طبيب وسياسي ومناضل وعضو ناشط في حركة "القوميين العرب" منذ أن كان على مقاعد الدراسة، انسحب بهدوء من عملية "أوسلو" ودون إثارة عداوات أو معارك إعلامية احتراما لتاريخ ياسر عرفات (أبو عمار) بعد أن اكتشف نصوصا سرية، وعبثية المفاوضات التي لم تركز على جوهر الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
أرسل حيدر عبد الشافي المولود عام 1919 في مدينة غزة في بداية حياته إلى "الكلية العربية" في القدس لمتابعة دراسته الثانوية، وأكمل دراسته الجامعية عام 1936 بالجامعة الأمريكية في بيروت ودرس الطب.
تواجده في بيروت أتاح له الفرصة للانضمام إلى صفوف حركة القوميين العرب، وبعد تخرجه عاد مباشرة إلى فلسطين للعمل في مدينة يافا في مستشفى البلدية التابعة لسلطة الانتداب البريطاني، وعمل طبيبا في الكتيبة الثانية في "الجيش العربي" التابع لشرق الأردن.
وبعد نهاية الحرب ترك الجيش وفتح عيادة خاصة في قطاع غزة وشارك بتأسيس "الجمعية الطبية الفلسطينية" عام 1945.
غادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتخصص في الجراحة العامة بأحد المستشفيات الكبرى بمدينة دايتون في ولاية أوهايو، وفي عام 1954 عاد إلى قطاع غزة وكان قد وضع تحت الإدارة المصرية.
عمل جراحا في "مستشفى تل الزهور" التابع للإدارة المصرية. وأثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وقعت غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي ونصبت على مدينة غزة مجلسا بلديا لإدارة شؤونها واختارته ضمن أعضائه ولكنه رفض المشاركة.
شارك عبد الشافي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عامي 1956 و1957، وكان وسيطا بين القوميين والشيوعيين والإسلاميين الناشطين في القطاع. وبعد إجلاء القوات الإسرائيلية المحتلة عن قطاع غزة عينته الإدارة المصرية التي عادت إلى حكم القطاع مديرا لدائرة الخدمات الصحية.
عاد عام 1960 إلى مزاولة عمله الطبي في عيادة خاصة. وبعدها بقليل اختير عام 1962 رئيسا للسلطة التشريعية للقطاع بعد أن شارك في أول مؤتمر وطني فلسطيني في مدينة القدس، وهو المؤتمر الذي أسست فيه منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري.
بين عامي 1964 و1965 أصبح عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعزز مواقعه في غزة بوصفه الشخصية الأبرز في القطاع.
بعد احتلال غزة للمرة الثانية عام 1967 عمل طبيبا متطوعا في "مستشفى الشفاء" بالقطاع، واعتقلته السلطات الإسرائيلية بتهمة تأييد سياسات أحمد الشقيري زعيم منظمة التحرير الفلسطينية.
واصل بعد إطلاق سراحه تحدي السلطات الإسرائيلية رافضا أي شكل من أشكال التعاون معها، فنفته بأوامر مباشرة من وزير الحرب موشيه دايان إلى وسط شبه جزيرة سيناء لمدة ثلاثة أشهر، ومن ثم إلى لبنان عام 1970 مع 5 من الزعماء الوطنيين وذلك ردا على إقدام "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" على اختطاف 3 طائرات مدنية نسفت لاحقا في الصحراء الأردنية.
أسس عام 1972 "جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني" في قطاع غزة وجعلها مسرحا للعون الطبي والنشاطات الاجتماعية والثقافية.
شارك عبد الشافي عام 1973 في تأسيس "الجبهة الوطنية الفلسطينية"، كما شارك في تأسيس "لجنة التوجيه الوطني" عام 1978 مع رؤساء البلديات والشخصيات الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين ردا على اتفاقيات "كامب ديفيد "الأولى لإغفالها القضية الفلسطينية.
وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ضد الاحتلال الإسرائيلي، لعب عبد الشافي دورا بارزا في الحض على تنظيم اللجان الشعبية وتشجيع القوى الوطنية على تشكيل قيادة وطنية موحدة للانتفاضة.
عاد اسمه من جديد إلى دائرة الضوء بعد أن شارك في الوفد الأردني ـ الفلسطيني المشترك إلى مؤتمر "مدريد للسلام" عام 1991، وبعدها أسندت إليه مهمة رئاسة الوفد الفلسطيني المفاوض في مباحثات واشنطن بين عامي 1992 و1993 إلى أن استقال من الوفد بسبب استمرار الخلاف على عقدة المستوطنات الإسرائيلية بعد أن رفض أي تسوية لا تنص على إزالتها. وبعد مناشدته وقبوله العودة إلى "مائدة التفاوض" استقال من جديد وبشكل نهائي عندما علم بوجود مفاوضات سرية بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال في "أوسلو".
وفي هذا الشأن يقول: "لو كنت أعرف بأن هناك مفاوضات جارية سرا طبعا لن أقبل، الرئيس عرفات أطلعني على اتفاق أوسلو بعد التوصل إليه وقبل التوقيع عليه. وأنا ذاهب إلى الجولة العاشرة في مفاوضات واشنطن أطلعني على اتفاق أوسلو وقرأته في مكتبه، قلت له بعد قراءة التقرير إن هذا اتفاق سيء وسيضعك في مشاكل لا نهاية لها مع الفلسطينيين فيجب أن تفتح عينيك، ولكن أبو عمار كان مستجيبا لهذا الاتفاق، ولكنني رفضت منذ ذلك الوقت وكان همي أن أفصل نفسي عن عملية السلام ولم أحضر حفل توقيع اتفاق أوسلو، فعزلت نفسي وفي النهاية استطعت أن أبتعد عما يجري."
انتخب عبد الشافي عام 1996 عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني بأعلى الأصوات، واختير لرئاسة اللجنة السياسية في المجلس. لكنه ما لبث أن انسحب عام 1998 من المجلس على أساس أنه يستحيل على المجلس بالنظر إلى سلطاته المحدودة إحداث أي تغيير نحو الأفضل في وضع الفلسطينيين، واحتجاجا على ما وصفه في حينه بـ"التقاعس عن مواجهة الفساد" في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وعلى عدم الفصل بين السلطات فيها. ودعا إلى مزيد من الديمقراطية داخل السلطة الوطنية الفلسطينية وإنشاء قيادة وحدة وطنية تجمع تحت لوائها كل الفصائل والتيارات.
أيد الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي أطلقت عام 2000 بعد تدنيس أرييل شارون للمسجد الأقصى معتبرا أنها "رفض طبيعي تلقائي لعشر سنوات من التفاوض العقيم مع إسرائيل" التي استغلت كل الفرص لتحويل الاحتلال إلى أمر واقع على الأرض. لكنه رفض عسكرة الانتفاضة ودعا إلى تشكيل قيادة موحدة لها.
وفي ما بعد سيؤسس مع مصطفى البرغوثي وإبراهيم الدقاق وإدوارد سعيد ونحو 500 شخصية فلسطينية "حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية" عام 2002 التي تولى موقع أمينها العام، وهي حركة سياسية اجتماعية تؤمن بأن الوحدة الوطنية هي صمام الأمان الحامي لنضال الشعب الفلسطيني ولحقوقه المشروعة في الحل العادل.
توفي حيدر عبد الشافي يوم 24 أيلول/ سبتمبر عام 2007 بعد معاناة مع المرض لنحو عامين، وشارك في تشييعه آلاف الفلسطينيين وممثلون عن الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية وعن منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، ودفن في مقبرة الشهداء شرق مدينة غزة في موقف نادر للوحدة في غزة بعد شهور من التوتر.
وقد وصف متحدثون باسم حماس عبد الشافي بأنه "واحد من أهم رموز الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه المشروعة".
كرم بعد وفاته، بإطلاق اسمه على دوار في مدينة غزة، وعلى دوار في مدينة رام الله، وعلى كلية الطب في "جامعة الأزهر" (غزة) لتصبح "كلية الدكتور حيدر عبد الشافي لطب الفم والأسنان". كما افتتحت "شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية" مكتبة عامة باسمه في مدينة غزة، وتأسس مركز باسم "مركز حيدر عبد الشافي للثقافة والتنمية"، وأخرج المخرج الفلسطيني حسام وهبه، عام 2007، فيلما وثائقيا عنه بعنوان: "حياة لم تكتمل".
المراجع:
*صحيفة "الدستور" الأردنية" 10 آب / أغسطس 2004.
*مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا).
*"بي بي سي" العربي ، 26/9/2007.
*محسن أبو رمضان، "الدكتور حيد عبد الشافي ضمير الشعب"، 2013.
* "اتفاقية أوسلو: مقابلة مع حيدر عبد الشافي"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 16، 1993.
*حوار مع حيدر عبد الشافي عن المفاوضات وشجون الوضع الفلسطيني"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 40، 1999.
*"حيدر عبد الشافي: تنازلنا أكثر مما يجب ولا يجوز مطالبتنا بالمزيد"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 11، 1992
ذكرى أكثر المذابح بشاعة منذ الحرب العالمية الثانية (1من2)
معركة بلعا... أول عملية عسكرية منظمة للمجاهدين في فلسطين
لاجئ من يافا: شاركت في محاولة مجهولة لوأد منظمة التحرير