طرح قرار وزير العمل
اللبناني كميل أبو سليمان؛ قبل فترة وجيزة، والقاضي بمعاملة
اللاجئين الفلسطينيين معاملة العمال الأجانب، أسئلة عديدة حول معاناتهم المستمرة منذ نكبتهم الأولى في عام 1948.
فقبل العام المذكور لم يكن في لبنان من أهل فلسطين إلا التجار وزوار الأهل والسياح، وأدت حرب عام 1948م إلى لجوء نحو 116 ألف لاجئ فلسطيني إلى لبنان، يمثلون 13.6 في المئة من إجمالي اللاجئين في العام المذكور. وتضاربت الإحصاءات فيما بعد حول تطور ومجموع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فقد قدرت مديرية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عدد اللاجئين الفلسطينيين في عام 1952م بنحو 140 ألف فلسطيني، ارتفع العدد تبعاً لمعدلات النمو الطبيعي إلى 214 ألفاً في عام 1968. وبناء على هذا الرقم ومعدلات النمو، فإنه من المقدر أن يكون الرقم الإجمالي للفلسطينيين في لبنان قد وصل إلى 650 ألفا خلال العام الحالي (2019)، في حين قدرت جهات لبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية مجموعهم بنحو 178 ألف لاجئ وفق مسح ميداني جرى عام 2017، الأمر الذي يؤكد تهجير 472 ألف لاجئ فلسطيني الى خارج لبنان، بفعل الحروب التي شنت على
المخيمات والظروف الاقتصادية البائسة بين الأسر الفلسطينية؛ بفعل منع الفلسطيني العمل في كافة قطاعات الاقتصاد اللبناني.
الظروف القانونية ومنطقة المنشأ
يمكن تقسيم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حسب ظروفهم الاجتماعية والقانونية الى عدة أقسام: الفلسطينيون المسجلون لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويعيشون في المخيمات، والفلسطينيون غير المسجلين لدى الأونروا. ويعيش بعضهم في المخيمات وبعضهم خارجها، إضافة إلى الفلسطينيين الذين اكتسبوا الجنسية اللبنانية، وأخيرا الفلسطينيون الذين اكتسبوا جنسيات بلاد أخرى.
وتنحدر غالبية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من منطقة فلسطينية واحدة تقريباً، وهي منطقة اللواء الشمالي (أي الجليل) نظراً لقرب الحدود الجغرافية، ولوجود صلات قربى وصداقة وتجارة قديمة بينهم وبين أبناء المنطقة الجنوبية المحاذية لفلسطين. وعليه، استقر معظم هذه التجمعات في الجنوب اللبناني بداية، وفي القرى والمناطق المفتوحة، ثمّ انتشرت على الساحل الجنوبي، خاصة في مدينة صور.
وفي الخمسينيات كانت الجهود عملياً تنصب على تنظيم الحياة العادية، وتركزت بتجميع ما أمكن من أبناء القرية الواحدة بعضهم البعض، تربطهم الروابط العائلية السابقة للنكبة، ومع ازدياد الحاجة للتضامن في مواجهة المشاكل والمعاناة المشتركة. وهكذا نرى أن كل مخيم أو تجمع فلسطيني يوجد فيه الكثيرون يتحدرون من قرية أو مدينة واحدة. فمخيم مار إلياس في بيروت يستحوذ على لاجئين فلسطينيين من مدينتي حيفا ويافا الساحليتين في فلسطين، وهم من الطائفة المسيحية في المدينتين المذكورتين، أمّا مخيم شاتيلا فإن غالبية اللاجئين فيه أتوا من منطقة مجد الكروم ومن البعنة، أي من الجليل الأعلى، والأكثرية الساحقة في مخيم البراجنة من قرية ترشيحا الفلسطينية التي تعتبر كبرى قرى قضاء مدينة عكا الفلسطينية، كما يقطن في المخيم لاجئون فلسطينيون من قرى والكابري، وكويكات، والشيخ داود.
أمّا مخيم النهر البارد في مدينة طرابلس اللبنانية في الشمال، فغالبية اللاجئين الفلسطينيين هناك من قرى صفورية (قضاء الناصرة)، وسعسع (قضاء صفد)، وقرى عمقة والغابية وشعب وعلما وديشوم (قضاء عكا الساحلية)، في حين تنحدر أصول اللاجئين الفلسطينيين في مخيم البداوي، وهو المخيم الثاني في منطقة شمال لبنان، من قرى الجش، والظاهرية، والصفصاف، وقليل منهم من حيفا وعكا. أمّا مخيم ويفل في البقاع فإن غالبية سكانه من قريتي صفورية (قضاء الناصرة)، ولوبية (قضاء طبريا)، وكذلك ينحدر غالبية سكان عين الحلوة في محافظة جنوب لبنان، من قرى صفورية، والزيب، وعمقة، ورأس الأحمر والصفصاف، والطيرة، وحطين (قضاء طبريا)، في حين أتى قسم من سكان المية ومية في صيدا من مدن حيفا ويافا، وقسم كبير من القرى الشمالية في فلسطين وخاصة الطيرة.
وبالنسبة لمخيمات مدينة صور، فإن غالبية سكان مخيم البص الساحلي من مدينتي حيفا وعكا وأقضيتهما، في حين ينحدر سكان مخيم البرج الشمالي، إلى الشرق منه، من قريتي صفورية ولوبية، وقريتي الخالصة والناعمة في منطقة الحولة. والمخيم الثالث (الرشيدية) الذي يعتبر التجمع الأكبر للاجئين الفلسطينيين في الجنوب حالياً، فإن غالبية سكانه تنحدر من قرى دير القاسي، وسحماته، والكابري، وغيرها من قرى قضاء مدينة عكا على الساحل الفلسطيني.
الديموغرافيا والجغرافيا المستحدثة
مع مرور السنوات على التواجد الفلسطيني القسري في لبنان نتيجة آثار النكبة، تغير الوضع الديموغرافي والجغرافي للفلسطينيين هناك، حيث الهجرة الداخلية الكبيرة، والهجرة الخارجية للبحث عن فرص عمل خارج لبنان. وزاد الوضع سوءاً، خاصة في الجانب الاقتصادي للفلسطينيين، رحيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1982م وبعده، ما أدى إلى فقدان الجزء الأكبر من الأسر الفلسطينية لدخلها جراء عملها في تلك المؤسسات والفصائل الأخرى، فارتفعت معدلات البطالة بين الفلسطينيين في لبنان في ظل منع القانون اللبناني عملهم في كافة قطاعات الاقتصاد الوطني اللبناني. فزادت مستويات الفقر، وارتفعت معدلات التسرب بين الأطفال الفلسطينيين من المدارس.
واللافت أنه رغم عمليات التهجير الكبيرة التي طالت الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان خلال العقود الأربعة الماضية، ما تزال المخيمات الفلسطينية في لبنان وعددها 12 مخيماً تستأثر على 53 في المئة من إجمالي اللاجئين خلال العام الحالي 2019، أمّا الباقون فتوزعوا على القرى اللبنانية والتجمعات السكنية الجديدة التي نشأت بسبب تطورات الأوضاع في لبنان. ومن أهم هذه التجمعات غير المعترف بها من قبل الأونروا، تجمع جل البحر، والشبريحا، والبرغلية، وأبو الأسود، وعدلون، والغازية، ووادي الزيتة، والناعمة، وصبرا ثعلبايا، وسعد نايل.
ويتميز المجتمع الفلسطيني في لبنان بكونه مجتمعاً فتياً، فتصل نسبة الأطفال دون الخامسة عشر من العمر 43 في المئة من إجمالي مجموع اللاجئين هناك. وبلغ متوسط عدد أفراد الأسرة الفلسطينية ستة أفراد، ونتيجة للظروف التي مرَّ بها المجتمع الفلسطيني في لبنان منذ عام 1982م، فقد ارتفعت نسب التسرب، وأصبح أكثر من نصف السكان في سن 15 سنة وأكثر بمثابة أميين أو أشباه أميين، ولا تتعدى نسبة الذكور الحاصلين على الشهادة الجامعية في الفئة العمر المذكورة 5 في المئة، وتتراجع بين الإناث إلى واحد في المئة.
التهجير الصامت
في ظل القوانين المطبقة في لبنان، وخاصة تلك التي تحول دون دخول الفلسطينيين سوق العمل اللبناني، وتراجع خدمات وموازنات الأونروا، وكذلك تراجع نشاط المؤسسات الخدمية المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية الأخرى، فضلاً عن منع الفلسطيني من تملك عقارات.. يبدو المستقبل قاتماً بالنسبة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وثمة تقارير تؤكد وجود تهجير صامت لفلسطيني لبنان، في وقت تتسارع فيه الخطوات بعد الإعلان عن بنود صفقة ترامب في أيلول/ سبتمبر المقبل، لجهة العمل على توطينهم، رغم رفضهم المطلق لمشاريع التوطين وتأكيدهم المستمر على حق العودة إلى وطنهم الوحيد فلسطين.