نشرت
صحيفة "ديلي ميل" تقريرا أعده كريس بليسانس قال فيه إن أوكرانيا تعتقد بأن
مصيرها سيقرر في طين ودم دونباس، حيث تحاول قواتها طحن الجيش الروسي ودفنه في التراب
باستخدام الشجاعة والمهارة والترسانة العسكرية من الغرب.
إلا
أن هناك منظورا آخر لتقرير مسار
الحرب وفي جبهة أخرى، وبعيدا آلاف الأميال، في صحاري الشرق الأوسط والمزارع المتصحرة في أفريقيا، حيث يواجه 44 مليون شخص
المجاعة نظرا لاعتمادهم
على حبوب وزيت أوكرانيا إلا في حالة وقف الحرب وبشكل سريع.
وقالت
إن الحصار المفروض على موانئ البحر الأسود الرئيسية أدت لمنع تصدير الحبوب والتي أطعمت
400 مليون شخص، بشكل يهدد بالجوع والشغب من ليبيا إلى ليبريا ومن سوريا إلى جنوب السودان.
وعلى
هذه الجبهة يبدو أن بوتين قد حقق انتصارا. وهناك جوقة من القادة، انضم إليهم رئيس الاتحاد
الأفريقي ماكي سال، يمارسون الضغوط على الغرب لفتح الطريق أمام السلام الذي يرى معظم
المحللين أنه سيكون في صالح
روسيا لكنه يسمح بعودة تدفق الإمدادات من أوكرانيا.
وفي
محاولة للحاق بالركب تعهد قادة مجموعة الدول السبع بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني،
بوريس جونسون "بعمل ما يمكن عمله" وفتح الموانئ، لكنهم يواجهون مشكلة عويصة
لتسيير ناقلات الحبوب ومرورها عبر السفن الحربية الروسية ومن خلال حقول الألغام التي
زرعت في البحر الأسود. ويرى الكاتب أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين ربما تمكن وسط
المخاوف من مجاعات عالمية متتابعة من تحقيق نصر رغم شجاعة الأوكرانيين في ساحة القتال.
وزودت
أوكرانيا قبل الحرب في 24 شباط/ فبراير نسبة 11% من الاحتياجات العالمية من الحبوب
وبقيمة 18.5 مليار دولار في عام 2018، وذلك حسب بيانات من البنك الدولي. وذهبت نصف
الصادرات إلى أوروبا، وربعها إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو دول الصحراء الأفريقية،
وهما منطقتان تواجهان الآن مخاطر نقص المواد الغذائية، نظرا لعدم وجود بدائل للاعتماد
عليها.
وتعتبر
أوكرانيا المزود الأكبر لبرنامج
الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة الذي يوفر الطعام
للمحتاجين ويأخذ نسبة 40% من احتياجاته من أوكرانيا. وفي الوقت الحالي فالأزمة هي لوجيستية،
فهناك الكثير من الطعام، ولكن المشكلة هي الحصول عليه وإيصاله لمن يحتاجون إليه.
ويعتبر
الطريق الرئيسي لتصدير المواد الغذائية هو موانئ البحر الأسود مثل أوديسا وميكوليف اللذان يتم شحن ملايين الأطنان منهما كل عام، ولكنهما مغلقان تماما منذ بداية الحرب
وتم تلغيم المياه القريبة منهما وتحت رقابة مدافع البحرية الروسية.
ويحاول
القادة البحث عن وسائل أخرى لنقل الحبوب، مثل القطارات، لكن الكميات بملايين الأطنان
وليس من المؤكد أنها ستصل إلى الدول المقصودة. وتم الحديث عن خطة طموحة لإرسال السفن
التركية والمصرية عبر ما أطلق عليها "ممرات إنسانية"، ولم يحدث بعد أي شيء.
ونقل
عن سيدهارت كوشال من معهد "روسي" في لندن قوله: "أعتقد أنه يمكن تحقيقها،
وسواء تحققت أم لا، سؤال مفتوح".
وحتى لو تم نقل كل الحبوب المتوفرة إلا أنه لن يحل
الأزمة، فالمحصول الأوكراني للسنوات القادمة سيكون أقل، بسبب ما خلفته الحرب من آثار
على المزارع وتجنيد المزراعين للقتال مع الجيش إلى جانب مقتل الآلاف وجرحهم.
وتعتبر
أوكرانيا مصدرا مهما للأسمدة، مما يعني أن المحاصيل في العالم ستكون متدنية ولسنوات
مقبلة. وفي ظل الظرف الحالي، فربما كان لقادة الشرق الأوسط وأفريقيا مصلحة مشتركة مع
أوكرانيا لنهاية الحرب، إلا أن كلا المنطقتين تشك بالغرب وتعتمد بشكل متزايد على روسيا
في مجال التجارة والأمن.
ووقعت
عدة دول أفريقية على صفقات أسلحة مع موسكو التي نشرت مرتزقة شركة فاغنر في عدد من الدول
الأفريقية. وطورت روسيا شبكة دبلوماسية تقوم بضخ الدعاية التي تحمل الغرب مسؤولية الحرب.
وأثمرت هذه الجهود عندما اجتمع سال، رئيس الاتحاد الأفريقي مع بوتين وحمل بعد خروجه
من الاجتماع الغرب مسؤولية نقص المواد الغذائية. وكذا رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوسا،
الذي حمل الناتو مسؤولية الحرب واتهمه بالعدوان ودعا أوكرانيا للتوصل إلى صفقة مع موسكو
والتفاوض المباشر معها.
وفي الشرق الأوسط دعمت سوريا الأسد وإيران بوتين
إلا أن تركيا والإمارات العربية المتحدة والسعودية رفضت التعبير عن مواقف داعمة لطرف
ضد آخر.
ومن
35 دولة امتنعت عن التصويت في آذار/مارس دعما لقرار في الأمم المتحدة لشجب الحرب، نصفها
من الشرق الأوسط وأفريقيا.
ومن
بين الدول الخمس التي صوتت ضد القرار سوريا وإريتريا، أما البقية فهي روسيا وكوريا
الشمالية وبيلاروسيا.
وبعد
تأخر، عقد الرئيس الأوكراني مؤتمرا مع الاتحاد الأفريقي حيث حضر 4 رؤساء دول للاستماع
إلى خطابه واكتفى البقية بإرسال ممثلين عنهم. وتم إرسال أكبر مسؤولين في الاتحاد الأوروبي،
أورسلا فوندرلين وتشارلس ميشيل إلى الشرق الأوسط وأفريقيا لحشد الدعم وراء الحرب، وعرضا
تقديم 630 مليون دولار لتخفيف الأزمة بدون شروط للدعم.
وكان
قادة جنوب أفريقيا والهند وأندونيسيا والاتحاد الأفريقي من المشاركين في قمة الدول
السبع حيث أصدرت بيانا دعمت فيه الحرب بأوكرانيا ومواصلة الدعم مهما اقتضى الأمر.
لكن
قادة دول الجنوب يعرفون أنه بدون وقف للحرب فلن تحل أزمة نقص الطعام وسيواجهون مصاعب
ومخاوف من نزاعات.
وآخر
مرة عانى فيها العالم من أزمة غذاء حادة كانت بين 2010- 2012، وقادت إلى عدم استقرار
والتي يقول الخبراء إنها أشعلت الانتفاضات العربية.
وأثرت
الحربان الأهلية السورية والليبية على الغرب وساهمتا في ظهور تنظيم الدولة، ولم يتعاف
البلدان بعد. وسيكون البلدان من ضمن المتأثرين بالأزمة الحالية إلى جانب القرن الأفريقي-
كينيا والصومال وإثيوبيا. وكان هناك 18.5 مليون في هذه المناطق المتقلبة يعانون من
مخاطر المجاعة، حتى قبل أوكرانيا بسبب الجفاف المستمر منذ أربعة أعوام.