طرحت تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى
اليمن، تيم ليندر
كينغ، الأسبوع الماضي، بشأن "مستقبل اليمن"، تساؤلات عدة حول دلالات هذا
الموقف، وانعكاساته على وحدة وسيادة البلد الغارق في الحرب منذ 8 سنوات.
وكان ليندر كينغ قد قال يوم الأربعاء، في تصريحات أدلى بها
لقناة الجزيرة القطرية، إن مستقبل اليمن يحدد من خلال التفاوض، وهو ما اعتبر نكوصا
أمريكيا عن التزاماته بقرارات مجلس الأمن التي تؤكد على وحدة اليمن واستقلاله وسيادته
على كامل أراضيه.
"لم تكن يوما مع الوحدة"
وفي هذا السياق، يرى الكاتب اليمني محمد مصطفى العمراني أن
الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن في أي يوم من الأيام مع الوحدة أو ضد الانفصال وتقسيم
اليمن، رغم التصريحات المتكررة بأنها تقف مع وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه.
وقال العمراني في حديث لـ"عربي21" إن تلك التصريحات
بوقوف واشنطن مع وحدة اليمن "للاستهلاك الإعلامي ليس إلا".
وأشار إلى أن الموقف الأمريكي يدور في مصلحة واشنطن وحلفائها
في المنطقة، وكذلك الموقف الأوروبي والبريطاني على وجه الخصوص، وليس في مصلحة أبناء
اليمن ومستقبلهم واستقلال اليمن ووحدة أراضيه، و"هذا ما يجب أن ندركه".
وقال العمراني: "في حرب صيف 1994م، وعندما وصل الرئيس
السابق علي عبد الله إلى مشارف عدن، جنوبا، تلقى اتصالا من البيت الأبيض، خلاصته:
"توقف عندك، توقف في الحدود".
وتابع: "أبدى صالح التزامه بالتعليمات الأمريكية، وفي
اليوم التالي دخل عدن وفرض الأمر الواقع.. وحينها أصدرت الولايات المتحدة بيانا، أكدت
فيه على استقلال اليمن وسيادته ووحدة أراضيه".
وأردف العمراني قائلا: "في النهاية، الأمريكان مع من
يفرض وجوده على الأرض".
كما لفت الكاتب اليمني إلى أنه يجب أن ندرك أن الموقف الخليجي، خصوصا السعودي الإماراتي، وقبل ذلك الموقف البريطاني، هو الأكثر فعالية من الموقف الأمريكي
في الشأن اليمني.
ومضى قائلا: "والموقف البريطاني والغربي عموما صار مؤخرا
يتماهى مع المخططات السعودية الإماراتية إلى حد كبير".
وأوضح أن اليمن لا تشكل أولوية لدى الأمريكيين إلا في جوانب
محددة، مثل ضمان أمن الطاقة في السعودية والإمارات، وضمان الملاحة الدولية في البحر
الأحمر ومضيق باب المندب، وفي المفاوضات مع إيران.
وقال الكاتب العمراني: "حتى ملف مكافحة الإرهاب لم يعد
أولوية لدى الأمريكيين، الذين ينسحبون من المنطقة بشكل أو بآخر، وينشغلون بملفات أهم
مثل الصين والحرب في أوكرانيا ومفاوضات الملف النووي الإيراني وأزمة الطاقة في أوروبا
وغيرها".
"نكوص أمريكي"
من جانبه، اعتبر وزير النقل اليمني السابق، صالح الجبواني، تصريحات المبعوث الأمريكي "نكوصا عن التزام واشنطن بوحدة اليمن التي تؤكدها قرارات
مجلس الأمن".
وقال الجبواني عبر "تويتر"، إن تصريح "ليندركينغ"
نكوص أمريكي عن التزام الولايات المتحدة الأمريكية بقرارات مجلس الأمن الدولي، التي
تؤكد على الالتزام بوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه.
وأضاف الوزير اليمني السابق أن "هذا التصريح يؤكد مشاركة
أمريكا في التآمر على اليمن ووحدة أراضيه".
" ليست مستغربة"
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي اليمني حسن محمد مغلس أنها
تصريحات "غير مستغربة".
وأضاف مغلس في حديث لـ"عربي21": "حدد ليندر
كينج مسار مستقبل اليمن من خلال التفاوض المباشر بين الحكومة اليمنية وجماعة
الحوثي،
دون ممارسة أي ضغوط على الأخيرة بدرجة أساسية للالتزام بما تم الاتفاق عليه في مجلس
الأمن للقرار 2216، والذي يلزم الجماعة تسليم ما تم الاستيلاء عليه من مقدرات الدولة، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، مثلها مثل أي مكون سياسي".
وتابع: "وتمهيدا لذلك، تدخل مندوب الأمم المتحدة (هانس
غروندبرغ) والمندوب الأمريكي، وطلبا هدنة بموجبها يتم فتح المطارات والموانئ أمام الحوثي، وفتح المعابر والطرقات لتعز، ورفع حصار الحوثي عنها من قبله.. إلا انه لم يتم تنفيذ إلا
الشق الأول فقط، وهو فتح المطار والميناء، وتجاهل بقية الشروط للهدنة".
وقال المحلل السياسي اليمني: "ما أعطى الفرصة الكاملة
لجماعة الحوثي أن ترتب صفوفها وتحشد قواتها وتلتقط أنفاسها، وتستغل فترة الهدنة لتستعرض
عضلاتها في مهرجانين كبيرين، أحدهما في الحديدة، غربا، والآخر في صنعاء، دون خوف أو فزع
من أي ضربات قد تصيبها، وكأنها قد أخذت الإذن من الدول الراعية الوسيطة بينها والحكومة
الشرعية.
وأشار إلى أن قفز "ليدركينج" بهذه التصريحات حول
مستقبل اليمن و"حصره بالتفاوض مع الحوثي مباشرة، كأنه يملي على الشعب اليمني وحكومته
القبول بسياسة الأمر الواقع التي فرضها الحوثيون بمساعدة هذه الدول، التي لم يعد الشعب
اليمني يكترث كثيرا لمقترحاتها التي لا تخدم إلا الجماعة".
وبحسب المحلل اليمني مغلس، فإن المندوب الأمريكي "ليندر
كينج" أصبح متحدثا عن الشعب اليمني، معبرا عن أسفه من غياب الردود الحاسمة ممن
هم على قيادة البلد (مجلس الرئاسة) على مثل هذه التصريحات.
وأكد المحلل السياسي اليمني أن "على الجميع أن يعلم
أن هذه التصريحات لن تؤدي إلا لتمزيق وحدة الوطن".
كما رأى أن تصريحات المبعوث الأمريكي إلى اليمن يبدو لنا
أنها بمثابة الشفرة السرية لبدء اقتتال واسع على كافة الجبهات الحالية، وربما تفتح
جبهات أكثر.