نشر "معهد واشنطن" تحليلا مشتركا
للباحثة حنين غدار، والباحث أندرو تابلر، أكدا فيه أن تفشي وباء
الكوليرا في
سوريا
ولبنان ومحاولات التعامل معه حتى الآن ليست سوى أحدث أعراض انهيار الدولتين، خاصة
أن المرض ينتشر بسرعة في المناطق التي لا يتوفر للناس فيها مياه نظيفة أو لا
يمارسون عادات نظافة صحيّة.
وأوضح التحليل أن بكتيريا الكوليرا
انتشرت في سوريا نتيجة تدمير البنية التحتية للصرف الصحي بسبب الحرب التي استمرت
أكثر من 11 عامًا، حيث تضررت نحو ثلثي نقاط معالجة المياه في البلاد ونصف محطات
الضخ وثلث مخزونها، وغالبًا ما تكون خارج الخدمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
وأكد الباحثان أن تصريف معظم مياه
الصرف الصحي في سوريا يتم دون معالجة، وهي تختلط الآن بإمدادات المياه العذبة
وتتبع مجرى النهر في الأنهار والروافد خارج حدود سوريا.
وأوضح التحليل أن تقسيم مناطق السيطرة
في سوريا بين مناطق سيطرة النظام التي تسيطر عليها روسيا وإيران والمناطق الأخرى
التي يسيطر عليها وكلاء مدعومون من قبل تركيا والولايات المتحدة، يواصل تعقيد
وإبطاء بناء مرافق معالجة المياه.
وكذلك يفعل الانهيار الاقتصادي في كل
من سوريا ولبنان، حيث أدى نقص الوقود إلى انكماش شديد في خدمات الحكومة المحلية
مثل الكهرباء، لذلك، حتى لو تم تشييد مشاريع المياه المقدر عددها بـ 200 مشروع في
سوريا، فإن الكهرباء المتاحة لتشغيلها قليلة أو منعدمة تمامًا.
وأشار التحليل إلى أن المشكلة الحقيقية
في انتشار الكوليرا بسوريا ليست طبية، لكنها تتعلق بعدم تقديم الحكومة خدمات بسبب
انهيار الدولة ومؤسساتها، لافتا إلى أن إصلاح المشكلة باللقاحات والأدوية، يحل فقط
أحد التداعيات الصغرى للمشكلة الرئيسية، التي هي انهيار الدولة.
وبين أن سوريا لا تعاني فقط من فقط
تقسيم البلاد، وإنما من نقص خدمات الدولة والخدمات المحلية يعني أن احتواء شيء مثل
الكوليرا يمكن تحقيقه في نهاية المطاف من خلال العمل على حواف المشكلة، لكن احتواء
المصدر النهائي لامتزاج مياه الصرف الصحي والمياه العذبة أمر مستحيل دون إنشاء مرافق
الصرف الصحي للمياه، التي لم تبدأ العمل حتى في البلاد وليس هناك مال لتمويلها.
وقدمت منظمة الصحة العالمية منذ تفشي
الوباء في سوريا (آب/ أغسطس 2022) نحو مليوني جرعة من اللقاح الفموي في سوريا،
بينما تتواصل أعمال تأهيل خدمات الصرف الصحي والنظافة، بما في ذلك تحسين الوصول
إلى المياه الصالحة للشرب من خلال إيصال إمدادات المياه العذبة والمياه المطهرة
بالكلور إلى المشردين داخليًا والمخيمات والمدارس.
وانتشرت الكوليرا في
لبنان أوائل تشرين
الأول/أكتوبر، وهو أول انتشار للكوليرا في البلاد منذ عام 1993.
وهذا الانتشار مثير للقلق بشكل خاص
للأطفال الصغار، حيث تؤثر 29 بالمئة من حالات الكوليرا في لبنان على أولئك الذين
تتراوح أعمارهم بين يوم واحد وأربعة سنوات. 21 بالمئة من اللبنانيين الذين أصيبوا
بالفيروس نُقلوا إلى المستشفى.
وقدمت فرنسا عقب إعلان تفشي الكوليرا
في لبنان 13 ألف جرعة لقاح من شركة الأدوية الفرنسية سانوفي، بينما أعلن صندوق
الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ (CERF) والصندوق الإنساني اللبناني عن حزمة بقيمة
9.5 مليون دولار لوقف انتشار الكوليرا في لبنان.
وبحلول الأول من كانون الأول/ ديسمبر،
تم إيصال 457251 لقاحًا من لقاحات الكوليرا، واعتبارًا من 19 كانون الأول/ ديسمبر،
سُجلت 5328 حالة كوليرا تبادلية ومشتبه بها ومؤكدة في البلاد، وذلك وفقًا لوزارة
الصحة العامة اللبنانية. وبحلول نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2022، انخفض عدد
الحالات لكن هذا لا يعني أن انتشار الكوليرا قد توقف.
وبحسب البحث، فإن الدراسات تشير إلى أن
بعض الأنهار في لبنان، وخاصة نهر الليطاني، قد تلوّثت بالكوليرا. وهناك تقارير
أخرى تفيد بأن نهر الفرات الذي ينطلق من سوريا إلى العراق ملوث أيضًا بالكوليرا،
مما يعني أن الفيروس الذي تم احتواؤه حتى الآن بين لبنان وسوريا سيصل في نهاية
المطاف إلى الدول المجاورة عبر هذين النهرين.
مع استمرار المجتمع الدولي في إدارة
المشكلة، سيتطلب حل تفشي الكوليرا معالجة المشكلة المدمرة المتمثلة في انهيار
الدولة في سوريا ولبنان، التي لا توجد لها إجابات سهلة في القريب العاجل.
وشدد البحث على أن المشكلة الصحية هي
مجرد تداعيات لقضية انهيار الدولة، نتيجة الفساد، مؤكدة أن من يحمي الفساد ويقاوم
الإصلاحات اليوم شخصيات سياسية في لبنان.
وأضاف: نحن نتحدث بشكل أساسي عن الطبقة
السياسية الفاسدة وحزب الله الذي يوفر المظلة الواقية لكل هذا الفساد، ولن يتم حل
أي من هذا دون استهداف القضية الأساسية في لبنان وهي المظلة السياسية التي تحمي
الفساد.
ودعا التحليل واشنطن وحلفائها لمحاولة تذليل
العقبات والتوفيق بين المتناقضين عند معالجة المشاكل الناجمة عن انهيار الدولة في
سوريا ولبنان، وفي الوقت نفسه الإبقاء على التدابير المصممة للتصدي لأعمال
الأسد وحزب
الله المخلة بالاستقرار.