حكم القضاء المغربي،
ليل الجمعة السبت، على الصحافي توفيق بوعشرين بالسجن 12 عاما بعد إدانته بارتكاب
"اعتداءات جنسية"، وبدفع تعويضات مالية عن أضرار لحقت بـ8 ضحايا.
واستقطبت هذه المحاكمة
التي شهدت مجرياتها تطورات عدة، اهتمام الرأي العام والإعلام في المغرب على مدى
أشهر.
وأثارت القضية ردود
أفعال متباينة، بين من اعتبرها "محاكمة سياسية" ومن أكد على طبيعتها
"الجنائية".
وأوقف بوعشرين (49
عاما) في 23 شباط/فبراير الفائت في الدار البيضاء بمقرّ جريدة "أخبار
اليوم" التي يتولى إدارتها.
ولم تكُن تلك المرة
الأولى التي يُلاحق فيها أمام القضاء، إذ سبق أن حوكم سنة 2009 على خلفية نشر رسم
كاريكاتوري اعتُبر مسيئا للعائلة الملكية والعلم الوطني، وفي 2015 بسبب مقال اعتبر
"ماسا بصورة المغرب"، قبل أن يدان مطلع 2018 بـ"القذف" على
خلفية شكوى تقدّم بها وزيران في الحكومة.
لكنّ سبب ملاحقته هذه
المرة كان مختلفا، إذ أعلن بيان للنيابة العامة اتهامه "بارتكاب جنايات
الاتجار بالبشر" و"الاستغلال الجنسي" و"هتك عرض بالعنف
والاغتصاب ومحاولة الاغتصاب والتحرش الجنسي" و"استعمال وسائل للتصوير
والتسجيل".
ظلّ بوعشرين الذي عرف
بافتتاحياته النقدية ينكر هذه الاتهامات. وعندما منحه القاضي في محكمة الاستئناف
بالدار البيضاء (غربا) حقّ الإدلاء بكلمة أخيرة الجمعة، قال إنه ضحية "محاكمة
سياسية بسبب قلمه" كما أفاد محاميه محمد زيان وكالة فرانس برس.
وأضاف زيان أن موكّله
كان "هادئا وواثقا من نفسه"، وأنه أبدى في كلمته الأخيرة أسفه لأنّ
"معنى حرّية الصحافة لا يزال غير مفهوم في العالم العربي".
اقرأ أيضا: هذا ما قاله خاشقجي لصحفي مغربي قبل اعتقاله
وأشار بوعشرين إلى أنه
"علم من مصادر حكومية أنّ السفارة السعودية تقدمت بشكوى لدى رئيس الحكومة
المغربية تحتج فيها على افتتاحيات انتقد فيها سياسات ولي العهد السعودي محمد بن
سلمان".
وأضاف عبد المولى
المروري من هيئة الدفاع عن بوعشرين، أنّ الأخير ذكّر في كلمته بـ"السياق
الوطني والدولي الذي جاءت فيه محاكمته، في إشارة إلى الانتقادات التي عبّر عنها
تجاه سياسات ولي العهد السعودي وبعض المسؤولين المغاربة مثل وزير الفلاحة عزيز
أخنوش".
لكنّ المحكمة لم تقتنع
بدفوعات بوعشرين وأدانته وحكمت عليه بدفع تعويضات ماليّة لـ8 ضحايا، تتراوح بين
100 و500 ألف درهم (بين 9000 و46 ألف يورو)، بينهنّ ثلاث سيّدات اعتبرتهنّ ضحايا
جريمة اتجار بالبشر.
وقال عضو دفاع الطرف
المدني محمد كروط لفرانس برس، إنّ هذه التعويضات "لا تناسب حجم الأضرار التي
لحقت بالضحايا".
وتابع "لا أرى
أية علاقة بين التعبير عن آراء أو مواقف سياسية وارتكاب اعتداءات جنسية. نحن إزاء
ملف جنائي يتضمن وقائع ثابتة وضحايا".
استند الاتّهام إلى
شكويَين من امرأتين تتّهمان الصحافي بالاعتداء عليهما جنسيًا، إضافة إلى تصريحات
ثلاث سيّدات أخريات أكّدن التعرّض لاعتداءات من قِبله، فضلاً عن 50 تسجيل فيديو
أعلنت النيابة العامة ضبطها في مكتب بوعشرين لدى توقيفه وتعتبرها أدلّة إدانته.
وعرضت المحكمة في
جلسات مغلقة هذه الفيديوهات التي أظهرت "مشاهد فظيعة" و"محاولة
اغتصاب"، بحسب ما أفاد محام ينوب عن المشتكيات، بينما ظل دفاع بوعشرين يشكّك
في صدقية هذه الفيديوهات.
وأخضع الدرك الملكي
هذه الفيديوهات لخبرة تقنيّة، بطلب من النيابة العامة ودفاع المطالبات بالحق
المدني، خلُصت إلى أنّها "غير مفبركة". لكنّ دفاع بوعشرين اعتبر أنّ
الخبرة "لم تؤكّد أنه هو الذي يظهر فعلا في هذه الفيديوهات".
وأنكر بوعشرين في
كلمته الأخيرة أن يكون هو الشخص الذي يظهر في الفيديوهات التي عرضت أثناء المحاكمة
في جلسات مغلقة، مشيرا إلى أنه "لم يرَ سوى علاقات رضائية في أجواء مرحة
بعيدا عن أي ممارسات للاتجار في البشر" بحسب ما أفاد به محاميه.
وشهدت المحاكمة تطورات
عدة. فبينما أكّدت خمس سيدات أمام القاضي تعرّضهن لاعتداءات جنسية، أنكرت أربع
ممّن وردت أسماؤهنّ في اللائحة الاتهامية التعرض لأيّ اعتداء. وقد أحضرت الشرطة
ثلاثًا منهنّ للإدلاء بأقوالهن بأمر القاضي.
وحكمت محكمة الاستئناف
هذا الأسبوع على إحداهنّ بالسجن النافذ 6 أشهر، بسبب "البلاغ الكاذب
والقذف" بعدما اتهمت الشرطة بتحريف أقوالها.
وكان وكيل الملك لدى
محكمة الاستئناف في الدار البيضاء نجيم بنسامي أوضح لفرانس برس سابقا أنّ
"محيط المتهم مارس ضغوطا بعرضه إغراءات مالية أو تهديدات (...) لحمل ضحايا
مفترضات على التراجع"، موضحا أنهنّ "صرن خائفات، ومن واجبنا حمايتهنّ".
وقضت المحكمة في
النهاية بمؤاخذة المتّهم على ارتكاب الأفعال المنسوبة إليه في حقّ 8 ضحايا من أصل
15 وردت أسماؤهن في اللائحة التي كان يتلوها القاضي عند بداية الجلسات الأولى
للمحاكمة، قبل أن يقرر مواصلتها في جلسات مغلقة.
في وقت سابق، كشفت "لجنة الحقيقة والعدالة في ملف الصحافي توفيق بوعشرين"، أن دفاع الصحافي المعتقل وضع شكاية ضد السلطات المغربية أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ودعا هيئة المحكمة إلى رفع طابع السرية عن الجلسات.
جاء ذلك خلال ندوة صحافية للجنة الحقيقة والعدالة في ملف الصحافي توفيق بوعشرين، تحت عنوان "بعد سبعة أشهر من الاعتقال التحكمي لتوفيق بوعشرين، أي ضمانات للمحاكمة العادلة؟"، ليل الثلاثاء 9 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بأحد فنادق العاصمة الرباط.
وقال عضو منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، ولجنة الحقيقة والعدالة في ملف الصحافي توفيق بوعشرين، محمد رضا، إن "المحامين الدوليين في ملف توفيق بوعشرين وضعوا شكاية لدى مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بخصوص هذا الملف".
وتابع محمد رضا، بأن "من بين المرتكزات التي يستند عليها المحامون الدوليون في ذلك هو أن توفيق بوعشرين معتقل بشكل تحكمي ومخالف للقوانين المغربية الجاري بها العمل في البلاد".
حقوق الإنسان في المغرب تراجعت في 2017 و2018
فقدان 16 مهاجرا مغربيا وغرق طفلين قبالة إسبانيا
نزيف الأطباء مستمر بالمغرب.. استقالة 130 طبيبا من البيضاء