أثار تباين موقف السلطات المصرية، ورجال الأعمال من التبرع لصالح ملايين المصريين المتضررين من أزمة جائحة كورونا من جهة، والتبرع لصالح صندوق "تحيا مصر" في أعقاب انقلاب تموز/ يوليو 2013 من جهة أخرى، انتقادات بسبب ازدواجية المواقف.
في آيار/ مايو 2014، اتجه المرشح لانتخابات الرئاسة، عبد الفتاح السيسي، آنذاك نحو رجال الأعمال الذين نجوا من محاكمات ثورة 25 يناير، حيث كان يخضع الكثير منهم لمحاكمات تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ، وإهدار المال العام، وأمرهم بالدفع لصالح صندوقه الخاص "تحيا مصر".
وخاطبهم السيسي حينها بالقول: "البلد دي خيرها عليكم، وإدتكم كتير، استفدتوا بدعم الطاقة، وحاجات كتير خلال الفترة اللي فاتت ولازم تقفوا مع البلد دلوقتي، لأن مصر لو ضاعت مش هنعرف نرجعها تاني".
فرد أحد المستثمرين بالقول: "يافندم إحنا معاك قلبا وقالبا" فرد السيسي عليه: "أنا مش عاوزك معايا قلبا وقالبا، أنا عاوز فلوسك"، وبعد توليه الرئاسة مباشرة في ذات العام، جدد السيسي مطالبته للمستثمرين ورجال الأعمال، بلهجة حادة، بالتبرع لصندوق تحيا مصر بقيمة 100 مليار جنيه (14.5 مليار دولار بسعر صرف ذاك الوقت)، قائلا: "دول على جنب كده، ولسه عاوز تاني وتالت ورابع".
بل وصل الأمر إلى إجبار رجال الأعمال والمستمثرين على التبرع، قائلا: "بقول تاني هتدفع يعني هتدفع، خلي بالك عارفين يعني أيه صندوق أنا أشرف عليه .. يعني لو خدت جنيه مني يبقى ليك الكلام .. أنتو متعرفنيش .. اسألوا الجيش عني.. آخذ حقي وزيادة حتة".
ولم يتم الإفصاح عن الرقم النهائي داخل الصندوق منذ تدشينه إلى اليوم، ولكنه لم يحقق الرقم المستهدف له وفق تصريحات المسؤولين أو المتحدثين باسم الصندوق.
وأعلن السيسي في شباط/ فبراير 2016، تبرع الجيش المصري بمليار جنيه لصالح الصندوق، في المقابل، لم يعلن الجيش حتى الآن التبرع بأي أموال لصالح المتضررين من أزمة فيروس كورونا.
اقرأ أيضا: الغارديان: مصر غير شفافة بأزمة كورونا والعواقب وخيمة
وفي 21 آذار/ مارس دعت الحكومة المصرية جموع المصريين للتبرع لصالح صندوق تحيا مصر، من أجل متضرري فيروس كورونا لكن الاستجابة كانت أقل من المتوقع، حيث لم تتجاوز أرقام التبرعات بضعة ملايين من الجنيهات، بل ذهب بعض رجال الأعمال كالملياردير المصري، نجيب ساويرس، إلى أبعد من ذلك، وطالب بدعم الدولة للمستثمرين بعد أن تضررت شركاتهم، ما آثار موجة انتقادات وسخرية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي التي دعت إلى فتح حساب للتبرع لإنقاذ ساويرس.
وكشف القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، ورئيس منظمة إنسانية، بإسطنبول، أشرف عبدالغفار، أن "رجال أعمال النظام تبرعوا وأسهموا في كل المشروعات التي طالبهم السيسي بالدفع من أجلها من أجل مصلحته وطموحاته الشخصية"، مشيرا إلى أن "ما أنفقه هؤلاء من مئات المليارات كان كفيلا برفع مستوى الشعب من النواحي الأساسية كالصحة التعليم والأجور وغيرها".
وفي حديثه لـ"عربي21" وصف علاقة نظام السيسي برجال الأعمال الموالين له "بعلاقة العصابة برئيسها ولو أمرهم السيسي بالتبرع سيتبرعون، ولكن دعوته على استحياء لهم بالتبرع هو لذر الرماد في العيون، لكن الأزمة تكمن في نظرة الاستعلاء من النظام ورجال أعماله تجاه الشعب وعدم اكتراثهم بملايين المتضررين، ولن يدفعم للتبرع إلا إذا شعر بالخطر من الأزمة تهدد حكمه".
وقارن عبدالغفار بين موقف نظام السيسي وموقف دول أخرى، قائلا: "كل رؤساء الدول يخرجون يوميا ليخاطبوا شعوبهم لأنهم يدركون قيمة هذه الشعوب وأن وجودهم مرتهن بحسن الأداء تجاه شعوبهم، ولكن هذا ليس في إحساس أو وجدان الطائفة المنقلبة، ولذلك اختفى الرجل في أحرج المراحل ولا يظهر إلا في فترات متباعده لأن أمنه الصحي والشخصي أهم ألف مرة من الشعب كله".
اقرأ أيضا: ماذا يعني دخول مصر المرحلة الثالثة من فيروس "كورونا"؟
وعلق السياسي المصري وعضو رابطة القلم السويدية، محمد سعد خيرالله، بالقول إن "العالم كله بدون استثناء يمر بحالة غير مسبوقة من الارتباك وعدم القدرة على إستشراف ما ستؤول إليه الأمور في المدى القريب؛ وبالتالي حالة الارتباك تنصب على ما يقال عليهم تجاوزا "رجال أعمال".
وأضاف لـ"عربي21": "لأنني أتحفظ جدا على الوصف والتسمية لا يوجد رجال أعمال بمصر من بعد انقلاب 52 بعدة سنوات، هؤلاء شركاء وواجهات مدنية للأجهزة والجنرالات ويعمل كل منهم في مجاله، ووقت الجد عندما توجد ضرورة للدفع سيدفعون بمجرد الاتصال والأمر؛ لأنهم جزء من الكل لهذه المنظومة، وحريصون على استمرارها بكافة الطرق والوسائل".
وأعرب خيرالله عن اعتقاده أن "مصر تمضي إلى طريق كارثي، وسبق وتحدثت عن ذلك كثيرا وتحديداً منذ منتصف 2015، والمفجع في الأمر أنه لا توجد مقاومة تذكر لإيقاف ذلك أو حتى تأجيله بعض الوقت لمحاولة التدبر من فعل أي شيء".
كيف انفرط عقد مصابي "كورونا" بالجيش المصري إلى وفيات؟
مخاوف من تحول مصر لبؤرة لوباء كورونا بسبب غياب الشفافية
لماذا يتجاهل السيسي دعوات الإفراج عن المعتقلين بسبب كورونا؟