في هذه الأوقات وهذا الزمن المعاش تهتز أركان البيت
العربي، تتبعثر مفردات العائلة والأسرة العربية.. يحدث الخلل، الكل متعنت ثابت على
رأيه، الزوج أو الزوجة.. الكل متمسك بأدلته تجاه الآخر الذي كان قبل لحظات قريبة
هو الأقرب إلى النفس والروح والوجدان والإحساس والمشاعر.. قبل لحظات فقط كان هو الأقرب
بل الأكثر قربا من أي كان في الحياة كلها، لكن تبعثرت الأوراق وتساقطت واشتدت
العاصفة وريحها لتنذر بالخراب.. ياه الخراب وخاصة إن كانت ثمار هذا
الزواج تلك
الطفولة البريئة؛ ما ذنبها وما هو خطؤها وهي لا تزال براعم صغيرة؟
هذا الوصف البسيط ينطبق كلية على أحوال العائلة والأسرة
العربية اليوم أيا كان مكان تواجدها، فأغلب أسباب العطب في العلاقة الزوجية
متشابهة متقاربة المعنى والمضمون، لكن لماذا كل ذلك؟ أين هو الرشيد؟ ربما مع مسار
الحياة المادية حاليا لم يعد هناك رشيد ولا متأن ولا متبصر بعواقب الأمور ونتائج
ذلك الخلاف الزوجي الذي يعطي ملامح التشرد والضياع لأفرادها زوج أو زوجة أو أطفال وأبناء.
أهل الزوجة سند اليوم لابنتهم للطلاق للانفصال فالرجال
كثر، لم يعد طلاق الابنة مستهجنا غير مألوف كما كان سابقا، فموازين الحياة تغيرت
كلية.. تجد غير زوجها الذي سكنت إليه فرحت معه ليلة العرس فرحة العمر كله، كانت
فرحة لكنها اليوم بعد الإصرار على
الطلاق صارت من الماضي الواجب نسيانه وبداية
صفحة جديدة مع رجل آخر، ويقال كله قسمة ونصيب والرجال كثر.
ربما يجد الرجل زوجة جديدة لكن هل سيتمكن من بناء حبل
متين معها؟ وإن وجدت تلك الزوجة زوجا جديدا، هل ستتمكن من بناء جدار ثقة جديد مع
هذا الزوج الجديد؟ وما هو مصير الأبناء؟ أهل الزوج وأهل الزوجة ما دورهم؟ مصير الأبناء
مجهول، هنا قد تحالفهم السعادة أو تصب عليهم لعنة الشقاء واليأس والتشرد والتوهان
في دوامة الحياة المُرة الصعبة.
تتمتع الأم ويتمتع الأب أو أحدهما مع ذلك الجديد، والأبناء
صاروا ثمرة مكروهة، لماذا جاؤوا إلى هذه الحياة؟ حال الندم أصاب كل شيء، والبحث عن
حل لكن أين هو؟ حدث الطلاق تفرقت العائلة والأسرة واختفت المحبة واللهفة المصاحبة
للحب الأول أيام الخطوبة وليلة الزفاف، كله تبخر وصار في خبر كان.
سريعة هي أحداث الحياة، أسرع من الضوء أحيانا لكن هذا
الطلاق كان العاصفة المدمرة المهلكة. كثيرة هي حالاته ونتائجه السلبية على
المجتمع
العربي بصورة عامة، هل ينقص المجتمع العربي مزيد من الزلازل المهلكة مثقل هو بالأحمال
الثقيلة التي لا حلول لها؟ ويأتي الطلاق بتبعاته المريرة عليه كمجتمع، كيف سيتحمل
وهو كله مأزوم مريض تعب؟
الطلاق اليوم تقام له وعنه الكثير من الندوات
والمؤتمرات والحوارات، لكن أين الحلول؟ كله كلام بكلام فقط، لا حل مريحا جذريا
لموضوع الطلاق، وكثرة حالاته التي في أحيان كثيرة لأسباب تافهة، لكن ربما هي طبيعة
الحياة الحالية، شكلها وملامحها ساهمت إلى حد كبير فيه وفي كثرته. ربما هي القدرة
المالية أو ضعفها لدى الزوج تقابلها زوجة متفاخرة لا مبالية، أو على العكس زوج غير
مسؤول بالمرة وزوجة تريد الحياة والارتشاف منها، أو تدخل الأهل والآخرين المخربين..
أو.. أو..؟ وتبقى أسباب الطلاق كثيرة لا حصر لها ولا حلول، يحل كالعاصفة لتزيد
المجتمع العربي أهوالا ومصائب هو في غنى عنها في الأصل.
أين الخبراء وأين أصحاب العقل الرشيد؟ أين الحمل
والتحمل من كلا الزوجين للآخر في كل لحظات الزواج ومراحله وأوقاته؟ أين هي إذن
المودة الحقيقية التي بني عليها هذا الزواج؟ إذن ربما بني على لهفة الرجولة وإثباتها؟
أو لهفة المال ومتاع الحياة الموعود بالنسبة للزوجة؟ تبخر كل شيء بعد ليلة الزواج
أو أسبوعه الأول، لا أحد من الزوجين يريد التحمل والصبر أو يتحمل أحدهما، والآخر
يفتعل المشاكل حتى تكبر ويأتي الطلاق بأوراقه، والمأساة إن كان ثمرة الزواج أطفال
وأبناء.
الطلاق ليس لعبة كما أن الزواج ليس لعبة ولا مبنيا على
الأهواء، فهو -أي الزواج- مودة ورحمة وبناء، ومن لم يحمل ولا يمتلك مثل هذه الصفات
لينسَ الموضوع كله. لا داعي أبدا لاستحضار المشاكل داخل الجسد العربي والوطن
العربي كله، فحاله اليوم يبكي الحجر لضعفه وهوانه وقلة حيلته.
الأناة والصبر هما مفتاح الفرج، لكن هل من قارئ ومتعظ
وعامل بالنصيحة؟
يبقى السؤال وتبقى إجابته لدى كل إنسان من أبناء
المجتمع العربي كله، ويبقى الزواج في حقيقته مسؤولية مشتركة بين طرفيه، زوجا وزوجة،
خارج إطار اللعب والتسلية وتعبئة وقت الفراغ.
الزواج مؤسسة كبيرة لها ملفاتها الكثيرة وأوراقها الأكثر
والتي تحتاج أولا وآخرا إلى طرفين، زوجا وزوجة، أهلا لذلك بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة،
والنتيجة والتقييم النهائي بالعمل لا بالقول.. ياما قد قيل وقيل وقيل، وبعد القيل للأسف
كثرة زادت حالات الطلاق. هل تجمّد الإحساس واختفت المشاعر؟ أين هي مودة الزواج
نظرات الإعجاب الأولى؟
إذن: السؤال باق دون إجابة واضحة.