باحثة أمريكية لعربي21: ليس لبايدن دور بارز بمصالحات المنطقة

قالت الباحثة البارزة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، كريستين سميث ديوان، إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لا تلعب دورا بارزا في المصالحة الخليجية، أو التطبيع المرتقب بين مصر وتركيا.

وفي مقابلة خاصة، في إطار سلسلة "ضيف عربي21"، أوضحت ديوان أن ذلك "لا يمثل أولوية كبيرة بالنسبة له"، مؤكدة أن المبادرة الرئيسية لحل هذه القضايا تأتي من المنطقة نفسها.

وأضافت ديوان أن جميع دول الخليج لم تسع إلى تحقيق المصالحة مع قطر، بل إن السعودية هي التي كانت تقف وراءها بشكل رئيسي، متطرقة إلى الأسباب التي دفعت الرياض للتصالح مع الدوحة.

يشار إلى أنه في 5 كانون الثاني/ يناير الماضي، صدر "بيان العُلا" عن القمة الخليجية الـ41 بمدينة العلا السعودية، مُعلنا نهاية أزمة حادة اندلعت في حزيران/ يونيو 2017، بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر. ولا تزال تتواصل تداعيات تلك القمة حتى الآن، خاصة على مستوى تطور العلاقات بين الرياض والدوحة والقاهرة.

وأعلن وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو، عن بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين تركيا ومصر، مشيرا إلى أن وفدا من أنقرة سيزور القاهرة مطلع أيار/ مايو المقبل استجابة لدعوة من الجانب المصري، وذلك في ظل مؤشرات التقارب الأخيرة بين الجانبين.

وعلى صعيد آخر، لفتت الباحثة الأمريكية البارزة إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يستمد السلطة والشرعية من والده، وبسط سيطرته "القوية" على الإعلام والشباب السعودي، الأمر الذي أثار -برأيها- استياء بعض أفراد الأسرة الحاكمة في المملكة، مرجحة صعود ابن سلمان إلى عرش البلاد خلال الفترة المقبلة.

وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع "ضيف عربي21":

أين وصلت المصالحة الخليجية مع قطر حتى الآن، في تقديركم؟

في الحقيقة لم تتقدّم المصالحة كثيرا، وأعتقد أن الهدف الأساسي كان إنهاء حالة المواجهة الكبيرة التي حدثت في السابق. لذلك فإن أغلب فوائد هذه المصالحة حصلت بنفسها عندما اتّفقت البلاد على إعادة إقامة علاقات دبلوماسية، وأي خطوة تفوق ذلك كانت بطيئة وغير متكافئة. لقد زار الوزير السعودي الدوحة لأول مرة منذ العام 2017، وقد تم تعيين المفوّض السعودي القطري للإشراف على هذه الاتفاقية.

برأيكم، ما الأسباب التي دفعت دول الخليج للتصالح مع قطر؟

من المهم معرفة أن جميع دول الخليج لم تسع إلى تحقيق هذه المصالحة، ولكن السعودية كانت هي الدافع وراءها. لذا فإن السؤال الحقيقي هو: لماذا اختارت السعودية إنهاء هذه المقاطعة مع قطر؟، أعتقد أن هناك عددا من الأسباب التي يجب مراعاتها هنا، أولها قضايا سياسات القوى العظمى. لدينا إدارة بايدن القادمة، وليس هناك شك في أن الحكومة السعودية أرادت أن تبدأ العلاقة على النحو الصحيح مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وأن تُقدّم نفسها كدولة يمكنها خلق حلول، بدلا من أن تكون مجرد صانعة مشاكل للولايات المتحدة والمنطقة.

هناك أيضا مسألة السياسات الإقليمية، وأعتقد أن هذا مرتبط أيضا بإدارة بايدن أو بالأحرى بالسياسة الأمريكية المتغيرة، حيث يمكنك رؤية جميع البلدان في الخليج، أو منطقة الشرق الأوسط الأوسع، تحاول حكم نفسها بشكل استراتيجي بطريقة تستجيب وتتوافق مع الولايات المتحدة، ما يشير أكثر فأكثر إلى أن شرق آسيا ستكون أولوية أكبر لواشنطن، وهذا يعني أنها لن تتدخل بشكل كبير في حل جميع القضايا الأمنية لدول الخليج أو أنها ستغير موقفها تجاه الشرق الأوسط.

وهذا لا يعني أن أمريكا ستغادر المنطقة، إذ لا تزال قواتها موجودة بصفة كبيرة، لكن من الواضح أنه كان هناك تصور منذ سنوات بأن واشنطن تبحث عن مزيد من تقاسم الأعباء، وأن الدول الأخرى أكثر استعدادا لتعديل موقعها الاستراتيجي داخل المنطقة.

يمكننا أيضا أن نرى الإمارات تنفتح الآن على إسرائيل، وتنظر إليها كشريك استراتيجي مهم في المنطقة، بخلاف التحالفات مع تركيا. لذلك أعتقد أنه عندما تنظر السعودية في كل هذه التطورات، فإنها تجد نفسها معزولة قليلا أو على أي حال لا تريد أن يكون لديها العديد من المشاكل في المنطقة.

أما عندما ننظر إلى السعودية وعلاقتها مع قطر؛ فقد قامت بالكثير من تحليل المكاسب والخسائر بشأن جدوى استمرار الحصار، وأعتقد أنه في وقت سابق، كان من المهم للغاية من وجهة نظر السعودية بدء هذه المواجهة مع قطر، وذلك لأسباب محلية أهمها أن محمد بن سلمان كان قد وصل إلى السلطة مدركا أنه يحتاج حقا للسيطرة على الشباب بالكامل داخل المملكة، وللقيام بذلك أراد السيطرة على المجال الإعلامي بأكمله.

أعتقد أن قطر كانت منافسة للغاية في هذا المجال، ووفّرت على الأقل فرصة لبروز بعض الأصوات السعودية، خاصة أولئك الذين تم حشدهم بشكل خاص خلال انتفاضات عام 2011، والتي لا تزال تتمتع ببعض المصداقية لدى الفئة الديمغرافيّة للشباب.

وكانت وسائل الإعلام القطرية توفر منفذا نوعا ما للعديد من هؤلاء الشباب السعوديين، وأعتقد أن محمد بن سلمان أراد إغلاق هذا المنفذ. لقد بسط ابن سلمان حقا سيطرته القوية على الإعلام السعودي وإمكانية تواصله بشكل أساسي مع هذه الفئة الديموغرافية المهمة.

وأعتقد أن السعودية أصبحت تراجع بعض العقبات التي تُسبّب بعض المشاكل بسبب المقاطعة، وخاصة المشاكل الاقتصادية، وأوجه التعاون التي من شأنها أن تتبلور في مجال السياحة، خاصة مع اقتراب كأس العالم، حيث لا تريد السعودية هذه المشاكل على الصعيد الاقتصادي بعد الآن.

لذلك، عندما ننظر إجمالا إلى تحليل المكاسب والخسائر بالنسبة للسعودية، فإن الوضع كان سلبيا أكثر منه إيجابيا. نتيجة لهذه الأسباب، فقد شرعت الرياض في تبني نقلة إيجابية في العلاقات مع الدوحة.

أعتقد أن محمد بن سلمان يستمد السلطة من والده، وهذا بالتأكيد أثار استياء بعض أفراد الأسرة الحاكمة. في حين تعمل الولايات المتحدة بالفعل على تعزيز قوتها، وترى أن جميع إطارات الدولة الأكثر أهمية في الدولة تسعى لمواجهة صعوده.

مع ذلك، لا أتوقع أن محمد بن سلمان في عجلة من أمره ليُنجز هذه النقلة. أعتقد أنه يستفيد بالفعل من المكانة والشرعية التي يمنحها له والده. وأرى أن هذا الانتقال سيحدث، وهو مسار طبيعي.

اقرأ أيضا: مؤلف "النفط والدم" لـ"عربي21": ابن سلمان يتحكم بكل شيء

هل إدارة جو بايدن تلعب دورا ما في المصالحة الخليجية أو المصالحة المرتقبة بين مصر وتركيا؟

إنها لا تلعب الدور الأساسي؛ فنحن نعلم أن الولايات المتحدة كانت حريصة على إنهاء أزمات الخليج والصراع بين دول الخليج، ونعلم أن هذه المساعي كانت قائمة حتى في ظل إدارة ترامب التي ربما لعبت دورا ما في ذلك، لكن لا أعتقد أن هذا يمثل أولوية كبيرة لإدارة بايدن، وإنما من الواضح أن المبادرة الرئيسية لحل هذه القضايا تأتي من المنطقة نفسها. وأعتقد أننا سنرى الاتجاهات الاستراتيجية الجديدة والمصالحات تنطلق من اللاعبين المهيمنين في المنطقة.

هل المصالحة بين القاهرة وأنقرة - في حال نجاحها - ستشمل قوى المعارضة المصرية والإفراج عن السجناء السياسيين؟ وما أبعادها؟

من السابق لأوانه التكهن بمصير هذه المسألة. يمكننا أن نرى تحركا عاما نحو رأب التوترات بين البلدين، في ظل إطلاق العديد من المبادرات المختلفة في جميع أنحاء المنطقة للانسحاب من الاستقطاب الحاد الذي كان يحدث سابقا، وهذا يرجع في الغالب إلى التحديات الاقتصادية التي ستواجهها المنطقة في فترة ما بعد جائحة كورونا، وكيفية الخروج من هذه الحقبة تواجه جميع البلدان الكثير من التحديات بالفعل، وترغب في العثور على المحفزات بشكل أكبر، وتتطلع إلى تقليص عدد النزاعات، لحسم الكثير من الصراعات التي تخوضها في المنطقة.

وأرى أن الشيء الرئيسي الذي يتابعه الناس هو بدء المفاوضات بين القاهرة وأنقرة، وهذا يمثل أحد المبادئ التي تنتهجها قطر، ولا أعتقد أن هناك الكثير لقوله بشأن هذه المسألة الآن.

من الواضح أن مصر وتركيا بدأتا بعض المحادثات الأولية للتخفيف من حدة التوترات بينهما، في ظل القضايا المعقدة مثل منطقة شرق البحر المتوسط، ووضع جماعة الإخوان المسلمين في تركيا، وكذلك الصراع الليبي. وأتوقع أن تكون هناك الكثير من البدايات والنهايات في هذه المحادثات، وقد رأينا هذا بالفعل. وأرى أنه يتعين علينا فقط أن نرى إلى أين ستؤول الأمور.