سنين حيايتة معاشة مرت وانقضت وكانت علامة على اكتشاف
العملية الصناعية ومنهج
الصناعة في الحياة وفي هذا العالم الواسع متعدد الأطياف
والأطراف، وبرزت عدة أسئلة منها: أين تقع الأمة العربية اليوم من هذا المسار من
هذا النهج؟ ما هو ترتيبها فيه من بين جميع الأمم والمكونات البشرية؟ هل هي على
عتبات الأمل والتفاؤل فيه؟
سنين طويلة حضرت وصارت من الماضي، احتوت على العديد من
النماذج من الأشكال والصور والدلالات على عالم اليوم الصناعي، لكن أين الأمة
العربية من هذا المجتمع الكبير؟ هذا المجتمع ينتج ويصنع ويفكر ويحول الفكرة إلى منتج
مصنوع جاهز للاستخدام وللخدمة وللمنفعة الحياتية، يوزَع في أرجاء الأرض كلها، وتُنشر
له الدعايات وتروج له حملات التسويق الكثيرة، ويلقى القبول واللهفة كبيرة على
شرائه واستخدامه.
لماذا يبقى وضع الأمة العربية في خانة القبول والاستهلاك فقط؟ شراء المنتج والسلعة ثم الانتفاع بها واستهلاكها هذا هو مسار السلعة والمنتج عند الأمة العربية، والآخر يفكر وينتج ويصنع ويسوّق ويبيع.. الآخر هو العمود الأساسي في هذه العملية الصناعية من أولها إلى آخرها
لكن يبرز هنا سؤال محوري هام: لماذا يبقى وضع الأمة
العربية في خانة القبول والاستهلاك فقط؟ شراء المنتج والسلعة ثم الانتفاع بها
واستهلاكها هذا هو مسار السلعة والمنتج عند الأمة العربية، والآخر يفكر وينتج ويصنع
ويسوّق ويبيع.. الآخر هو العمود الأساسي في هذه العملية الصناعية من أولها إلى آخرها،
وقد يكون هو من فئة المستهلك لكنه في نفس الوقت هو الصانع وليس الإنسان والمواطن العربي،
ليست الأمة العربية، حتى وإن كانت تلك السلع أو ذلك المنتج أبسط الأشياء. هنا يكون
السؤال لماذا ذلك الآخر هو المستحوذ والمسيطر؟ هل الموضوع موضوع إمكانات على
اختلافها؛ مادية كانت أو بشرية أو أيا كانت وكان نوعها واسمها تلك الإمكانات وتلك
المقدرة؟ هل الأمة العربية والوطن العربي اليوم وقبل اليوم أصيب بالشح بالندرة
منها؟ الجواب الأكيد هو أنه وفير، فيه وفرة، فيه نِعم الله الكثيرة التي لا تعد
ولا تحصى أبدا. إذن لماذا ذلك الآخر هو هو سنة بعد سنة، يكون المسيطر والمهيمن، وهو
صاحب الكلمة الأولى والأخيرة؟
للموضوع وأصله جذور، وهي فكر وعقل ذلك الآخر عن الأمة
العربية، فهو يريدها بالقوة وبأساليبه الملتوية خاضعة مستهلكة لنتائج فكره فقط، مستهلكة
لتوجيهاته تعليماته هو فقط. واقع الحال يؤكد ذلك، لا يوجد في الأمة العربية اليوم
من أنتج تلك الآلة أو السفينة أو السيارة أو الحافلة أو المركبة الفضائية، لا يوجد
لا يوجد أبدا، يوجد فقط من استهلك ومن اشترى وانتفع وزاد الدولارات لذلك الآخر
ليدعم في النهاية بن غفير وأمثاله من الطغاة، ويقول الويل الويل لأمة العرب إن
فكرت أو حاولت أن تكون قوية بالعلم وبالمعرفة، لتكون صناعية منتجة للصناعة ولأي
حقل من حقول الحياة الأخرى، حتى باقي حقول الحياة ممنوع الإبداع فيها، وعلى العرب
الرسوب في امتحاناتها بشكل دائم؛ زراعة وعلما ومعرفة وفكرا إيجابيا وغيرها، فتكون
النتيجة راسب راسب لأمة العروبة عند تقييمها من ذلك الآخر وأولئك الآخرين، لكنها
وعلى النقيض تكون ناجحة بامتياز لهذا الآخر أينما كان، وهو الذي يتلوى لسانه يمينا
ويسارا للترويج وللتسويق لما أنتج ولما صنع، ونفسه يدعم في النهاية بن غفير وأعوانه
ممن يشتمون العروبة والإسلام النبيل بلا سبب وبلا ذريعة.
هل ستبقى الأمة العربية اليوم على هامش طريق الحياة وعلى
حافته؟ ماذا ينقصها؟ تنقصها الإرادة والتصميم والإيمان الصحيح بماضيها الأصيل، تنقصها
استعادة أمجاد ماضي الأجداد لتسير اليوم بسواعد الجيل الجديد بناء وتعميرا وقوة
وثباتا، لتكون ندا قويا لأمثال نتنياهو وغيره الكثير من أقرانه وداعميه، ولتثبت
حضارتها وتاريخها هي، وليس تاريخ ذلك الآخر وفروع حياته وتفاصيلها؛ من موضات وصرعات
وآخر الموديلات.. من كل شيء يُنتج ويُصنع في الحياة.
هل ستبقى الأمة العربية اليوم على هامش طريق الحياة وعلى حافته؟ ماذا ينقصها؟ تنقصها الإرادة والتصميم والإيمان الصحيح بماضيها الأصيل، تنقصها استعادة أمجاد ماضي الأجداد لتسير اليوم بسواعد الجيل الجديد بناء وتعميرا وقوة وثباتا، لتكون ندا قويا لأمثال نتنياهو وغيره الكثير من أقرانه وداعميه، ولتثبت حضارتها وتاريخها
اليوم في هذه الحياة التي لا تحظى بالعاطفة وتتسم
بالقوة في طبيعتها ومسارها؛ هل ستفكر الأمة العربية وتعيد النظر بطريقة حياتها
لحظة واحدة؟ أم أنها ستبقى أسيرة في دائرة الاستهلاك المضحكة وتقول وتتغنى دائما:
نحن أصحاب الأمجاد نحن من طال السحاب؟ ذلك ممكن، لكنه بأيدي ذلك الآخر، بسلعته ومنتجه
المكتوب عليه صُنع في غير ديار العروبة والعرب، ويمكن بتمويل فقط من أمة العروبة
والعرب، حتى تعود الحقوق وأولها فلسطين. من الأَولى ترك التفكير السطحي، وترك
النمط الاستهلاكي الذي يعني الخضوع والتوجه إلى دائرة واحدة هي الإنتاج، هي العمل
الإيجابي ذو النفع والفائدة الملموسة.
آخر الكلام:
اليابان لم تسمع صوتها لأرجاء العالم كله بالنووي ولا
بأمثاله، بل بالفكر والإنتاج والصناعة.. أسمعت ودوّى صوتها اليوم، صارت تلك الشجرة
القوية المُهابة الثابت جذرها في عمق الأرض، طمست أحزان الماضي بمجد الحاضر؛ لأنها
ببساطة رفضت الخضوع والاستسلام للوهم للوهن أو للبكاء على أطلال الزمن الماضي، ولم
تقل فقط كنا وكنا؛ شعارها اليوم كنا وصرنا والعالم كله يتعلم منا.
أمة العروبة: لذيذة هي التبولة وصحن الفلافل، لكن في
الحياة أكثر إلحاحا وأكثر متعة ولذة.. لينتج وليصنع ويبقى واقع يصل كل
البحار ويلمس الغيم بفكرة من أولها إلى آخرها عربية. متى تنهضي أمة العرب؟ يبقى
السؤال وتبقى الإجابة مكتوبة معلقة، معلقة على التمني باليقظة العربية المرجوة قبل
فوات الأوان، حيث الواقع الحياتي المؤلم، حيث ضعف وانحسار فوّهة الأمل رويدا رويدا
وبتسارع كبير.. يحصر الأمة العربية، يوثق الرباط حول أبنائها بشدة وقسوة تتطلب
الوجود اليوم في الطريق نفسه للقوة، من صناعة وغيرها، لضمان البقاء والاستمرار وإبعاد
شبح الوجود كصورة، كذات ساكنة صامتة تتحرك عند الرغبة ومعها متعة النمط الاستهلاكي.
فلسطين وغيرها من دموع الحزن العربية تنادي بأعلى
الصوت، فأين هو سامع النداء؟ هذا هو السؤال.