سيكونُ من الصّادم لو اكتشفَ النّاسُ أنَّ نجما من نجوم الدّعوة الذين تستضيفهم الفضائيّات، وقد أوتي قدرة في الخطابة والحديث، قد قام بعمليّة سطوٍ على بنكٍ من البنوك!!
على أنَّ سرقة جهود الآخرين الفكريّة والعلميّة أشدّ قسوة ووقعا على المرء من سرقةِ أمواله، واختلاس ما في عقول النّاس من أفكار أعظم دناءة من سرقةِ ما في جيوبهم.
فهل قامَ الدّاعية السّعودي عائض القرني بسرقةِ جهود الآخرين الفكريّة والأدبيّة والعلميّة؟
لا بدّ من التأكيد ابتداء على أنَّ السّرقة الفكريّة، إن ثبتت بحقّ أيّ كاتب أو مؤلّفٍ ولو مرّة واحدة، فإنّها تكفي لهدم تمام الثّقة به، والتّشكيك بعموم نتاجه العلمي والفكري والأدبي والدّعوي والفنّي، وغير ذلك، والشكّ في نسبة ذلك إليه.
السّرقة الفكريّة، إن ثبتت بحقّ أيّ كاتب أو مؤلّفٍ ولو مرّة واحدة، فإنّها تكفي لهدم تمام الثّقة به، والتّشكيك بعموم نتاجه
وبين أيدينا ثلاث سرقات في مجالات ثلاثة، علميّة وأدبية ودعويّة، أثبتها أصحابها بحقّ عائض القرني وأقرَّ هو بها، وهذه تجلّي لنا حقيقة ما يدور من لغطٍ حوله.
السرقة العلميّة
في عام 2010م، نشرت مكتبة العبيكان كتابا لعائض القرني اسمه "الصحيحان"، وهو كتاب عظيم في بابه وموضوعه، ليُصدم العالم السوريّ المقيم في الرّياض حينها، الشّيخ صالح أحمد الشّامي، بأنَّ هذا الكتاب مستلٌّ برمّته من كتابه الذي قضى سنوات طوالا في تصنيفه، وهو كتاب "الجامع بين الصحيحين للإمامين البخاريّ ومسلم".
وكان كلّ ما فعله عائض القرني هو تغيير ترتيب بعض الأبواب، بحيث قدّم كتاب العبادات وأخّر كتاب العقيدة والعلم، ثمّ صاغ مقدّمة في سطورٍ يسيرة، عوضا عن مقدّمة الشّيخ صالح الشّامي التي تتجاوز ثلاثين صفحة شرح فيها منهجه الفريد والجديد في الكتاب، ثمّ أسماه "الصّحيحان" ونسبه إلى نفسه.
وبعدَ أن أثار بعض طلّاب الشّيخ الشّامي القضيّة في تويتر، بإطلاق وسم "عائض القرني يسرق من جديد"، سارع القرني إلى لَفلفةِ الأمر، فزار الشيخ صالح الشّامي في بيته واعتذر له بشكل صريح عن السّرقة، وعرض عليه تقديم مبلغ ماليّ ليساعد الشّيخ في إنجاز بعض المشاريع العلميّة، مستغلّا أمرين أساسيين يضمن من خلالهما صمت الشّيخ وعدم كتابة شيء في ذلك وهما: طبيعة الشّيخ صالح الشّامي التي تميل إلى المسالمة عادة، ثمّ استغلال ضعف الغريب في تلكم الديار التي يشعر فيها الغريب الوافد بأنّه لقمة سائغة؛ لا قيمة له ولا وزن.
قبلَ الشّيخ صالح الشّامي
اعتذار عائض القرني بشرط أن يكتب هو والمكتبة النّاشرة تعهدا بعدم إعادة طباعة الكتاب، وفعلا كان ما أراده الشّيخ الشّامي وتمّ التّعهد، ولم يطبع الكتاب غير تلكم الطبعة اليتيمة، رغم أنَّ القرني مفتون بكثرة الطبعات وبشعارات "أكثر
الكتب مبيعا" على أغلفة ما يقول بأنّها كتبه.
السّرقة الأدبيّة
أمَّا السّرقة الأدبيّة، فهي تلك السّرقة التي حصلت عام 2011م عندما طرح عائض القرني كتابه "لا تيأس" في معرض الكتاب بالرّياض، لتتفاجأ الكاتبة السّعودية الشّابة سلوى العضيدان، وهي من مواليد 1975م وحاملة لشهادة الدكتوراة في الإرشاد الأسري، وأم لطفلٍ مصاب بالتّوحّد، بأنَّ القرني سرق كتابها الذي أصدرته عام 2007م، وقضت في تأليفه أربع سنوات، وعنوانه "هكذا هزموا اليأس".
وكعادته، حاول القرني بعد أن تواصلت معه الكاتبة سلوى العضيدان؛ لفلفة الأمور، وعرض عليها تعويضا ماليّا قدره عشرة آلاف ريال مع الاعتذار الخطي، لكنّ الكاتبة طالبت بسحب الكتاب من الأسواق، فرفض القرني ذلك.
فبثّت العضيدان بعض أوجاعها عبر بعض كتابات وتدوينات تقول في بعضها: "كتاب لا تيأس للدكتور عائض القرني تمّت سرقة ما نسبته 90 في المئة منه من كتابي "هكذا هزموا اليأس" بنفس صياغتي للمواضيع وبنفس تعليقاتي وبنفس الأخطاء المطبعية. والمضحكُ المبكي أنّ مقدّمتي التي قمت بتأليفها من بنات أفكاري؛ تمّ السطو عليها هي أيضا، وأُدرِجت ضمن مواضيع الكتاب.
نعم الدّكتور عائض القرني طعنني طعنة موجعة حين سرق مني جهد أربع سنواتٍ كاملة قضيتها في إعداد وجمع مادة كتابي "هكذا هزموا اليأس". أتدرون ما معنى أن أكون مؤلفة وأمّا لطفلٍ توحدي؟! لقد كنت أهرع لإتمام صفحات كتابي حين كان يغفو طفلي بعد عناء ويهدأ بعد صخب ويستكين بعد جهد. إنّها قمّة المعاناة والكفاح والجهد والصمود، لقد كنتُ أسرق وقتا لأتمم كتابي، ولم أكن أعلم أن هناك من سيأتي ويسرق كتابي بين عشية وضحاها!!".
عندها خاضت العضيدان معركة قضائيّة شرسة مع القرني، أسفرت في العام 2012م عن صدور حكم من لجنة حقوق المؤلّف بوزارة الإعلام بتغريم عائض القرني 330 ألف ريال سعودي، منها 30 ألفا للحقّ العام، و300 ألف تعويضا للكاتبة سلوى العضيدان، مع قرارٍ بسحب الكتاب المسروق "لا تيأس" من الأسواق ومنعه من التداول، واعتباره بضاعة مسروقة تجب مصادرتها في المنافذ، ويمنع دخولها للمملكة.
السّرقة الدّعويّة
وهذه المرّة كانت السّرقة عام 2018م، حين قدّم عائض القرني برنامجا دعويّا في إحدى الإذاعات، ليكتشف ورثة الكاتب والأديب السّوري عبد الرّحمن رأفت باشا أنَّ القرني يقرأ مقاطع نصيّة كاملة من كتاب صور من حياة الصّحابة لعبد الرّحمن رأفت باشا، دون أن يشير من قريبٍ أو بعيد للمؤلّف ويقدّمها على أنّها من إبداعاته الفذّة.
سارع ورثة الكاتب عبد الرّحمن رأفت باشا إلى ساحات القضاء، متّهمين القرني بالسّطو على محتوى كتاب والدهم.
وفعلا، قضت المحكمة بتغريم القرني 30 ألف ريال سعودي بعد إدانته بانتهاك حقوق الملكية الفكرية، ونسبته محتوى كتاب صور من حياة الصّحابة لنفسه دون ذكر المؤلف.
كما ألزمت المحكمة عائض القرني بدفع 120 ألف ريال للدّار النّاشرة، وهي دار الأدب الإسلامي، ومنعت الإذاعة من إعادة بثّ الحلقات المسروقة.
يحقّ لجميع من قرأوا واستمعوا له أن يتساءلوا: أليس اعتذار القرني عن هذه السرقات الصريحة في المجالات المختلفة العلميّة والدّعويّة والأدبيّة؛ مما ينبغي أن تفرضه المراجعات الذّاتيّة على عائض القرني؟!
أين الاعتذار؟!
وإنَّ من يسرق أفكار النّاس وكتبهم ومؤلّفاتهم يهوي في قاعٍ سحيق من المهانة، ويغدو علما على الانتهازيّة والخسّة، فلا يُنتظر منه موقف ولا يرتجى من أمثاله الحقّ.
وبعد
اعتذار عائض القرني الشّهير عن انخراطه في الصّحوة، وإعلانه تبنّي الإسلام على نهج وليّ العهد محمّد بن سلمان؛ فإنّه يحقّ لجميع من قرأوا واستمعوا له أن يتساءلوا: أليس اعتذار القرني عن هذه السرقات الصريحة في المجالات المختلفة العلميّة والدّعويّة والأدبيّة؛ مما ينبغي أن تفرضه المراجعات الذّاتيّة على عائض القرني؟!
كما أنّه يغدو من الطبيعيّ أن يشكّك القرّاء والمستمعون والمتابعون بنسبة كلّ النّتاجات التي ينسبها القرني إلى نفسه، من كتب أدب ودعوة، بل حتى تلك القصائد الفصيحة أو العاميّة التي ينافق بها لابن سلمان ويمجّده بها.