموت، في حين أن البأس كان شديداً بين عبد الناصر وأقرب المقربين إليه، سواء عبد الحكيم عامر أو صلاح نصر، وكان بالإمكان أن ينقلب عليه الجيش، وذلك منذ سنة 1962، وكان هو خائفاً يترقب، لتضيع هذه الفرصة ضمن الفرص الكثيرة الضائعة، لم تبدأ بالخلاف مع محمد نجيب، ولم تنته بمحاولات الانقلاب التي بدأها سلاح الفرسان، ولأنه كان يفتقد للظهير الشعبي فقد فشلت المحاولة، مع أنه انقلاب كان يدعو لعودة الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية!
"ياسر رزق" ليس مجرد كاتب مؤيد للسيسي، أو مقرب منه، فهو "كليمه". وقد أفادت "التسريبات" أن السيسي إذا كان يتكلم فلا مناقش في حضرته، غير أنه يستمع لرزق باهتمام، ولعله الوحيد الذي يحظى بهذا القرب، فإخلاصه ليس محل شك، ومنذ الثورة. وقد حول جريدة "الأخبار"، التي كان يتولى رئاسة تحريرها، إلى صحيفة للمجلس العسكري، (هكذا وصفتها)، ولهذا لم يقبل الإخوان شفاعة العسكر - وعلى غير العادة - في الإبقاء عليه رئيساً لتحرير "الأخبار" عقب تولي مرسي الحكم، بل إن الشاهد أنه لم يتقدم بطلب للجنة المشكلة لترشيح رؤساء المؤسسات الصحفية القومية، فإن لم ينجح العسكر في فرضه، فلن يتم اختياره عبر اللجنة!
لقد غادر "الأخبار" إلى "
المصري اليوم" وهي صحيفة خاصة، لكن بحركة الجيش في 3 تموز/ يوليو عاد مرة أخرى لمؤسسة "أخبار اليوم"، وعندما أقرأ له، فإنني أبحث عن الرسائل في مقالاته، وما بين السطور، باعتباره يعبر عن شخص عبد الفتاح السيسي، أبلغ ما يكون التعبير، وعندما كتب محذراً "جمال مبارك" من الخروج للشوارع، كان التهديد من السيسي، حيث يلتف حول الناس حول نجل الرئيس المخلوع، على نحو لافت لكفرهم بالحاصل الآن، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يسوقه حظه العاثر للتعامل مع حرم أبيه!
لقد وصلت الرسالة لجمال مبارك، فاستوعبها، وهو يدرك أنها ليست رسالة من كاتب، كان في يوم الأيام من أنصاره، وعينه رئيساً لتحرير مجلة "الإذاعة والتلفزيون"، قبل أن ينتقل في ولاية أبيه لمؤسسة "أخبار اليوم" في وقت كانت مصر فيه تستعد للتوريث!
لم يكن "جمال مبارك"، بحاجة لأن يقدح زناد فكره ليعلم أنه تهديد من قبل السيسي، ومن يوم صدوره فقد توقف عن الظهور، وإن استمر شقيقه الأكبر "علاء مبارك" يتحرك لكن بمفرده، فهو بلا طموح سياسي، ولا تتوافر النية لديه في أن يفكر فيما لم يفكر فيه في وقت حكم أبيه، فقد ترك السياسة لشقيقه الأصغر!
لقد كتب "ياسر رزق" مقالاً يوم الأربعاء الماضي في جريدة "الأخبار"، تحت عنوان: "أحاديث السياسة في رئاسة السيسي وما بعدها". والمقال من النوع "طويل التيلة"، صال فيه وجال عن محاولات الإخوان السابقة للمصالحة مع النظام، إلى أن وصل لمرحلة المبادرات، وهو وإن بدا وقد أغلق الباب تماماً، في وجه المصالحة، فإن قراءة ما بين السطور تكشف أنه ترك الباب موارباً، تماماً كما فعل السيسي مؤخراً، عندما أحال الأمر إلى الشعب!
بيد أن "رزق" في هذا المقال يرى أن الإخوان يفكرون لمرحلة ما بعد السيسي، ومن خلال الرئيس القادم، لكنه يهددهم بأن هذا لن يحدث، فعندما يغادر السيسي موقعه، فلن يجلس في بيته يشاهد التلفزيون. والمعنى الذي في بطن الكاتب، أن الرئيس القادم سيكون تحت الوصاية، فالسيسي باق وإن غادر القصر الجمهوري، لذا فعلى الجماعة أن تدور في فلكه. ودعك من الحديث عن أن المصالحة ليست بيد الرئيس ولكنها بيد الشعب، فهو في الحقيقة لم يذهب بعيداً عن رسالة السيسي التي أرسلها بنفسه في مؤتمر الشباب الذي انعقد مؤخراً!
مقال "رزق" لا بد أن تتدخل اليد لـ"تشفيته" من الدهن والعظم وما علق به من زوائد لا قيمة لها؛ مثل نجاح السيسي وحقد الإخوان على هذا النجاح المبهر، لندخل في صلب المقال، بدون حاجة إلى "البهارات" و"اللت والفت" وما لا قيمة له.
فالمهم في هذا المقال، أن التفكير الآن ليس في تعديل الدستور لفتح باب مدد شغل الموقع الرئاسي من مدتين إلى مدد، ولكن في مد الدورة الرئاسية من أربع سنوات إلى ست سنين، وهو ما أشرت إليه في مقالي الأخير في "الراية" القطرية، بعنوان: "محنة خلق الدستور"، وكأحد الخيارات المطروحة. والسيسي هنا يتعامل بمنطق أخف الضررين والاقتراب من نص يؤلب عليه المعارضة وقد يرفضه الخارج، وهو الخاص بالرئاسة مدى الحياة، ثم إن الأمر يدفع للتشاؤم؛ فالسادات قام بتعديل النص الدستوري المانع لبقائه في الحكم، فاستفاد منه مبارك ليبقى ثلاثين عاماً، في حين لم يكمل السادات دورته الثانية، وتم اغتياله قبل شهر وبضعة أيام من اكتمال ولايته الثانية، فلم يستفد من تعديل الدستور!
فالملاحظة الضرورية في مقال "رزق" أنه لم يتحدث عن بقاء السيسي لدورة جديدة (ثالثة)، وإنما قال لسنة 2024، أي بزيادة سنتين عن الدورة الحالية التي تنتهي في 2022، وربط هذا بإرادة الشعب!
لكن، لأن هذا المسار ليس مقطوعاً بالقدرة على المضي فيه قدما، فإن التفكير في بديل آخر وبشكل مواز، وهو استدعاء تجربة "بوتين"، وبرئيس صوري، مثل المؤقت "عدلي منصور"، وهو الخيار الذي طرحته في مقالي "محنة خلق الدستور". فبحسب "ياسر زق": "يتصور الإخوان أن السيسي حين تنتهي رئاسته في الموعد الدستوري الذي يرتضيه الشعب، سيجلس في منزله يشاهد التلفزيون أو يدون مذكراته، وسيكتفي بأن ينزوي في الظلال تاركا مصائر البلاد والعباد نهباً لأهواء أصحاب الهوى!".
والرسالة هي للإخوان كما أنها لغيرهم، حتى من المؤيدين للسيسي أو من المنتظرين لانتهاء هذه الدورة للانقضاض عليه من التيار المدني أو العسكري، فهو باق وإن غادر القصر الرئاسي.
ما كتبته ولم يقله "
ياسر رزق" أن السيسي يفكر في العودة وزيراً للدفاع، ومهما يكن فالمهم أن بقاء السيسي في
الرئاسة ليس مقطوعاً به، وأن قدرته على تعديل الدستور ليست بلا حدود، كما يروج الذين يروجون للهزيمة كما لو كانت قدراً، وأصبحوا المادة الخام لها!
إن قوى المعارضة مدعوة للتوافق على بند واحد، وهو رفض تعديل الدستور، سواء بالمد، أو بأن تكون مدداً، وأن تحتشد لتكون لها بدائلها، فلا تقبل بالسيسي رئيساً أو وزيراً، فنحن أمام فرصة أخشى أن تضاف لعشرات الفرص الضائعة!
إن طيّ صفحة السيسي لا يحتاج إلى تدخل القوى السفلية.