ورد حديث في هذا الشأن، مما جعل البعض يتصور أنه أمر بات لا نقاش فيه، ثم يثار النقاش حول: لماذا تعاقب المرأة بدخول النار بناء على جنسها؟ والحقيقة أن آفة بعض من يتعاملون مع النصوص الشرعية في قضايا المرأة وغيرها: هو انتزاع نص من سياقه، ثم بناء رأي على هذا النص المنزوع من سياقه، وكأنه الحقيقة النهائية في الإسلام، فالحديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تصدقن يا معشر النساء، ولو من حليكن، فإنكن أكثر أهل النار" فقامت امرأة ليست من علية النساء، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: " لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير".
فهل جاء الحديث ليبين جنس من يسكنون النار؟ الحقيقة أن النار والجنة لا علاقة لمن يسكنها بجنسه، ذكرا كان أم أنثى، بل له علاقة بأعمال يقوم بها الشخص، سواء كانت حسنات أم سيئات، ولذلك نجد القرآن الكريم يقول: (فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ) آل عمران: 195. فالمعيار هنا العمل لا الجنس.
أما الحديث الذي تحدث عن النساء أكثر أهل النار، فمقصود به: الوعظ وترغيب النساء في التبرع والتصدق آنذاك، وهو الحالة التي وردت فيه الحديث، وهو ما قاله أئمة كبار في نظرتهم للحديث، ولذا قال ابن حجر: وفي هذا الحديث: الإغلاظ في النصح، بما يكون سببا لإزالة الصفة التي تُعاب.
كما وجه ابن قتيبة الحديث توجيها حسنا، فقال: (ولو قال قائل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها البله، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء"، إن اطلاعه فيهما كان بالفكر والإقبال، كان تأويلا حسنا)، وقال بنفس الجملة، نقلا عن ابن قتيبة وإقرارا لها: ابن تيمية في مجموع الفتاوى.
ويؤيد ذلك ما رواه مسلم في صحيحه "ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه، لقد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبة في النار، وكان يسرق الحاج بمحجنه، فإذا فطن له قال: إنما تعلق بمحجني، وإن غفل عنه ذهب به. وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا، ثم جيء بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن لا أفعل فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه".
الحديث الذي تحدث عن النساء أكثر أهل النار، فمقصود به: الوعظ وترغيب النساء في التبرع والتصدق آنذاك، وهو الحالة التي وردت فيه الحديث، وهو ما قاله أئمة كبار في نظرتهم للحديث، ولذا قال ابن حجر: وفي هذا الحديث: الإغلاظ في النصح، بما يكون سببا لإزالة الصفة التي تُعاب.
وقال ابن الملقن في التوضيح بشرح الجامع الصحيح: (فإن قلت: إذا كان أكثر أهلها النساء، كيف يلتئم مع حديث أبي هريرة: "إن أدنى أهل الجنة من له زوجتان من الدنيا"ومقتضاه أن النساء ثلثا أهل الجنة؟ فالجواب أن عمل حديث أبي هريرة على ما بعد خروجهن من النار، أو خرج مخرج التغليظ والتخويف، وفي هذا نظر؛ لأنه أخبر أن الرؤية حاصلة. وأجاب بعضهم بأنه لعله مخصوص ببعض النساء دون بعض)، وقال بنفس القول الإمام الزرقاني في شرح الموطأ.
فالحديث هنا لا يقر بأن أكثر أهل النار النساء لأن الشر غالب على فطرتهن؟ إذ لو كان الأمر كذلك، لما كن مسؤولات عما يقع منهن من معصية، لأنهن فطرن على ذلك، فالأمر ليس له علاقة بالجنس هنا، بل له علاقة بالعمل، وأن المسألة مرتبطة باللعن، وكفر العشير، وهو أمر سلوكي لا يتعلق بجنس دون الآخر، وإن بدا غالبا على النساء، ولكنه لا يخلو منه الرجال.
كما وردت أحاديث تبين أن أكثر أهل الجنة الفقراء، فهل معنى ذلك أن الإسلام يرغب في الفقر؟ بل وردت نصوص يستعيذ فيها النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر، فمثل هذه الأحاديث لا بد أن تفهم في سياقها، وهي سياق يحث الأغنياء على إخراج حق المال من الزكاة والصدقة، وليس مقصودا به الحكم على الغنى أو الفقر، ولذا اختلف الفقهاء أيهما أفضل: الغني الشاكر، أم الفقير الصابر؟
فليس المقصود من هذه الأحاديث بيان جنس من يدخل النار ومن يدخل الجنة، بل المقصود من هذه الأحاديث: تجنب صفات وأعمال تؤدي بصاحبها إلى النار، وأن علينا أن نتجنب هذه الصفات رجالا كنا أم نساء.
Essamt74@hotmail.com
أحكام إعدام بالجملة في مصر.. لماذا؟