نشرت مجلة كريتر التركية مقالا للكاتب نبي ميش، سلط فيه الضوء على فشل
الائتلافات الحكومية في تركيا في إدارة البلاد، موضحا أن تجمع ستة أحزاب معارضة ذات أيديولوجيات وهويات سياسية مختلفة ستواجه اختبارا صعبا للغاية إذا وصلت للسلطة في الانتخابات التي ستجري في آيار/ مايو المقبل.
وقال
الكاتب إنه مع بقاء أقل من 100 يوم على
الانتخابات التركية، أعلنت ستة أحزاب معارضة (الطاولة السداسية) برنامجها، وهو نوع من قائمة الرغبات، مع تجنب القضايا الهامة للبلاد.
وأفاد بأنه يمكن سرد العديد من الأسباب التي جعلت حزب
العدالة والتنمية في السلطة لمدة طويلة. كل منها له جانبه التوضيحي. ولكن، إذا شرحنا نجاح "العدالة والتنمية" في مجالات مختلفة، من السياسة الخارجية إلى الخدمة والاستثمار، ومن نجاحه في السياسات الاجتماعية إلى الاختراقات في صناعة الدفاع، فسيكون ذلك بلا شك "استقرارًا سياسيًا".
وشدد على أن "الاستقرار السياسي" في الحياة السياسية التركية شرط أساسي لاستقرار الحكم، وهو المحدد الرئيسي للتحول والتنمية في البلاد، ولذلك فإن عدم وجود استقرار سياسي وإداري يجعل التدخلات التي تثير الأزمات لا تنتهي.
ومن الصعب تحقيق الوحدة الداخلية للأحزاب، ناهيك عن الأداء المتناغم للحكومة بينها، بالإضافة إلى البيروقراطية البطيئة والعوائق التي تكتنفها.
وفي عهد حكومات الحزب الديمقراطي في الخمسينيات، وحزب العدالة في النصف الثاني من الستينيات، وحزب الوطن الأم في الثمانينيات من القرن الماضي، كان للاستقرار في الحكم، دور فعال في تطوير تركيا في جميع المجالات.
ومع ذلك، فإن فترات الحكومات الائتلافية التي وصلت إلى السلطة في السبعينيات والتسعينيات اعتبرت سنوات "ضائعة" لتركيا، حيث أدى عدم الاستقرار السياسي بسبب الانقلابات إلى جعل الفضاء السياسي هشا ومشتتا.
وفي تاريخ التحالفات في تركيا، كان الافتقار إلى طول عمر الحكومات يرجع إلى حقيقة أن وجهات نظر هذه الأحزاب حول العالم، ووجهات نظرها تجاه تركيا، كانت متباعدة للغاية، وليس عدد الأحزاب التي تتقاسم السلطة.
وقدمت بعض الدوائر، أن الائتلاف الذي شكل بين حزب الشعب الجمهوري وحزب الخلاص الوطني في عام 1974 على أنه نجاح، رغم الاختلال في المواقف الأيديولوجية، ليس سوى تحريف للواقع، وحتى النجاح الذي حقق في التدخل بالقضية القبرصية لم يضمن استمرار هذا التحالف.
وبين عامي 1996-1997، اختلف ائتلاف حزبي الرفاه، والطريق القويم (طريق الرفاه) عن بعضهما البعض في رؤيتهما للعالم وقضايا تركيا. وعندما تم اتخاذ خطوات لتدمير الاستقرار السياسي في بيئة الأزمة التي خلقتها "هياكل الوصاية"، من أجل تأجيج هذه الاختلافات في الرأي، جاءت الاستقالات من الحزبين وتفكك الائتلاف. وقال النواب الذين استقالوا في ذلك الوقت في مذكراتهم إنهم استقالوا بعد "تحريض عسكري"، كما أن الأموال المدفوعة لنقل أو ضم النواب إلى أحزاب أخرى تسببت بمعارك بين النواب.
وبينما كان عدد النواب 270 نائبا، عندما تم تشكيل حكومة (طريق الرفاه)، استقال 50 نائبا في وقت لاحق أو أجبروا على الاستقالة من أحزابهم. وتم إنشاء حكومة أقلية تعرف بـ"ائتلاف ANASOL-D المكون من أحزاب الوطن الأم وتركيا الديمقراطية واليسار الديمقراطي" في 30 حزيران/ يونيو 1997.
وبالمثل أيضا بالنسبة للحكومة الائتلافية ما بين 1999-2002، حيث لم يكن بالإمكان الحفاظ على الحكومة الائتلافية التي تشكلت من حزب اليسار الديمقراطي، وحزب الوطن الأم، وحزب الحركة القومية، ذات الهويات اليسارية والليبرالية والقومية رغم كافة الجهود المبذولة.
وكانت النظرة العالمية للأطراف الثلاثة بشكل عام والرؤية لتركيا بشكل خاص، ومسألة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، والبرنامج الاقتصادي، والعلاقات مع صندوق النقد الدولي، وكذلك وجهات النظر في العديد من القضايا مختلفة تماما عن بعضها البعض.
أدت الاختلافات في وجهات النظر العالمية إلى تعميق المواقف المتضاربة بسبب التصدعات في جميع المجالات التي تمس الدولة والحكومة، من طريقة عملهما بين الوزراء، وسير عمل البيروقراطية، وبرامج الاستثمار لرجال الأعمال، والمواقف المختلفة. من ممارسي الأمن والسياسة الخارجية.
وعلى سبيل المثال بينما قال رئيس الوزراء الأسبق مسعود يلماز إن بعض الدوائر في حكومته قاومت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، اتهم الوزراء بعضهم البعض بعرقلة الأعمال بينهم، كما أن البرنامج الاقتصادي الذي حاول تنفيذه مع صندوق النقد الدولي أدى لانهيار الحكومة.
وقبل تشكيل الحكومات الائتلافية، يتم إنشاء بروتوكولات مشتركة وبرامج حكومية، ومع مراعاة حساسيات الأطراف يتم التوصل إلى اتفاق بشأن هذه البرامج، والبروتوكلات هي اتفاق حول كيفية حكم الائتلاف للبلاد إذا جرى تشكيل حكومة مشتركة.
وبعد نقاش طويل تم التوقيع على برنامج المصالحة وبروتوكول الائتلاف بين حزبي الطريق الصحيح والرفاه و بروتوكول "حكومة المصالحة" بين أحزاب اليسار الديمقراطي والوطن الأم والحركة القومية. وكانت جرائم المعتقد المنصوص عليها في المادة 163 من قانون العقوبات التركي أهم عنوان بالنسبة لحزب الخلاص الوطني في بروتوكول ائتلاف حزبي الشعب الجمهوري والخلاص الوطني.
ولقد أثار قانون العفو الذي أقره البرلمان ورفضه نواب حزب الشعب الجمهوري رغم وجوده في البروتوكول غضب حزب الخلاص الوطني، وأدى بيان حزب الخلاص الوطني الذي أدان هذا التصرف إلى أزمة ثقة في الحكومة.
وبالمثل، على الرغم من تشكيل ائتلاف (طريق الرفاه)، وائتلاف بين اليسار الديمقراطي والوطن الأم والحركة القومية المعروف بـ"ANASOL-M"، فإن الاختلافات في الرأي التي ظهرت في تنفيذ البرنامج في الإجراءات الحكومية عمقت الأزمات بينهما.
ووصف رئيس وزراء ائتلاف "ANASOL-M"، الخلافات في الرأي حول تحويل القضايا المدرجة في "برنامج الاستقرار"، والذي ذكر أنه ضروري للخروج من الأزمة الاقتصادية بأنها أزمة دولة. وكان سبب اندلاع الأزمة هو عدم التقاء الأحزاب تحت مظلة مشتركة، أي أنه كل حزب يحمل رؤية مختلفة عن الآخر.
ومؤخرا، نشرت ستة أحزاب ذات أيديولوجيات وهويات سياسية مختلفة برنامجا مشتركا للانتخابات، وأعلنت أنها ستمتثل لهذا البرنامج إذا وصلت إلى السلطة وشكلت الحكومة. تماما كما أكده قادة الأحزاب الذين أعدوا بروتوكولا مشتركا قبل تشكيل الحكومات الائتلافية السابقة. والفرق بين الماضي والحاضر، هو أن المفاوضات السياسية تتم بنفس الوزن، دون معرفة الحزب الذي سيحصل على عدد الأصوات في الانتخابات البرلمانية.
التوحد في معارضة أردوغان
واجتمعت أحزاب المعارضة بهدف معارضة أردوغان والحكومة التركية، ولم يكن التشابه في وجهات النظر العالمية أو المنظور المشترك لمستقبل البلاد هو الذي شكّل الدافع للتوحد.
دفعت معارضة أردوغان العديد من السياسيين الذين انفصلوا عن حزب العدالة والتنمية إلى تشكيل أحزاب "ديفا" و"المستقبل" ذات التوجهات الليبرالية والمحافظة، وسياسيين انفصلوا عن حزب الحركة القومية لتشكيل حزب الجيد الذي يشدد على قوميته، بالتوحد مع حزب السعادة الذي يزعم أنه استمرار لـ"الرؤية الوطنية"، وحزب الشعب الجمهوري.
ومع بقاء أقل من 100 يوم على الانتخابات التركية، أعلنت الأحزاب الستة بعد اجتماعات مطولة على طاولة واحدة برنامجها، وهو نوع من قائمة الرغبات، مليء بالتناقضات. ووضع كل طرف القضايا التي أراد إبرازها بطريقته الخاصة في النص المشترك.
ولم يتم تضمين القضايا التي لم يتم الاتفاق بشأنها في البرنامج، والتي تعد أهم قضايا البلاد، مثل كيفية محاربة الإرهاب، وآلية حل قضية قبرص، والسياسات المستخدمة للحد من التضخم، وآلية التعامل مع مشاكل سوريا وأوكرانيا.
ورغم أن مذكرة "السياسات المشتركة" المعلنة من الأحزاب الستة طويلة، إلا أن الموضوعات الاستراتيجية مثل السياسة الخارجية والدفاع ومكافحة الإرهاب أخذت حيزا بسيطا فيها.
ورأى الكاتب، أنه رغم التوافق على برنامج بينها، فإن الناخبين سوف ينظرون فيما إذا كانت الأحزاب المكونة من ستة أيديولوجيات مختلفة ستكون قادرة على حكم البلاد إذا فازت بالانتخابات. ولا تزال القضية الأكثر أهمية التي طرحها الناخبون وأبدوا اهتماما بها في السنوات الـ20 الماضية، هي الاستقرار السياسي.
ورغم وجود أزمات وهجمات ومساعي إغلاق، ومحاولات انقلاب خلال فترة حكومات أردوغان، فقد تم التغلب على كل هذه السلبيات بفضل الاستقرار الذي تم توفيره.
والاتفاق على برنامج لا يضمن المستقبل، وبالنسبة للأحزاب ذات وجهات نظر عالمية مختلفة، فإن إدارة الائتلاف بينها يعد اختبارا صعبا للغاية.
وعلى سبيل المثال، حتى عندما تم الإعلان عن مذكرة "السياسات المشتركة" كان هناك اختلاف في الرأي، وأصيب حزب السعادة بخيبة أمل من ذكر مسألة "اتفاقية إسطنبول"، في الإعلان عن مذكرة "السياسات المشتركة" رغم عدم ضمها للنص بعد اعتراضه عليها.