من نكد الحياة الدنيا، أن تكون لافتة الحزب "
الحزب الدستوري الحر"، من حظ ونصيب "عبير موسى" وباقي أفراد فرقتها في البرلمان
التونسي، وهو أمر يمثل إهانة لهذا العنوان المهم في التاريخ التونسي!
فالحزب الدستوري الحر تشكل قبل الاستقلال، وبهدف مقاومة المحتل، ولهذا لم يكن غريباً أن يكون النداء الخاص بأعضائه، هو "المناضلون" للذكور و"المناضلات" للإناث. وإن تغير اسمه بعد ذلك، في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، فلم يكن أحد يعتقد أن الهبوط سيصل إلى درجة ابتذاله على يد "عبير" المذكورة، بعد عودته إلى اسمه القديم بفضل
الثورة. وأفضالها كبيرة على "عبير" ليس فقط لأنها مكنتها من الاستحواذ على هذا الحزب التونسي المجيد، ولكن لأنها مكنتها من أن تترقى طبقيا واجتماعياً، فلولا الثورة، لاستمرت "عبير" وكل "عبير" عند المستوى العاشر في السلم الحزبي، تطلق الزغاريد عند دخول الرئيس والسيدة حرمه إلى القاعة التي تكون قد سيقت إليها لهذه المهمة "التصفيق والزغاريد"!
فاتحة خير:
بيد أن الربيع العربي ابتلي بمن هم في "حكم عبير"، ومن الذين كانوا لا يستطيعون ضرباً في الأرض، ولا يمثلون قيمة من أي نوع، فكانت الثورات فاتحة خير عليهم، ومع ذلك يتنكرون لها، مثلها في هذا مثل عبد الفتاح السيسي، الذي يفتعل التحرش بثورة يناير، والتي لولاها لصار ضابطاً على المعاش، أو مع الرأفة رئيس مجلس مدينة أرمنت وبكارت توصية من المشير محمد حسين طنطاوي!
فإذا بالثورة ترقيه رتبتين عسكريتين، وإذا به يصبح بفضلها وزيراً للدفاع، وينتقل بفضلها ليكون مشيرا ورئيساً للجمهورية. صحيح أن هذا تم بالانقلاب؛ لأنه لولا الثورة لم يكن هناك انقلاب، ولظل وأمثاله من حملة العرش يسبحون بحمد مبارك. وقد وصل الآن إلى سن المعاش، وربما لو تمكن من رئاسة مجلس مدينة أرمنت أو أي مدينة أخرى، لانتهى دوره عند جمع الأموال من التجار ومحلات البقالة من أجل صناعة لافتات تدعو الشعب لاختيار جمال مبارك، على أساس أنه خير خلف لخير سلف!
ومع هذا هو يتجاهل أفضال الثورة عليه، تماماً مثل "عبير موسى"، التي بدلاً من أن تقبل يدها وجهاً وظهراً، وأن تلهث بالثناء لهذه اللحظة التاريخية التي دفعتها لأن تكون نائبة، وأن تستولي على اسم لحزب عريق هو "الدستوري الحر"، فإنها تعمل من أجل أن تهدم التجربة على رؤوس الجميع، لا يهمها إن سقطت على رأسها، ورأس من معها، فهي تعمل بالوكالة ولو كان المقابل هو هدم الدولة التونسية واضعافها!
دفع الأتعاب:
لقد كانت أزمة السلطة في تونس أنها ركزت في التمويل القادم من الخارج لصالح حزب "نداء تونس"، وتركت الساحة مفتوحة لتمويلات أخرى لا بد أن تكون دخلت البلاد من المنافذ الشرعية، ولهذا لم يكن غريباً أن تطلب نائبة تونسية من الإمارات أن تدفع لعبير موسى "بقية الأتعاب"، فيبدو أنها لهذا السبب تبالغ في إظهار دورها في تعطيل مؤسسة البرلمان عن العمل، وفي ممارسة البلطجة، ولا تريد أن تتوقف!
لقد حرصت "عبير موسى" منذ اليوم الأول لانعقاد البرلمان الجديد، على إثارة الشغب، فلا تهتم في محاولتها البائسة باحترام النشيد الوطني لبلادها. فبينما النشيد يعزف، وبينما النواب وقوفا احتراما له، فإنها لم تتوقف عن الضجيج، وهو أمر لو حدث من قبل نواب التيار الإسلامي مثلاً، لمثّل دليلاً دامغاً على عدم وطنيتهم.
لقد شاهد العالم كله عبر شاشات التلفزيون هذا الأداء الطائش للنائبة ومن معها، وهي تريد وقف سير الإجراءات بطلبها نقطة نظام، أو كما نطقتها "نقطة نزام"، مع مخالفة هذا الطلب لقواعد العمل البرلماني، الذي حدد إجراءات الجلسة الافتتاحية على سبيل الحصر، ولم يتركها عرضة للاجتهاد!
لقد استغلت كبر سن رئيس الجلسة، ورئيس البرلمان بعد ذلك، "راشد الغنوشي"، وعدم قدرته على أن يردعها بصوت مرتفع، وظلت تقاطعه وامتنعت عن أداء القسم، لتعود بعد ذلك وتؤديه عندما سألها رئيس المجلس في حسم: ستقسمي أم لا؟ فلما رأت العين الحمراء، بادرت ومن معها فأدت القسم، وكانت هذه رسالة لا تخطئ العين دلالتها؛ فالحسم سيوقفها عن هذا التهريج، وعن ممارسة البلطجة!
لقد انتقلت ونواب حزبها إلى فصل جديد من أعمال البلطجة، فقامت بالاعتصام أمام مكتب رئيس البرلمان، وهي سابقة لم تحدث من قبل في البرلمان التونسي، لذا فإن لائحة البرلمان لم تأت على ذكر لمثل هذه التصرفات، فلم يكن معلوما أنه سيأتي اليوم الذي سيمثل الشعب أو جزء منه شبيحة، يجوز في حقهم أن يخاطبوا كما خاطب رئيسا لبنانيا سابقاً صحفيين بلاده: "مرحبا بكم في وطنكم الثاني لبنان"، لتحل تونس محل لبنان!
المواجهة:
وبدلاً من أن يبحث راشد العنوشي عن طريق للمواجهة مع هذا الطارئ، ولو بتغيير اللائحة ومعه أغلبية النواب الذين يرفضون هذا الأداء الأرعن من ممثلي واحد من
أحزاب الأقلية، انتقل إلى مكتب آخر، مما أغرى "عبير ونوابها"، إلى منع انعقاد مكتب المجلس، كما رفضت اعتذاراً كان يخطط له من النائبة بحركة النهضة جميلة الكسيكسي، التي اتهمت "عبير ونوابها" بما هم أهله وأنهم شبيحة وقطاع طرق. وقد هاجت "عبير" وماجت لهذا، وصار هذا هو موضوعها، في حين أن الاتهام كان رد فعل على تصرف غير مسؤول، فلماذا هذا الهياج الذي أحدثته في الجلسة الأولى؟ ولماذا قامت ونوابها بالاعتصام أمام مكتب رئيس البرلمان ومنعته من دخول مكتبه؟ وما هو الوصف المناسب لهذا السلوك المستهجن والمدان قانونا، إذا لم يكن بلطجة وقطع طريق!
فماذا تريد "عبير موسى"؟!
الحقيقة إنها قصة لها ما بعدها، وهى تقود التطاول على مؤسسة البرلمان ورئيس مجلس النواب، لأنه في حالة العجز عن ردعها، فستكون حالة التجرؤ عامة في الشارع، لنصل في النهاية إلى مصير الحكم المدني المنتخب في مصر، فالبداية كانت بالفوضى في الشارع. وهي وإن علقت اضرابها فسوف تعود مرة أخرى وبوسائل أخرى!
إن من الظلم البين لتاريخ الحزب الدستوري أن نسلم باستباحته في غفلة من الزمن، فالنواب المنتسبون له لا بد من أن ينسبوا إليها. فأدعوهم لـ"عبير" هو أقسط عند الله، وأقرب للموضوعية!
قل "نواب عبير"، ولا تقل "نواب الحزب الدستوري"!