في عام 2014، وقعت شركتا البوتاس والبرومين في
الأردن مع شركة "نوبل إنرجي الأمريكية" اتفاقية لاستيراد
الغاز من
إسرائيل، لمدة 15 عاما من حقل تامار، بقيمة 771 مليون دولار، ما مهد الطريق أمام
شركة الكهرباء الأردنية لتوقيع اتفاقية استيراد مع الشركة من حقل لفايثان، بقيمة
15 مليار دولار، وعلى مدار 15 عاما، لاستيراد 45 مليار متر مكعب من الغاز.
الاتفاقية جاءت تتويجا وتطبيقا عمليا لمعاهدة وادي
عربة، فالمادة 19 تنص على تنظيم قطاع
الطاقة ما بين البلدين.
الحكومة الأردنية، وحسب ما تناقلته الصحف
الإسرائيلية قبل سنوات، أخذت بنصيحة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري عراب
الصفقة، والذي ورثها عن الوزيرة هيلاري كلينتون، لتتم الصفقة مع الشركة الأمريكية
وشركائها الإسرائيليين. ولتلافي أي مطب سياسي أو دستوري يقف بوجه الصفقة، اتفقت
الحكومة مع شركة أمريكية وهمية، لا إسرائيلية.
إسقاط الدستور
توقيع الاتفاقية جاء في ظل غياب مجلس النواب، دون
طرح البدائل مع توافرها، فالحكومة الأردنية حصرت خياراتها بإسرائيل، ورفضت اللجوء
إلى خيارات أخرى، كالاستيراد من قبرص، أو السعودية (حقل تبوك( أو قطر، أو العراق
أو حتى الجزائر، كما ابتعدت عن تمويل استخراج الغاز اللبناني من البحر المتوسط، أو
الاستثمار في استخراج الصخر الزيتي، دون إبداء الأسباب الحقيقية لذلك، إلى جانب
رفضها التنقيب عن النفط والغاز في مناطق المملكة التي ما زالت غير مكتشفة،
وإصرارها الغريب فقط على استكشاف حقول غاز الريشة، ومنع التنقيب في مناطق أخرى.
تكلفة الصفقة
الصفقة ترتب على شركة الكهرباء المملوكة للحكومة دفع
مليار دولار سنويا، على مدار 15 عاما، أي أن كل ثلاثة دولارات يدفعها الشعب، يذهب
منها دولار واحد لإسرائيل لاستثمارها في الأمن والتعليم، في حين تشهد منظومة الأمن
الأردني تراجعا ملحوظا، كما تتواصل إخفاقات منظومة التربية والتعليم وخدمات
المؤسسات الطبية العسكرية، وغيرها.
الاتفاقية فتحت الباب الشعبي على مصراعيه للسلام، والرضوخ لمتطلبات معاهدة السلام، والانتقال من مرحلة السلام السياسي، إلى الاقتصادي
(عقيدة نتنياهو) للوصول إلى السلام الاجتماعي الذي يجبر الشعب على الاعتراف بها
ودعمها، وإن بصورة غير مباشرة.
البند الثاني من المادة 33 من الدستور الأردني ينص
على: "المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزينة الدولة شيئا من
النفقات، أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة، لا تكون نافذة إلا إذا وافق
عليها مجلس الأمة، ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق
ما مناقضة للشروط العلنية".
ميناء العقبة
قبل سنوات تم الإعلان عن إنشاء ميناء الشيخ صباح في
العقبة للغاز الطبيعي، والغاية من الميناء توفير فاتورة الطاقة. في 22 آب/ أغسطس
2016، قال الرئيس التنفيذي لشركة تطوير العقبة آنذاك، غسان الغانم: إن ميناء
العقبة حل مشكلة الغاز نهائيا، إذ تم استيراد 500 مليون متر مكعب يوميا، كما يتم
توليد 80 في المئة من الكهرباء من الغاز المسال. وأضاف في تصريح آخر: إن الميناء
يقوم بإعادة تصدير الغاز المسال من الخط العربي إلى دول الجوار، لتعظيم الجدوى الاقتصادية
المتأتية منه، حيث دخلت إلى ميناء العقبة 58 باخرة، تحمل 5,800 مليون متر مكعب من
الغاز الطبيعي.
أي أن الحكومة تستورد الغاز من مصادر متعددة متوفرة
لديها، منخفضة التكلفة، من ثم تصدره إلى الخارج، مع علمها المسبق بحاجة الدولة
الماسة له، فهل يمكن اعتبار دور الحكومة كتاجر لا يكترث إلا لتعظيم مرابحة؟
قد يكون الغاز الذي تستورده الحكومة لميناء الشيخ
صباح قادما من إسرائيل، ويتم إعادة تصديره بعد تحويله بالاتفاق معها، بحيث تصير
الحكومة الوكيل التجاري لصالحها، تتقاضى عمولة على دورها!
سلام اقتصادي
وقع الأردن معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1994، من
حينها والشعب يطالب بإسقاطها. البعض يقول إن المعاهدة تضمنت عددا من الاتفاقيات
والتفاهمات السرية، تنفذ عبر مراحل متفق عليها، لكن هذه الادعاءات لا يمكن التأكد
من صحتها.
وأشغلت اتفاقية الغاز الشعب الأردني، ونُظمت وقفات
احتجاجية ومظاهرات.
وعليه، المياه والطاقة تمثلان عناصر استراتيجية لا بد
أن تبقى بيد الدولة لا الشركات الخاصة والوهمية، ومن الاستحالة بمكان أن تجد دولة
في العالم ترهن مستقبلها بيد دولة أخرى، وبالتالي التحكم بقراراتها ومستقبلها.
لكن في حالة الدولة الأردنية، مهما اعترض الشعب الأردني
على اتفاقية الغاز مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإن الاتفاقية باتت واقعا وسارية
المفعول، ولن تجد من يقف بوجهها، لا سيما وأن مجلس النواب كما الشعب؛ لا يملكان
الأدوات الحقيقية لإسقاطها.