شهدت مدينة إسطنبول في 5 و6 أيلول/ سبتمبر 1955 أحداثا مشينة، حيث هاجم آلاف الأتراك محلات أبناء الأقليات الرومية والأرمينية واليهودية وبيوتهم، جراء انتشار إشاعة تقول إن البيت الذي ولد فيه مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال
أتاتورك في مدينة "سالونيك" اليونانية تعرض لهجوم بقنبلة يدوية. وكانت تلك الإشاعة التي تم بثها في الإذاعة ونشرتها إحدى الصحف؛ أشعلت شرارة أعمال التخريب والسلب والنهب التي اتضح فيما بعد أنها كانت مدبرة من قبل "الدولة العميقة". وإثر تلك الأحداث، هاجر الآلاف من الأقليات غير المسلمة من مدينة إسطنبول.
الحزب الديمقراطي برئاسة عدنان مندريس فاز في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 14 أيار/ مايو 1950، وحصل على 52.7 في المائة من أصوات الناخبين و408 مقاعد في البرلمان، في مقابل حصول حزب
الشعب الجمهوري على 39.4 في المائة من الأصوات و69 مقعدا. وأنهى ذاك الفوز الساحق حقبة حكم الحزب الواحد في
تركيا. وبعد استلام الحزب الديمقراطي حكم البلاد من حزب الشعب الجمهوري، ظهرت اعتداءات على تماثيل أتاتورك، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تمرير قانون من البرلمان التركي في تموز/ يوليو 1951 لمعاقبة الإساءة إلى أتاتورك. وذاك القانون الذي يسمى "القانون على الجرائم المرتكبة ضد أتاتورك" أو "قانون حماية أتاتورك" ما زال ساري المفعول.
تعليقات المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري على مثل هذه الأحداث تستهدف غالبا المواطنين المتدينين، باعتبارهم "أعداء أتاتورك وإرثه"، بغض النظر عن الفاعل ودوافعه. وتكررت ردة الفعل ذاتها بعد الحادثة الأخيرة، وأطلق المتظاهرون هتافات للتعبير عن عزمهم على حماية إرث أتاتورك
رمزية أتاتورك تم استغلالها في عمليات مشبوهة منذ 1955 حتى اليوم لتجييش الشارع التركي من أجل تحقيق أهداف سياسية. وفي حادثة تشبه تلك العمليات، حاول رجلان قبل أسبوع أن يسقطا تمثال أتاتورك في مدينة سامسون في شمال تركيا باستخدام الحبل، ما أدَّى إلى تجمع العشرات حول التمثال لحمايته، بل وحتى قام بعضهم بالطواف حوله، كما أنه تم تنظيم مظاهرات احتجاجية في أنحاء البلاد للتنديد بالهجوم الذي تعرض له تمثال أتاتورك.
تعليقات المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري على مثل هذه الأحداث تستهدف غالبا المواطنين المتدينين، باعتبارهم "أعداء أتاتورك وإرثه"، بغض النظر عن الفاعل ودوافعه. وتكررت ردة الفعل ذاتها بعد الحادثة الأخيرة، وأطلق المتظاهرون هتافات للتعبير عن عزمهم على حماية إرث أتاتورك. إلا أن قوات الأمن ألقت القبض على المشتبه بهما، واتضحت أن دوافع استهداف تمثال أتاتورك لم تكن دينية، بل اعترف الرجلان بأنهما كانا في حالة سكر أثناء اعتدائهما على التمثال.
هناك من يرى من المحللين الأتراك أن هذه الحادثة الأخيرة مفتعلة يقف وراءها آخرون، وأن الرجلين اللذين تم القبض عليهما ليسا إلا مجرد أداتين تم استخدامهما في مقابل قليل من الأموال. وإن بدا هذا التحليل في الوهلة الأولى كثمرة عقلية مؤامراتية، ولكنه لا يمكن استبعاده تماما، نظرا لوقوع أحداث مشابهة في الماضي القريب.
حزب الشعب الجمهوري أكثر
الأحزاب السياسية استغلالا لأتاتورك، لأن معظم مؤيديه يصوّتون له بشكل أعمى لكونه الحزب الذي أسَّسه أتاتورك، بغض النظر عن أسماء المرشحين ومؤهلاتهم. وكثيرا ما يوظَّف إظهار الانتماء إلى الفكر الأتاتوركي من قبل الحزب وأعضائه ومؤيديه للتغطية على الفشل أو الفساد، عن طريق لبس سترة من النوع الذي لبسه أتاتورك، أو وضع كتاب "نطق" الذي جمع فيه مؤسس الجمهورية آراءه؛ على المكتب أو رفوف المكتبة بشكل لافت خلال تسجيل التصريحات، لإرسال رسالة إلى الرأي العام مفادها أنه يتعرض للانتقادات لا لفشله أو فساده، بل لكونه ينتمي إلى الفكر الأتاتوركي.
تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية في غاية الأهمية، ومن المؤكد أن المعارضة والقوى التي ترغب في إسقاط أردوغان ستستخدم كل ما لديها من أوراق، ما يعني أن البلاد ستشهد حتى منتصف العام القادم أحداثا مفتعلة عديدة بهدف توجيه الناخبين لهذا الاتجاه أو ذاك
محاولات استغلال أتاتورك لا تنجح دائما، بل تؤدي في بعض الأحيان إلى خيبة أمل وفضيحة، كما في القصة الواقعية التي حكاها النائب السابق ورئيس بلدية مدينة آغري، صاوجي صايان، الذي كان ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري قبل انشقاقه وانضمامه إلى صفوف حزب العدالة والتنمية. وذكر صايان قبل أيام في برنامج تلفزيوني أن نصابا إيرانيا جاء إلى حزب الشعب الجمهوري حين كان رئيسه دنيز بايكال، قائلا إن لديه شريط فيديو يظهر
أردوغان وهو يسب أتاتورك ويركل تمثاله، وأن اثنين من نواب الحزب سافرا إلى إيران لاستلام الشريط في مقابل عشرة آلاف دولار، ومكثا في طهران ثلاثة أيام، وطلب النصاب الإيراني منهما عشرة آلاف دولار أخرى، ولكنه بعدما أخذ كل تلك المبالغ، قام بتخويفهما، وقال لهما إن حزب العمال الكردستاني علم بتواجدهما في العاصمة الإيرانية وسيحاول اغتيالهما، وعاد النائبان من طهران خاويي الوفاض، بعد أن كانا يحلمان بإسقاط حكومة أردوغان من خلال نشر ذاك الشريط.
تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية في غاية الأهمية، ومن المؤكد أن المعارضة والقوى التي ترغب في إسقاط أردوغان ستستخدم كل ما لديها من أوراق، ما يعني أن البلاد ستشهد حتى منتصف العام القادم أحداثا مفتعلة عديدة بهدف توجيه الناخبين لهذا الاتجاه أو ذاك.
twitter.com/ismail_yasa