هذه المعارضة لن تفلح في إسقاط هذا الانقلاب.. وهذه الجملة تحبط المعارضة في
تونس وستقرؤها كجملة إسناد للانقلاب، ولهذا السبب بالذات فإن هذه المعارضة قاصرة
ومتخلفة عن المرحلة وتؤبد الانقلاب الذي يعيش من ضعفها لا من قوته الخاصة.
هل هذا وقت نقد المعارضة؟ نعم، إذا كانت معارضة الانقلاب مهمة تاريخية
(وأخلاقية) لكل ديمقراطي ولكل إنسان يؤمن بالحرية ودورها في بناء المستقبل، فإن
الوقوف على هذه الحقيقة يصبح الخطة الأساس لبناء فعل سياسي ديمقراطي، ولذلك فإن
نقد المعارضة عندي الآن وبعد تيه يتقدم على نقد الانقلاب أو السخرية من فعاله أو
أفكاره وتحويل سقطاته إلى نجاح كسول لمن يعارض.
إذا كانت معارضة الانقلاب مهمة تاريخية (وأخلاقية) لكل ديمقراطي ولكل إنسان يؤمن بالحرية ودورها في بناء المستقبل، فإن الوقوف على هذه الحقيقة يصبح الخطة الأساس لبناء فعل سياسي ديمقراطي، ولذلك فإن نقد المعارضة عندي الآن وبعد تيه يتقدم على نقد الانقلاب أو السخرية من فعاله أو أفكاره وتحويل سقطاته إلى نجاح كسول لمن يعارض
من هي المعارضة أولا؟
وجب منهجيا فرز الموجود ومنه وضع قاعدة فرز منهجية لقياس المعارضات؛ لأن الأصوات
تختلط فتشوش الصورة. النقابة تروج لنفسها الآن كجهة معارضة والرباعي الحزبي يفعل
ذلك في صالوناته و
جبهة الخلاص تتحرك من موقع معارض، فضلا عن شخصيات كثيرة ذات
تأثير وصوتها يُسمع في دوائر مؤثرة لكن لا وجود لرابط حقيقي بين هذه المكونات.
هناك سؤال وجب توجيهه لكثيرين: على أي قاعدة تعارض ومن أجل أي بديل؟ كيف
تعارض الانقلاب وتتبنى دستوره وقوانينه؟ لماذا تعارضه إذا كنت قبلتَ مشروعه لتغيير
هيئة الدولة ومصير البلد؟ ألست قد سلمت له بشرعية ما قام به؟
أرى أن معارضة النقابة ولو
خرجت للشارع بكل فروعها ومنخرطيها لا تختلف عن
الانقلاب في شيء وليس لها مشروع، ولذلك لا أصنفها في المعارضة مهما ارتفع صوتها،
ومثل النقابة كمثل من يساندها من الأحزاب وأعني الرباعي التقدمي.
أرى الموقف الوحيد السليم دستوريا وأخلاقيا وبالتالي سياسيا هو المعارضة
على قاعدة العودة إلى دستور 2014، والبناء على هذا من حيث المبدأ ثم الاجتهاد في
تحويل المبدأ إلى خطة عمل سياسي وميداني بما في ذلك وضع خطة لتعديل مواضيع الخلاف
في الدستور. هذه هي المعارضة المنطقية لسلطة انقلابية بدأت بإلغاء الدستور
المرجعي.
الموقف الوحيد السليم دستوريا وأخلاقيا وبالتالي سياسيا هو المعارضة على قاعدة العودة إلى دستور 2014، والبناء على هذا من حيث المبدأ ثم الاجتهاد في تحويل المبدأ إلى خطة عمل سياسي وميداني بما في ذلك وضع خطة لتعديل مواضيع الخلاف في الدستور
بالاتفاق على المرجعية الدستورية للمعارضة هناك مسألة جوهرية لبناء موقف
معارض سليم قانونيا وأخلاقيا وبالتالي سياسيا؛ هي نقد الأدوار والمساهمات في مرحلة
ما قبل الانقلاب.
لقد غدر الانقلاب بكل النخبة السياسية، إذ
خرب الاحتمال الديمقراطي برمته
وقد استفاد من خلافات سابقة وجيرها لمصلحته، وهذا وعي متأخر بخطورة ما جرى. لماذا
كانت هناك اختلافات حول الأسس؟ لقد كانت خلافات حول المواقع والمنافع مع غفلة
كبيرة على صيانة الحريات كقاعدة فعل سياسي، من هنا تسرب الاستئصال السياسي وشارك
طيف واسع في الاستئصال بدرجات متفاوتة، فتمت التضحية بشريك فعال وتحميله مسؤوليات
لم تكن له وما كان قادرا على تحملها لوحده. وقد استمر ذلك حتى اللحظة لتبرير
التملص من العمل المشترك، ونرى أنه إذا تم الاتفاق على مرجعية دستورية دون تقديم
نقد ذاتي للمواقف والقراءات لما كان قبله وتحمل مسؤولية تخريب المسار/ الاحتمال
الديمقراطي فإن أي عمل معارض للانقلاب لا معنى له ولن يكون له أفق.
إن معارضة الانقلاب تبنى بالضرورة على نقد ما كان قبله على قاعدة
الديمقراطية، ومن قِبل كل الفاعلين وليس بنوايا وأفعال استئصالية ترتاح في تحميل
طرف واحد مسؤولية ما كان من سلبيات.
جبهة الخلاص تؤكد سلامة الموقف
في بيانها الأخير الصادر يوم الأحد (12 آذار/ مارس) أكدت سلامة الموقف المعارض
على الأرض؛ التمسك بدستور 2014 ورفض ما انبنى على غيره. بهذه المرجعية يكون رفض
برلمان الانقلاب الذي يعقد جلسته الأولى، فهو ليس برلمانا شرعيا طبقا لمبدأ قانوني
بسيط وواضح "ما بني على باطل فهو باطل"، وعلى بقية الطيف المعارض أن تتكلم
بنفس الوضوح.
لا نعول على النقابة أن تفعل ذلك ونراها قريبا تتظلم لدى برلمان غير شرعي
قائم على دستور غير شرعي وعلى انتخابات العشرة في المائة، وتحاول المناورة مع
الانقلاب بقبول أسسه ورفض عرضه أو بعض فعاله على أنها مخالفة لقواعد الديمقراطية،
وهذه مناورات نقابية نعرفها من زمن بن علي.
لا نعول على النقابة أن تفعل ذلك ونراها قريبا تتظلم لدى برلمان غير شرعي قائم على دستور غير شرعي وعلى انتخابات العشرة في المائة، وتحاول المناورة مع الانقلاب بقبول أسسه ورفض عرضه أو بعض فعاله على أنها مخالفة لقواعد الديمقراطية، وهذه مناورات نقابية نعرفها من زمن بن علي
بقي السؤال الذي لم نفتأ نكرره: لماذا لا يتفق الطيف المعارض على قاعدة
دستور 2014؟ الإجابة بسيطة وواضحة؛ العودة إلى دستور 2014 تعني عودة الصندوق
الانتخابي الشفاف، وهذا الصندوق سيعيد للإسلاميين حقا في الوجود محميا بالقانون،
وسواء منَحَهم الصندوق جزءا من السلطة أو منحهم حسب المواضعات مقعدا في المعارضة
فإنه سيكون موقعا محميا؛ ينهي هذه المرة تغوّل الأجهزة عليهم وامتهان التيار
الاستئصالي لوجودهم وحقوقهم. وكل عودة لهم تنقص من أقساط شركائهم الأضعف عددا وإن
كانوا الأعلى صوتا في إعلام فاسد.
باختصار، دستور 2014 يعيد
الإسلاميين إلى وضع الشريك الفاعل، وهذا خط أحمر
عند قوى داخلية وأخرى خارجية، والطرف الوحيد الذي تجاوز هذا الخط هو مكونات جبهة
الخلاص من أحزاب وشخصيات مؤثرة وفي مقدمتهم "مواطنون ضد الانقلاب"، لذلك
نقف معهم كمعارضة جدية بدأت تدفع الكلفة ولا تتراجع. هنا محرار صدق المعارضة، وهنا
نمحص المعارض الجاد من معارض الصالونات المرتاح في كنبته يوزع على الناس أقساط الأكسجين.
نلخص أكثر: مَن لم يكن في جبهة معارضة فيها مكون إسلامي طبقا لقواعد التعدد
السياسي التي رسخها دستور 2014 فهو مكون من مكونات الانقلاب؛ ينال من مغانمه عبر
التظاهر بمعارضته، وكم خبرنا في تونس مسرح المعارضة التي تموّلها السلطة للقيام
بدور المعارضة.